كتبت ثريا عاصي | “أكرنة” لبنان

ثريا عاصي | كاتبة وباحثة لبنانية

لا نبالغ في الكلام أن ما نلاحظه هذه الأيام هو فورة تنتاب المنظومة الحاكمة حيث يتحرك الأفرقاء في وقت واحد، في مختلف الاتجاهات، ولما كنا نعرف أن هؤلاء متنابذون فيما بينهم فمن حقنا أن نظن أن كل فريق يعمل لحسابه دون تنسيق مع الآخرين، أي أنهم يتنافسون على الفوز بجائزة مقدمة من المعسكر الغربي .

هناك فريق يتابع مسألة الترسيم البحري مع إسرائيل. وليس مستبعداً أن يكون هو نفسه مكلفًا أيضا إطلاق سيرورة الترسيم البحري شمالاً مع سورية . إلى جانب ذلك يتولى أفرقاء غيرهم مهمة ترسيم خطة إدارة البلاد إبتداءً من الأول من تشرين الثاني المقبل.

ولكن هذا كله يجري على وقع أصداء الحرب الأطلسية الروسية في أوكرانيا، الهادفة بحسب الترسيم الجيوستراتيجي الذي تخيله مستشار الأمن القومي الأميركي بريجنسكي في سنوات 1990، إلى منع التواصل الاقتصادي والعلمي بين الاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا من جهة ثانية ، من أجل إبقاء الطرفين ضعيفين تحت المظلة الأميركية، تمهيداً للهيمنة على المدى الأوروبي ـ الآسيوي بكامله، كشرط لتدعيم الأحادية القطبية الأميركية واستمراريتها .

ينبني عليه أنه من غير المستبعد أن تشعل الولايات المتحدة، بالإضافة لأوكرانيا، بؤر توتر في دول القوقاز ودول مثل العراق وسوريا ولبنان، بهدف استنزاف وإرباك روسيا، التي تعتبر أن هذه المناطق تقع في مجال أمنها القومي . أعتقد أن ذلك اتضح من خلال الأحداث التي وقعت على التوالي في جيورجيا وسوريا وحرب أذربيجان ـ أرمينيا، قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا .

إستناداً إليه، نستطيع القول أن دولة إيران توجد الآن ، على الأرجح، توازياً مع الحرب في أوكرانيا، في مرمى الاستهداف الأميركي.  هذا ما يوحي به في أغلب الظن الضجيج الإعلامي حول ما يسمى “المسيّرات الانتحارية” الإيرانية، والزعم بان روسيا اشترت منها مئات النماذج، في الوقت الذي يتدفق فيه السلاح إلى أوكرانيا من المعسكر الغربي بكميات كبيرة جدًا بحسب الإعلام الغربي نفسه .

ما أود قوله هنا هو أنه من المحتمل جداً في ظروف الحرب الأطلسية الروسية في أوكرانيا التي يمكن أن تتسع في أي لحظة، أن تشهد إيران اضطرابات أمنية . اكتفي بهذه الإشارة ، فنحن لسنا بصدد قراءة للأوضاع في إيران، لأقتضب وأقول ان الحرب على إيران ستكون منطقياً ، محاكاة للحرب على أوكرانيا التي أقحمت فيها الدول الأوروبية جميعها طوعاً أو كرهاً . أغلب الظن أن الأمر نفسه سيتكرر في حال نشوب حرب في إيران وأن سوريا ولبنان والعراق بالإضافة إلى الدول الخليجية، سيستنزفون بدرجة أكبر مقارنة بالحرب العراقية – الإيرانية.

يبقى أن نقول في الختام، انه لو تحققت فرضية إيران في الحرب الأوكرانية، لأسفر ذلك عن إنقلاب المشهد في المشرق رأساً على عقب نتيجة لتدخل الدول الكبرى مباشرة في الحرب. عندئذ لن يبقى لدينا وقت للكتابة أو للكلام .

Exit mobile version