كتبت عبير بسام | الدور الجديد للأردن في المنطقة العربية

عبير بسام | كاتبةوصحافية لبنانية

منذ أسبوعين تقريبًا، أتحفنا السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد، بأن أمريكا لن تغادر منطقتنا، بمعنى أنها ستبقى في دول الخليج العربي، وستواصل عملها في مياهه. ويؤكد فورد أن آخر ثلاثة رؤساء أميركيين اتفقوا أن لا حرب جديدة في غرب آسيا. لكن الوجود الأميركي سيستمر تحت مسمى محاربة الإرهاب. ويوجد في المنطقة اليوم 40 ألف جندي أميركي سيُحافَظ عليهم كقوة قتالية حقيقية. ولكن أهم ما قاله السفير، ولو بكلام مقتضب، كان حول قاعدة الأردن، والتي يوجد فيها 6000 آلاف من الجنود الأميركيين.

في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، تكشفت حقائق كثيرة حول الدور الجديد للأردن بعد قرار توسيع القاعدة الأمريكية في مطار “موفق السلطي” العسكري. جاء القرار بعد زيارة للملك عبد الله لواشنطن في تموز/يوليو 2021. كان عبد الله أول مسؤول عربي يلتقي بجو بايدن بعد تسلمه مهامه رئيسا لأمريكا. ثم نشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر وثيقة سرية حول دور الأردن في المنطقة. وكشفت الوثيقة دور الأردن في المرحلة القادمة في إعادة العلاقات العربية – السورية، وخروج جميع القوات الأجنيبة من سوريا، وفي الانفتاح العربي على إيران. فابتدأت في نهاية العام الماضي جولة مباحثات بين المملكة السعودية وإيران في عمان بعد ظهور بشائر قرب العودة إلى الاتفاق النووي.

كلام فورد يؤكد أن هناك دورًا مختلفًا سيلعبه الأميركي مع إعادة تموضع القوات الأميركية وترتيب تمركزها في الأردن. ففي أجواء ذكرى اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج أبو مهدي المهندس، أخلت القوات الأميركية قاعدة التنف في البادية السورية ونقلت عناصرها إلى قاعدة السلطي. ورغم الاحتجاجات الشعبية التي قامت في الأردن ضد تأسيس القاعدة الأميركية واعتبارها شكلًا من أشكال الاحتلال، إلا أن أحدًا لم يستطع إجبار الحكومة على إغلاقها. فمنذ أن تقرر توسيع القاعدة ونقل الجنود الأميركيين المتمركزين في القاعدة الأميركية في قطر إليها، بات جليًا أن هناك دورًا جديدًا يناط بالأردن.

يرتبط دور الأردن بموقعه الاستراتيجي على حدود ثلاث دول حيوية هي العراق وسوريا والسعودية، وبكونه جزءًا من بلاد الشام تاريخيًا. وهو الدولة الوحيدة من بين هذه الدول، الذي وقع اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني. ويعد الأردن امتداد فلسطين نحو الشرق. وقد تم تحييده عن الصراع مع “الإسرائيلي” منذ العام 1970، بعد عملية “أيلول الأسود” في عهد الملك الأردني السابق الملك حسين ضد الفدائيين في المخيمات الفلسطينية.

في تشرين الثاني من العام الماضي، نشرت صحيفة “الرأي” الأردنية خبر امتلاك الأردن لمفاعل نووي فاعل منذ العام 2019. ويمكن للمفاعل بحلول العام 2030 أن ينتج طاقة كهربائية من كمية صغيرة من المياه. أهمية الخبر تكمن في أن الأردن أول دولة عربية يسمح لها بامتلاك مفاعل نووي، والذي سيستخدم للأغراض السلمية الطبية وتحلية المياه وإنتاج الكهرباء. وهو ما تحاول أمريكا وأوروبا عرقلة إيران من الوصول إليه، بحجة أن إيران تحاول بناء قنبلة نووية. ولكن الدور الذي التزم به الأردن منذ توقيع معاهدة عربة للسلام مع الكيان الصهيوني في العام 1994 وحتى اليوم، تجعله من الدول التي تستطيع أمريكا الاعتماد عليها في المنطقة.

لم يبد الأردن كلاعب هام قبل بدء الحرب العالمية على سوريا إلا بعد الكشف عن دور غرفة العمليات الاستخباراتية التي أدارت الحرب على سوريا (موك) وكان عمادها المخابرات الأميركية والبريطانية والفرنسية بمشاركة صهيونية. نظمت الـ”موك” دخول المقاتلين الإرهابيين من جنسيات مختلفة، وخاصة القناصين من الشيشان وجورجيا، والذين لعبوا دورًا هامًا في زعزعة الثقة بين الدولة وبين الأهالي. أُدخل هؤلاء عبر أراضي المملكة إلى درعا والبادية السورية، وتم تمرير السلاح وحبوب الكبتاغون، وسُهل مرور اللاجئين السوريين من درعا إلى المخيمات التي بنيت لهم قبل اندلاع “الفورات” في المدينة. وأهم دور لعبته غرفة الـ”موك” في مدينة الزرقاء القريبة من الحدود السورية – الأردنية، هو تأمين الحدود السورية مع الجولان المحتل، وحماية “اسرائيل” عبر حدود 1967 السورية مع ريف درعا الغربي.

