بات الحديث عن أزمة الكهرباء في لبنان مكررًا. في كل مرّة يُفتح فيها هذا الملف يجري الحديث عن هدر وسوء إدارة وعشوائية ومحاصصات، والنتيجة واحدة: الكهرباء مقطوعة عن اللبنانيين. لسنوات وسنوات أنجزت الخطط المفيدة لكنها للأسف بقيت ممنوعة من التنفيذ، حتى وصلنا اليوم الى ساعة كهرباء واحدة خلال الـ24 ساعة وبالكاد تصل الى المنازل. والمفارقة، أنّه وبموازاة كل هذه المعاناة والحرمان، فإنّ درب الحلول ليس مقطوعًا. ثمّة خيارات عدّة بإمكان الدولة اللجوء اليها لحل هذه المشكلة ولو بشكل جزئي لزيادة ساعات التغذية بدلًا من الاعتماد الكلي على المولدات الكهربائية الخاصة باهظة التكاليف. خيارات غير مكلفة اقتصاديًا وبيئيًا كالاعتماد على ثروات لبنان من مصادر الطاقة المتجدّدة كالمتساقطات لإنتاج ما يُعرف بالطاقة الكهرومائية حيث يتم استخدام الطّاقة المائيّة لتوليد الطّاقة الكهربائيّة.
ولا يخفى أنّ توليد الكهرباء من الماء واحد من أقدم المصادر لإنتاج الطاقة الكهربائية والتي استخدمتها العديد من الدول حول العالم، فأول محطة للطاقة الكهرومائية أنشئت عام 1882. وعام 2019 كانت المياه أكبر مصدر ـمن مصادر الطاقة المتجدّدةـ لإجمالي توليد الكهرباء في الولايات المتحدة. ووفقًا لتقرير سابق كانت قد أصدرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، استحوذت الطاقة الكهرومائية على 43% من سعة الطاقة المتجددة المركبة عالميًا. وعليه، طالبت الوكالة بمضاعفة السعة بحلول عام 2050.
أما في لبنان، فإنّ هذا الأسلوب لتوليد الطاقة ليس جديدًا. محطات بالجملة أنشئت قبل عقود كثيرة، لكن للأسف تعرّضت للإهمال حتى بات القسم الأكبر منها بلا جدوى، رغم أنّ هذه الطاقة المائية تؤمّن نظام طاقة مستقرًّا ونظيفًا بعيدًا عن التلوث ومنخفض الكلفة بعيدًا عن الفواتير العالية والتي تسبّبت بعجز كبير في مالية الدولة. والجدير ذكره أنّ جُل ما يحتاجه أي نظام لتوليد الكهرباء من الماء هو “توربين” لتحويل طاقة المياه المتدفقة إلى طاقة دورانية، ومن ثمّ إلى كهرباء، حيث يتدفّق الماء عبر فتحات السدود، ثم يندفع باتجاه التوربين ويدفعها لتشغيل مولّد لإنتاج الكهرباء.
الدكتور يوسف حمزة وهو أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية في مواد عدة منها “هندسة الإنشاءات المائية والسدود”، وسبق أن شغل منصب مستشار وزير الطاقة والمياه في عهد الوزير محمد فنيش، يلفت الى أنّ لبنان لا يملك إدارة مائية جيدة، والغرب يحاصره في هذا الإطار ولا يريد له سوى أن يكون موقعًا سياحيًا بسيطًا يتصدى لكل الأعمال التي تؤثر على العدو الصهيوني. ويشدّد حمزة على أنّ لبنان يتمتع بثروة مائية مهمة، ولكي نحفظ هذه الثروة علينا إصلاح كافة المعامل الكهرومائية وإعادتها الى وضعها السابق مع دراسات بيئية منطقية لها.
وفيما يشدّد حمزة على ضرورة تنفيذ مشاريع كهرومائية صغيرة الحجم على مجارٍ خفيفة باستعمال وتركيب “توربينات” أفقيًا وعموديًا، ويمكن ربطها بالطاقة الشمسية للعمل بشكل أكثر، يوضح المتحدّث أنّ لبنان يمتلك 16 محطة كهرومائية أنتجت في أقصى حالاتها 728 ميغاواط بسبب عدم الاهتمام بهذا المصدر من الطاقة. كميات كبيرة من المياه التي تغطّي المحطات الكهرومائية تأثرت بعامل حفر الآبار الجوفية حولها وخاصة في العاصي والبقاع والجنوب. حصّة الليطاني من الإنتاج كانت 500 ميغاواط لكننا حاليًا نستفيد فقط من 250 الى 282 ميغاواط وقد تصل أحيانًا الى 300 ميغاواط في معامل الطاقة في لبنان، بينما تتراوح حاجة لبنان سنويًا بين 3500 و4000 ميغاواط.
