كتبت فاطمة سلامة | قمّة جدّة.. الأسد الحاضر الأبرز
فاطمة سلامة | العهد الإخباري
لطالما اقترنت قرارات قِمم الجامعة العربية بعبارة “حبر على ورق”. كثيرًا ما وُصفت هذه القِمم من قبل أهل السياسة والإعلام والمراقبين بـ”عديمة الجدوى”. التجربة التي امتدت منذ أول قمة عُقدت في أيار 1946 في الاسكندرية بمصر حتى عام 2022 تُثبت بقاء الكثير من المقررات بلا ترجمة عملية. قرارٌ واحد سلك طريقه فورًا الى التنفيذ ــ قبل 12 عامًا ــ ثمثّل في تعليق مشاركة الوفود السورية في الجامعة اعتبارًا من 16 تشرين الثاني 2011. حينها، قرّر مجلس وزراء الخارجية العرب وفي اجتماع طارئ عقده في مقر الأمانة العامة استبعاد سورية عن القمة العربية. القرار تزامن مع حرب كونية شُنّت على دمشق وتورطت بها أنظمة عربية فكان الاستبعاد جزءًا من هذه الحرب.
قمّة مفصلية واستراتيجية
وبعدما واجهت سورية وجابهت وانتصرت راجع العرب حساباتهم فعادوا اليها. وعليه، كانت الدعوة التي وُجّهت الى دمشق للمشاركة في الدورة الثانية والثلاثين للقمة العربية التي تنعقد اليوم الجمعة في جدّة بالسعودية (19 أيار) والتي يُشارك فيها الرئيس السوري بشار الأسد شخصيًا. يُنظر الى هذه القمة على أنها مفصلية واستراتيجية. تبدو لكثيرين كما لو أنها أوّل قمّة عربية تُعقد من حيث أهميتها ودلالاتها. وزير الخارجية الأسبق عدنان منصور ــ وهو الشاهد والحاضر لأكثر من قمّة عربية ــ يرى أنّ ما يُميز القمة العربية هذه المرّة هو حضور سورية. تبدو هذه القمة لمنصور بمثابة بداية إزالة الجليد بين دول المنطقة. القمة ــ برأيه ــ ستمتص الخلافات وتؤسّس لمرحلة مستقبلية جديدة وواعدة لصالح المنطقة وشعوبها وأمنها وسيادتها خاصة أننا أدركنا بعد الحروب والتوتر والأزمات الاقتصادية والسياسية أنّ أمن وسيادة المنطقة لا يتوفران الا من قبل أبنائها.
لذلك علينا أن نعوّل على أنفسنا وليس على الخارج. وفق منصور، فإنّ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن يوفّر الأمن والاستقرار للمنطقة لأنه يستفيد من النزاعات والخلافات المستحكمة. يستفيد عسكريًا من خلال مبيعات السلاح، واقتصاديًا من خلال الصادرات التي يُصدرها لعالمنا ومن خلال الاستغلال الذي يمارسه على الأرض. وفق قناعات منصور، هذه القمة هي بداية “مشوار” نأمل أن يستمر العرب فيه ويدركوا أهمية وحدة الهدف والصف العربي من أجل الحفاظ على سيادة المنطقة ومواجهة السياسات الخارجية التي تستهدف المنطقة ومواجهة العدو الصهيوني الذي يُشكّل التهديد الدائم والمستمر للأمة وشعوب المنطقة. يُعيد المتحدّث ويؤكّد أنّ مؤتمر القمة العربية الجمعة هو بداية إذابة الجليد بين أطراف كثيرة مهمة في دول غربي آسيا سواء بين إيران والسعودية من جهة أو السعودية وسوريا من جهة أخرى للتأسيس لما يعود بالفائدة على دول المنطقة.