بعد أن أصبح مشروع تقسيم سوريا وإضعاف محور المقاومة وراءنا اليوم، والذي كان الأردن من الداعمين له، نستحضر التصريحات التي أطلقها الملك الأردني عبد الله الثاني حول “الهلال الشيعي” في العام 2004، في حديث لصحيفة الواشنطن بوست خلال زيارته لأمريكا. حملت رسالة عبد الله يومها رسائل تحذير من هذا الحلف، وذلك بعد عام من الحرب على العراق وسقوط صدام حسين.

ليس من المصادفة أن يبادر عبد الله يومها لهكذا تصريح، إذ تبين الدور المرسوم للأردن بتأن، والذي يستغل فيه جيدًا ضائقته الاقتصادية الحادة، والتي لم تنهها وعود الازدهار بعد إحلال السلام مع الكيان. دور تناسق مع المخطط القادم إلى المنطقة واحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد. فمن أهداف المخطط: إعادة تقسيم المملكة العربية السعودية، وضم الجزء الشمالي منها للمملكة الأردنية الهاشمية، لتتسع لاستقبال الفلسطينيين بعد إتمام سيطرة الاحتلال على القدس الشرقية والضفة الغربية ليتكامل ذلك مع مشروع صفقة القرن الذي أقر في كانون الثاني 2020 بين رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

خريطة إعادة تقسيم الشرق الأوسط، تظهر أن “الأردن الجديد” ستمتد أراضيه لتقتطع جزءًا من شواطئ البحر الأحمر. وفي الحقيقة، كان من المفترض بعد إقرار “صفقة القرن”، أن يعاد طرح إعادة التقسيم. لكن الأردن لم يبد أي رغبة أو حماس تجاه توسيع أراضيه، بل على العكس، رفض ذلك. والسبب هو الخطر الذي سيتأتى من عمل كهذا كضياع للهوية الأردنية.

يتشكل الأردن من مجموعة من العشائر العربية والتي لها امتدادها في العراق وسوريا وبعضها في منطقة الجوف في أراضي الجزيرة العربية. ومعظم هذه القبائل ما تزال تحافظ على تماسكها على حساب الهويات المحلية المختلفة في الدول التي قسمت على أساس اتفاق سايكس بيكو وغيره. خاصة وأنه في الظروف الراهنة لا يعرف مدى استعداد أو ردات فعل اللاجئين والمقيمين المطلوب تجنيسهم لفكرة الانفصال عن بلدانهم التي جاؤوا منها مما يشكل خطرًا اقتصاديًا على الأردن لأن أعمالهم ترتبط بشكل مباشر بالدول التي جاؤوا منها وبخاصة السوريين والعراقيين.

وما يزيد في تعقيد الأمور بالنسبة للأردن الكبير، هو المسؤولية الكبرى التي سيضطلع بها لناحية حماية الحدود والممرات البحرية في وقت ما تزال فيه التنظيمات الإرهابية تنشط في سوريا والعراق، وما تزال الخلايا النائمة فيها تشكل خطرًا حقيقيًا على أمن المنطقة. وهذا من الأسباب الهامة التي يبني الأردن عليها رفضه التوسع بحسب مخطط الشرق الأوسط الجديد.

خلال الأعوام الأخيرة، أنيطت بالأردن أدوار هامة، وخاصة ما يتعلق منها بالعلاقة بين الدول العربية الخليجية من جهة وبين تصحيح مسار العلاقات مع سوريا من جهة أخرى، وسيّما بعد تأكد فشل المشروع الأميركي في سوريا بعد الصمود الذي أبدته، ليس فقط بدعم حلفائها، ولكن عبر التفاف أكثر من 75% من مقترعي الشعب السوري، حول القيادة، وهو رقم كان يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ليبدأ الأردن بسياسة الانفتاح على سوريا، وبالتالي إغلاق غرفة الموك على أراضيه.

بحسب ما نشره السفير فورد، فإن أميركا تفهم تمامًا أنها لم تعد تشكل القوة العظمى في العالم. ولكنه لا يرى إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بالتخلي عن الشرق الأوسط أو عن مكانتها أو قواعدها فيه. وعلى الجميع أن يفهم السياسة التي تتبعها إدارة جو بايدن، من أجل تقاسم المسؤولية مع شركائها في المنطقة، والذين سيكون دورهم هامًا في لجم تمدد النفوذين الصيني والروسي.

العهد

Exit mobile version