سمر حسن | كاتبة سورية
_ لطالما حاولت منظومة النّهب العالمية ، وبالشَّكل “الكلاسيكيِّ” المفضوح لسلوكيّاتها التفتيتيِّةِ الكيانيِّة، جر مسيحيِّي المشرق ليَنسلخوا عن مجتمعاتِهم، ويلعبوا دوراً عاطفيّاً معهم ضِدَّ بلادهم على أنَّهم متماثلين معهم في الانتماءِ الدينيّ .
ففي الأمس أدركتنا هذهِ اللعبةُ الممجوجةُ في لبنان، ومع سبقِ إصرارٍ -تبدّى ليس فقط في طلبِ إجلاءِ رعايا “حلفاء الموقف”-، افتعالُ حدثٍ يُضحي مبرِّراً لدقِّ ناقوسَ خطرٍ على “الوجودِ المسيحيِّ” هناك ، وكلُّنا يعلمُ شعاراتُ السفارةِ في تلكَ العمارة.
و حيث يعلمُ قبل أخصامه حقيقةَ أن عليه أن ينسى عالماً لا قطب فيه إلا هو ولا سيِّد سواه ، الأميركيُّ المأزوم والمعذَّب
بصعودٍ متسارعٍ لدولٍ تنازعه هيمنتهُ وتناهضها
بدأَ يوزِّعُ مأزوميَّتهُ بتصعيدٍ في بؤرِ التوتُّرِ على الإمتدادِ الجيوبولتيكيّ لتلكَ الدول …
وفي عمارةٍ وإن كانت بلا سفارةٍ تصعيد في سماء سوريا باحتكاكٍ مقصودٍ لطيرانِ التحالفِ اللاشرعيّ مع الطيرانِ الروسيِّ، وإعادةُ استخدامِ “تنظيم داعش” ورقةَ الجوكر -كما أحبُّ أن أسمِّيه- في تفجيرٍ إرهابيٍّ ممهورٍ بإسمهِ.
وليسَ فقط في “السيِّدة زينب” وبمناسبة دينية مقدَّسة لدى أغلب سكانها ، بل تعودُ الحياة ل “داعش” في أكثرِ من مشهد ..
تفجيرٌ وقتلٌْ في الباديةِ السوريّةِ، عملياتُ اختطافٍ وسرقةُ أرزاقٍ وأقواتٍ مع رعاتِها، زرع
ألغامٍ، و كثيرُ بصماتها المقتفاة في درعا.
كلُّ هذا الإستقواء والتحريكُ لأذرعِه لا ينفي ضعفه بل يؤكِّدُ قلقه على الأقلّ، والذي يظهر جليَّاً في المشهد الأوكرانيّ، والذي بات جرحاً ينزُّ دم اقتصاد الغرب الجماعيّ واستقراره السياسيّ والاجتماعي، وتكبر أمانينا بتسارع حشرجاتُ الموت فتأفلَ حقبةٌ سوداءَ عن كلِّ بلدٍ موبوءةٍ بعين الناهب الإمبرياليٍّ .
أما بأثرٍ غير مباشرٍ لأفعالها نرى تحرُّكاً شعبيّاً على وقعِ وضعٍ معيشيٍّ مزري ، وقوانين غير مجدية تتوالى وتُمعنُ مساساً بأمنِهِ الغذائي الذي هو أصلاً مع سنواتِ حربٍ مديدةٍ، في حدوده الدنيا ..
هل السبب الحقيقيُّ سوءُ “النظام” الحاكم ؟!، هل هو الفساد!، والَّذي هو صِنوُ الوجودِ الإنسانيّ من أزلهِ، بالتأكيد لست أُبرِّر تغوُّله وتوغُّلهُ ، لكن هل “النظام” يُعمي بصره عمّا يجري غير آبهٍ بصراخِنا حقّاً؟!
من المنطق أن لا تكون الإجابة نعم، لكن للأسف لا نستطيع ان نقول لا، وغالبية الشعب وصلت حدّ الفقر وأدنى ، إنَّما من الحكمةِ ردُّ الأمورِ إلى مسبِّباتها الحقيقيَّةِ والفاعلةِ أصولاً، برؤيةٍ أكثرُ اتِّساعاُ، وتبعيَّةٍ أدلجيَّةٍ أضيق.
