الدكتورة نازك بدير | اكاديمية واستاذة جامعية
حصل ما كان متوقّعا بشأن مرحلة ما بعد الانتخابات، انفتح المشهد على تداعيات أشدّ قسوة، وتدحرجَت الأمور بوتيرة أسرع باتّجاه النّقطة صفر من الارتطام. لم يعدْ خافيا الدّور الذي تقوم به الولايات المتّحدة لتسريع الانهيار المالي في لبنان. وصرّح بذلك ديفيد شينكر- المساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشّرق الأدنى- خلال النّدوة التي استضافها معهد واشنطن، كما غمز من قناة المعارضة المنقسمة على نفسها، قائلا: إنّها” مليئة بالقادة النّرجسيّين أو الفردانيّين الذين يهتمّون بأن يكونوا رؤساء أحزابهم الخاصّة أكثر من اهتمامهم بالتّوحّد معا وإطاحة النّخبة الفاسدة(…) وأعتقد أنّهم سيأكلون بعضهم البعض”.
الدّور الأميركي في خلخلة البنية الاقتصاديّة الدّاخليّة لا يبرّئ مشاركة أدوات سياسيّة ومصرفيّة لبنانيّة في تنفيذ المهمّة، لا بل في تقديم سيناريوهات شيطانيّة جعلت لبنان من بين الدّول الأكثر فقرا في العالم (أكثر من 40% من الّلبنانيّين دون خطّ الفقر تبعا لتقرير صادر عن البنك الدولي)، بعد أن كان سويسرا الشّرق، وعلى الرّغم من امتلاكه ثروة نفطيّة وغازيّة مكتشفَة منذ عهد الانتداب الفرنسي، وتعاقُب حكومات مختلفة، لكن، لم تتجرّأ أيّ منها على استثمار هذه الثّروة، إنّما كان جلّ اهتمامها القطاعَين المصرفي والسّياحي اللذَين سرعان ما تداعيا، كمدينتَي ملحٍ على حافّة جُرْف.
إذا تمّ الاتّفاق على ترسيم الحدود البحريّة، فستحتاج الدّولة إلى ما يقارب” سبع سنين عجاف” لتستطيع الإفادة من الغاز. خلال هذه المدّة، ما هي الخطط المطروحة القادرة على تأمين سبل بقاء المواطن على قيد الحياة ليشهد (معجزة) استخراج الغاز والنّفط؟ ومَن سيسحب فتيل الانفجار من الشّارع، ويضمن استتباب الأمن مع تهالُك الوضع الاقتصادي؟
في ظلّ عدم تشكيل حكومة جديدة، وغياب بشائر حصول انتخابات رئاسيّة، يسير البلد إلى المزيد من التأزّم، فضلا عن صعوبة إبرام اتّفاق مع صندوق النّقد الدّولي بفعْل شروطه التّعجيزيّة، المنطلقة من خلفيّات سياسيّة. كلّ ما تقدّم، يفضي إلى أنّ لبنان متّجهٌ في خطّ سريع نحو انسداد الأفق.
في المحصّلة، يمكن القول، إنّنا نواجه أزمة خماسيّة الأبعاد: -صعوبة تشكيل حكومة.-لا أفق لانتخابات رئاسيّة.- انحسار احتياطي مصرف لبنان.- تأرجح مسار المفاوضات مع صندوق الّنقد الدولي.- التّصادم المحتمل بين(إسرائيل) وحزب الله على خلفيّة الخط 29. ما يفرض اجتراح خطّة لكلّ أزمة من هذه الأزمات، وخليّة عمل لكلّ منها على حدة، واستنفار الجهات المختصّة، للوصول إلى الحلّ الأمثل، خلال مدّة زمنيّة قياسيّة.
لبنان لا تنقصه الخبرات، ولا الطّاقات، إنّما القرار السّيادي الحُرّ.