الدكتورة نازك بدير | كاتبة وباحثة لبنانية
منذ الخليقة، وجد الإنسان نفسه يبحث عن عالم مواز أو عن عالم بديل، سواء بشكل إرادي أو غير إرادي. في بعض الحالات، العالم البديل هو الأفضل، وفي حالات أخرى، يكون هو الديستوبيا. في البحث عن عوالم بديلة، قدّم أفلاطون أنموذجًا عن مجتمع مثالي سمّاه المدينة الفاضلة، وصولًا إلى ثورة تكنولوجيّة هائلة فتحت عالم Metaverse الذي بات يوفّر خوض حياة رقميّة في زمن ثابت يمكن الوصول إليه من خلال أحد تطبيقات الواقع الافتراضي، أو عبر نظّارات الواقعَين الافتراضي والمعزّز( (AR و VR)). توقّع” مارك زوكربيرغ” أن يدخل إليه (Metaverse) 5 مليارات شخص بحلول عام 2030. لكن لا شيء محسوم حتّى الآن؛ يتحدّث بعض الاستشاريين عن توقّع ارتفاع عائدات الاستثمار في هذا المجال، بينما يذهب آخرون إلى أنّ مشروعات ميتافيرس ستغلق في حلول العام 2025! وصفت صحيفة ذا صن” البريطانية ميتافيرس أنّه عبارة عن مساحة رقميّة متنامية مليئة بالواقع الافتراضي والواقع المعزّز، حيث يمكننا يومًا ما أن نجد أنفسنا نعمل، ونتواصل اجتماعيًّا، من دون أن نتحرّك من أماكننا في الواقع الحقيقي.
في خضمّ المنافسة لخلق عوالم موازية افتراضيّة أو تمزج بين الواقع والافتراضي، اقتحمت شركة آبلApple عالم ميتافيرس، وأعلنت مؤخّرا أنها ستطرح سماعة الرأسVision pro في الولايات المتّحدة في أوائل 2024. تسمح هذه النظارة بالمزج ما بين مشاهد مصوّرة من الواقع، وأخرى من العالم الافتراضي. وسيتيح هذا الجهاز لمستخدميه أن “يروا ويسمعوا ويتفاعلوا مع المحتوى الافتراضي، كما لو أنّهم يرونه في الواقع حولهم”، على حدّ تعبير” تيم كوك” المدير التنفيذي لشركة آبل.
على الرّغم من أهميّة هذه التكنولوجيا، إلّا أنّها ستوسّع الهوة بين البشر، وتفعّل ضمور التواصل الحقيقي، وتدفع إلى المزيد من العزلة. وبمقدار ما تلغي المسافات افتراضيًّا، سنكون أمام معضلة تكريسها في الواقع.
ما بين عالم أفلاطون المثالي وعالم ميتا الافتراضي، يتداعى عالم يسوده الظلم والقهر، وتتمكّن منه أدوات الفتك والدمار. حياة ملايين البشر تغيّرت بفعل الحروب العبثيّة؛ ذكرياتهم، طفولتهم، صورهم المعلّقة على الجدران، جميعها نهبها الخراب. ثمّة مَن وجد في الميتافيرس ملاذه من القلق والاضطراب وضغوطات الحياة الاجتماعيّة. لكن، تحتاج جماعات أخرى في أمكنة ما على هذا الكوكب إلى تقنيات أبعد من” Vision Pro” لتعاين ما حلّ بها من طحن وإيذاء، ولتبني عالمًا أفضل. لن يكفي الواقع المعزّز ولا الافتراضي لشفاء البشرية من أمراضها النفسيّة وليعيد إليها العدالة والأمان. في رحلة البحث عن بديل للعالم الواقعي ستكون تحديّات، وجملة إخفاقات، وعالم محفوف بالمفاجآت.