في الماضي القريب تمَّ تسمية حكومة “وفاق” إن جاز القول كنوعٍ من المغازلةِ العربيَّة بين دمشق ودول الخليج التي بإمكانها أن تدفع عجلة الإعمار اقتصاديّاً بشكلٍ سريع، لكن يبدو أنَّ الدولة السوريًّة أخطأت الظنَّ الحَسن وعرفت واقعاً أنَّ ثمنَ المعونة تنازلٌ للغربِ و أذرعهِ، أي تحصيل مالم تستطع أخذه بالحرب المباشرة…
أشكالٌ شتَّى من إحكام الخناق على الشَّعب ورحى الحرب تطحن دونَ توقُّفٍ كلَّ شيء لتزيد كسرة الفقراء كسراً و عملقة الفئات الكمبرادوريَّة توحشّا ورأسماليّة
نفطُ سوريا ليس بتصرف سوريا تحتلُّ أميركا غالبيَّة حقوله ، صوامعُ الحبوب ترحَّمنا عليها، قمحُ سوريا لا يحصد بأيدٍ سوريّة بل يأكله التراب رماداً كما أشجار الزيتون وباقي مزروعاتنا في مساحاتٍ واسعة
حربٌ عسكريَّة وغذائيّة ثم حرب طبيعية وزلزال لم يُخجِلوا عينَ الناهب الوقحة لفكِّ الحصار .
أمَّا الموقف الواعي فقد أتانا من رؤساءِ أساقفةِ الكنيسةِ السريانية الكاثوليكيَّةِ في سوريا، حيث وضعوا في مطلع الشهر واستباقاً لفوران الشارع مؤخراً، الشأنَ السوريَّ موضع أولويَّة محاور لقائهم مع سكرتير رئيسةِ وزراء الدَّولة الإيطاليَّة السيد “ألفريدو مانتوفانو”، وعددٌ من أفرادِ حكومتِها، مُثبتين تجذُّرهم في هذه الأرض ونقاء انتمائهم للوطن، لا لقياداتٍ ولا بتبعيَّات…
وبتدقيقِ السّمتْ ليُصيبَ كبدَ حقيقةِ المشكلة، أكَّد رئيسُ أساقفةِ السريان الكاثوليك في حمص وحماه والنَّبك المطران “يوليان يعقوب مراد” ، في اللقاء عينهِ، على أهميَّةِ فكِّ الحصارِ عن سوريا، وبإصرارٍ طالبَ إعادة هيكلةِ العلاقات الديبلوماسيَّةِ مع الدَّولة السوريِّة لنرى عمقَ الرؤية واتِّساع الأفق والرغبة الحقيقيَّة بإستعادة عَمار البلد ليعيش كلَّ أبنائه بسلام، ومع إصغاءٍ فرضهُ منطقُ المتحدّث -لابدّ- وعد السيِّد مانتوفانو بمبادرة إيطاليا لإقامةِ علاقاتٍ ودِّيَّة مع الدَّولة السوريَّة ومساندتها، ليتحدَّث المطران مراد عن رجائه في ذلك أن يُلقي الضَّغط على أصحاب القرار السياسي في دول الإتحاد الأوربي لرفع العقوبات عن سوريا والسيرِ حذو إيطاليا ، فهنا بدقةٍ عقدة المشكلة وطرف خيط الحلول فطوبى لهذا الوعي ولداعيي السلام.
ولنحتكم جميعا اليوم إلى مثل هذه الرؤى الفاهمة، وللمحبة والانتماء في رجائها
ونعيد قراءة التاريخِ، القريب أقلُّه، ولنعد في أذهاننا بلا مواربة ما حدث في الحقبة الأخيرة، و بانتقاد موضوعي ذاتي وغيريّ، ثمّ الإجابة على سؤالٍ مهمٍ جدا اليوم -بغضِّ النظر عن موقفٍ أكان مع أو ضدًّ هذا أو ذاك -، هل إعادة اجترار تجربة ٢٠١١ و انتهاج ذات الأسلوب من أي طرف يمكن أن يذهب بنا الى نتائج مغايرة ، هل نفتقد لعقل يتعظ! .