كتبت د . نازك بدير | موزاييك الانتخابات اللبنانيّة

الدكتورة نازك بدير | اكاديمية واستاذة جامعية

ثمّة دول، بحكم مواقعها الاستراتيجيّة، وتموضعها على الخارطة في عمق مناطق الصّراع من جهة، وتلك الغنيّة بالطّاقة وغيرها من مصادر الثّروة من جهة ثانية، تعيش على صفيح ساخن. الصّراعات الإقليميّة والدّوليّة تنعكس على ركحها، وفي الدّاخل سلسلة من الحروب، والفتن، والاقتتال، والتّشرذم، تكاد لا تنتهي.
ولعلّ لبنان يعدّ أنموذجًا للتّشظي بين الدّاخل والخارج، بين الشّرق والغرب، بين اليسار واليمين، بين النّأي بالنّفس والانغماس الكلّيّ، بين الدّيمقراطيّة والدّيكتاتوريّة، بين الدّولة المدنيّة والدّولة السّلطويّة، بين العشائريّة والقوى الحزبيّة…
أمام هذا الموزاييك الّلا تجانس، كيف ينعكس النّشاط السّياسي الخليجي على الأوضاع اللبنانيّة؟ وإلى أيّ حد ستسهم عودة الحياة الديبلوماسيّة السّعوديّة على وجه الخصوص في إنعاش البلاد؟، ولا سيّما الحركة النّاشطة للسّفير وليد البخاري، وزيارته في مطلع هذا الأسبوع القيادات الرّوحيّة، واستضافته على مائدة الإفطار الرّؤساء السّابقين، وسفراء دول عربيّة، وغربيّة، وتوسّمه الخير للبنان وللّبنانييّن.
أضف إلى ما تقدّم، التّصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة اللبنانيّة نجيب ميقاتي، من مقرّ إقامة السفير السعودي في اليرزة، عن أنّه سيزور العاصمة الرّياض في خلال شهر رمضان، وهو يبدو خير سِمَةٍ على انفراج العلاقات بين لبنان والمملكة العربيّة
السّعوديّة.
وسيترتّب على هذه الزّيارة نواتج تعود بالنّفع على لبنان المقيم
والمغترب.
على وقْع هذه اللقاءات، تتكثّف الخطابات الانتخابيّة للمرشّحين على اختلاف توجّهاتهم، وهي في الأعمّ الأغلب، خالية من برامج تطرح حلولًا إنقاذيّة للأوضاع المأساويّة التي وصل إليها لبنان ولا سيّما على المستويات الاقتصاديّة، والصحيّة، والسياحيّة،… ولعلّ ما يجمع بين اللوائح المتنافسة، على امتداد مساحة الوطن، هو وجود شخصيّات فرّقتها السّياسة، والعقيدة، والأهواء، ووحّدتها المصلحة الانتخابيّة.
   هنا، لا مكان لمصلحة الدّولة أو الشّعب، إنّما يكون السّعي بالدّرجة الأولى والأخيرة هو من أجل فرْد أو أفراد معيّنين، تتهاوى في سبيلهم المُثُل. وتبقى الغاية القصوى تثبيت زعماتهم، وتكريس وجودهم.
الزّعماء أنفسهم الذين كانوا، وسيبقون في السّلطة، يتحمّلون مسؤوليّة ما آلت إليه الأمور على الصّعد كافّة.
في بلد المتناقضات، يجتمع الممكن واللا ممكن، وعلى”مذبح” الانتخابات، تسقط المبادئ، ويهدر صوت الدّولار.
Exit mobile version