ويُدرج حمزة المحطات الـ16 بالأسماء وهي:
ـ الليطاني مركبا (ابراهيم عبد العال)
ـ أولي (بولس قرقش)
ـ جون (شارل الحلو) 1961
ـ نهر ابراهيم الشركة الفينيقية لقوات نهر ابرهيم المائية والكهربائية
ـ شوان
ـ يحشوش
ـ فتري 1961
ـ وادي القاديشا شركة القاديشا بشري
ـ مار ليشع
ـ بلوزا 1
ـ بلوزا 2
ـ ابو علي 1924
ـ نهر البارد امتياز البارد ـ البارد 1
ـ البارد 2
ـ نبع الصفا مؤسسة كهرباء لبنان
ـ رشميا
كميات جيدة من المتساقطات المائية والثلوج
ويشدّد حمزة على أنّ لبنان يمتلك كميات جيدة من المتساقطات المائية والثلوج في الأعالي والمجاري المائية المتعددة والينابيع الصغيرة، فضلًا عن المياه الجوفية المتوفّرة في البر والبحر. وبحسب حمزة، فإنّ المياه المتساقطة من المطر في لبنان تساوي مساحة لبنان “مضروبة” بـ850 ملم كمعدل مع الثلوج أي تساوي 8852 مليون متر مكعب. 48 بالمئة من هذه المياه تتبخّر، ليبقى لدينا 4619 مليون متر مكعب يذهب منها 63 بالمئة في الأنهار أي ما يوازي 5596 مليون متر مكعب، ويذهب 510 ملايين متر مكعب الى سوريا و310 ملايين متر مكعب الى فلسطين المحتلة كمياه سطحية. وعليه، بإمكاننا الاستفادة من الكمية المتبقية والتي تبلغ 3233 مليون متر مكعب في مجال توليد الطاقة بواسطة سدود صغيرة أو بحيرات جبلية.
وفي معرض حديثه عن أهمية إنشاء السدود، يشدّد حمزة على أنّ هناك خطة سبق أن أنجزت تمتد لمدة 25 سنة وتحتوي على بناء 25 سدًّا ومشاريع مائية وبحيرات جبلية وتحسين النظام المائي وشبكات المياه بكل القرى اللبنانية. ويعطي مثالًا على الاستفادة من السدود لافتًا الى أنه في عام 2006 تمكنا ـ وفي عهد الوزير فنيشـ من إضاءة بيروت لمدة 18 الى 23 ساعة، بواسطة سد “شبروح” حيث تبين أن جدوى السد صحيحة. وهنا يلفت حمزة الى أنّ ثمّة خلافات عرقلت الخطط أكثرها سياسية وكانت تغطى بأسباب علمية.
ويستعرض حمزة بعض النماذج للحديث عن أهمية الاستفادة من السدود، لافتًا الى أنّ سد العاصي ـوبكمية 370 مليون متر مكعبـ بإمكاننا توليد الطاقة الكهربائية ومياه الشفة للهرمل وغيرها من المناطق. أما في الجنوب فبإمكاننا إقامة سدود صغيرة على مجرى نهر الزهراني والحاصباني لا يتجاوز ارتفاعها 10 الى 15 مترا تحمي المياه من السيلان نحو البحر، ونستطيع بواسطة هذه السدود تأمين مياه الشفة للمناطق الموجودة فيها وتغذية المياه الجوفية وتوليد الطاقة الكهربائية بواسطة “المايكرو توربين” (التوربينات الصغيرة).
ووفق حمزة، بإمكاننا إقامة سد ما بين قرية يحمر والطيبة، اذ ثمّة منطقة تبعد عن محطة دفع المياه الى الطيبة شرقًا بحوالى 300 متر اسمها “الخرم” وتصل الى 10 أمتار. هناك باستطاعتنا بناء سد بارتفاع 70 مترا، وبإمكاننا توليد الطاقة الكهربائية بواسطة “توربين”، وفي المقابل تغذية محطة ضخ وتكرير المياه في الطيبة وإنارة جنوب وشرق السد. وهنا يلفت حمزة الى أنّ الكلفة الاقتصادية ـ وفق دراسة أجريناهاـ لهذا السد متدنية ولا تتجاوز 320 مليون دولار، يختم حمزة.
العهد الإخباري