الدكتورة نازك بدير | اكاديمية واستاذة جامعية
يتّجه العالم إلى المزيد من التأزّم، والانقسامات، والاصطفافات، وتقسيم المحاور، وتسعير نار الحرب الروسيّة- الأوكرانيّة، والإغراق في الماديّة، وتقديم المنفعة على حساب السّلام، والاستقرار، والصّحة، بدلًا من تسوية النّزاعات الدّوليّة، وإيجاد حلول جذريّة لمشكلات الأمن الغذائي. تبدو ارتدادات الحرب، بعد أن دخلت شهرها الخامس، وخسائرها شديدة الضّراوة على مختلف الدّول، النّامية منها والمتقدّمة على حدّ سواء.
فهل الحلول التي قدّمها المجتمعون في قمّة الدّول الصناعيّة السّبع كفيلة لمواجهة الأزمات، التي تعصف بالاقتصاد العالمي، وللحدّ من تفاقم ارتفاع أسعار النفط؟ وهل سيتمكّن أعضاؤها من تفعيل قرارات لمعالجة التّغييرات المناخيّة في الوقت الذي يخرق عدد منهم القوانين البيئية، ويخلّ في التّوازن العالمي نتيجة اعتماده مصادر تزيد الانبعاثات السّامّة (إعلان ألمانيا تشغيل المزيد من محطات الفحم، كذلك المملكة المتّحدة ستؤجّل إغلاق محطّات الفحم قبل الشّتاء، بعد أن كانت قد خطّطت للتخلص التدريجي منه إلى العام 2030)، وعلى الرّغم من تأكيد المستشار الألماني” شولتس” أنّ المواجهة مع روسيا ستكون طويلة الأمد، ويلزمها الصبر، إلا أنّ وضْع أوروبا اليوم يختلف عمّا كانت عليه قبل جائحة كورونا، وقبل بداية الحرب الروسيّة؛ خسائرها تتدحرج في السّياسة والاقتصاد، وقد يكون من العسير عليها مواصلة دعْم أوكرانيا في السّنوات القادمة.
إضافة إلى أنّ لبعض الدّول الأوروبيّة حساباتٍ ومصالحَ تتعالق مع موسكو، وتاليًا قد يصعب في ما بعد على بايدن إيجاد” حلفاء” حقيقيّين ضدّ غريمه الرّوسي من جهة، والتّنين الصّيني من جهة ثانية.
وإن أعلن الرئيس الأميركي، من بافاريا، فرْض عقوبات على روسيا، وحظْر استيراد الذّهب المستخرَج منها حديثا، لكن قراءة بانوراميّة تُظهر أنّ مجموعة السّبع، والدوّل ذات المصالح المشتركة، معها هي المحاصَرة فعليًّا، والمنكمشة اقتصاديًّا. يمكن القول، أخفق بايدن، في هذه القمّة، دفْع المصير الأسود عن الولايات المتّحدة، وإخراجها من بين فكّي الكمّاشة الروسيّة – الصينيّة. فالمحرّكات الألمانيّة والإيطاليّة والفرنسيّة جلّها يعتمد على الطّاقة الرّوسيّة.
فرضت الحرب معايير جديدة، وقلبت التّوازنات. وما القمّة التي انعقدت سوى محاولة تكتُّل قوى، واستعادة وزن.
استطاع بوتين، الغائب الحاضر عن G 7 أن يخلخل المعادلة، ويؤسّس لمستقبل من نوع آخر، يلغي فيه هيمنة أحاديّة القطب، ويحبس، ليس شِحنات الحبوب الأوكرانيّة في عرض البحر فحسب، إنّما أن يحبس على القادة الغربيّين أنفاسهم، إلى أن يقضي الله أمرًا
كان مفعولًا.