قمة “الأسد – سلمان” من دون منازع
لدى سؤاله عن رمزية القمّة العربية الحالية، يُطلق عليها الإعلامي والكاتب السياسي روني ألفا لقب قمة “الأسد – سلمان” من دون منازع ويصفها بالقمة المفصلية التاريخية. يُبدي ألفا احترامه الكامل لعضوية كل الدول العربية، لكنّه يشدّد على أنّ ثمّة دولتين اليوم تتزعمان سياسيًا هذه القمة هما السعودية وسورية خاصة بعد عودة العرب الى سورية وليس العكس. دمشق لم تترك يومًا واحدًا ــ منذ اندلاع الحرب عليها عام 2011 ــ العروبة، بل بقيت في قلبها النابض. وجود سوريا ــ ومن دون أي مبالغة ــ في قلب الجامعة العربية أو رجوع الجامعة لسورية سيعيد للعرب ألقهم وقدرتهم على المواجهة واجتراح سيادتهم، فدور سوريا مهم جدًا جدًا وأكثر ممّا نتصور، وعليه، فالعرب ما قبل عودة سورية غير العرب ما بعد عودة سورية، يُضيف ألفا.
لا يُخفي المتحدّث أنّ هناك بعض التحفظات لبعض الدول العربية داخل الجامعة حيال عودة سورية، وهي تحفظات لفظية ولغوية ولا تعدو كونها مقدّمة للحاق بركب الإجماع العربي حول أهمية هذه العودة. لكنّ الأهم ــ برأي ألفا ــ هو أنّ هناك فرملة كبيرة لـ”تسونامي” التطبيع الذي كان يحلم به الاسرائيلي. تصريحات كيان العدو قبل أسابيع من القمة توحي بإصراره على التطبيع مع المملكة العربية السعودية قبل أن تأتيه الصفعة من المملكة نفسها عبر الاتفاق السعودي – الإيراني أولًا، ثم الاحتضان السعودي لسورية. وبالتالي، نحن أمام مرحلة من التطبيع سيئة جدًا للمطبّعين والكيان المؤقت.
يشدّد ألفا على أنّ هذه القمة ستحدّد ثوابت جديدة وتُعيد البوصلة الى مسألة إعادة إعمار سورية، كما أنها ستقوّي الموقف السوري الداخلي في ما يتعلّق بالاحتلالات التي لا تزال تجثم على الأرض السورية، وبالأخص الاحتلال الأميركي في “التنف” وتحالف هذا الاحتلال مع بؤر إرهابية ما زالت تتنقّل هنا وهناك، ثم حل المسألة التركية عبر انسحاب كامل للقوات التركية من شمال سوريا.
منطقة غرب آسيا ستكون في وضع جيوسياسي مختلف
يشير ألفا الى أننا لم نشهد قمّة بهذه الأهمية منذ أكثر من عقد أي منذ خروج سورية من اجتماعات الجامعة العربية. مذ ذلك الوقت، بات العرب بمنطق مختلف حيث اجتاحهم ما يُسمى “الربيع العربي” من مصر الى تونس وليبيا. لذلك ستكون الجامعة العربية من الآن فصاعدًا بنمط مختلف وكلمات ومفردات جيوسياسية مختلفة خاصة بعد الاتفاق السعودي الإيراني. والأهم أنّ هناك نظرة اقتصادية سياسية للمنطقة تقودها المملكة العربية السعودية بمؤازرة إيرانية ستعيد النظر بالخلافات التقليدية والتاريخية والطائفية والمذهبية. وفق ألفا، كل منطقة غرب آسيا وعلى وقع اجتماع الجامعة العربية اليوم الجمعة ستكون في وضع جيوسياسي مختلف.
وفي ختام حديثه، يكرّر ألفا تأكيده على أهمية القمّة المتمثّلة بأصل وجود الرئيس السوري بشار الأسد فيها. وفق حساباته، لو لم يكن الرئيس الأسد حاضرًا لكانت بلا أي لون، ولكانت مقرراتها حبرًا على ورق واستنساخ للقمم السابقة. برأيه، ستُعيد قمّة الأسد – سلمان الثنائية هوية ولغة ومقاربة الجامعة العربية للقضايا.