ايمان بشير | كاتبة لبنانية
على مدى عقود، أتقنت المقاومة «استراتيجية الصدمة». كانت مفاجآتها حاضرة في كل حرب، وفي معارك ما بين الحروب، وتدرّجت في أذرع المواجهة الثلاث، البريّة والبحريّة والجويّة. ليست منظومات الدفاع الجوّي التي تحدّثت عنها شعبة العمليات في أركان الجيش الإسرائيلي قبل أسبوعين جديدةً في الإعلام العبري. قبل ستة أعوام، نشر موقع «واللا» تقريراً حول تغييرات في «الواقع الجوّي» لسلاح الجوّ الإسرائيلي. إذ أصبح طيّاروه «مكشوفين لتعقب الرادارات في الساحة اللبنانيّة وتحت تهديد إطلاق الصواريخ». وأتاحت أنظمة الكشف والإنذار الموجودة على المقاتلات الحربيّة الإسرائيليّة تشخيص درجة التعقّب والإطباق الراداري عليها كمؤشر لتلك المنظومات التي «نُصبت بين سوريا ولبنان». ما الذي تغيّر الآن؟ يومذاك، وبحسب التقرير، كانت «إسرائيل» غير متأكدة من حصول حزب الله على المنظومات المتطوّرة، وعاشت سنوات من الترقّب والقلق والغارات التي زعمت أنها استهدفت نقلها. اليوم خرجت المنظومات إلى «النور»، وبدأت المقاومة استعراضها كردٍّ على التهديدات الإسرائيليّة. ولفت الإعلام العبري في هذا الصدد إلى «حادثتين استثنائيتين في سماء لبنان؛ الأولى في تشرين الأول 2019 بعدما لاحظ مشغّل طائرة في سلاح الجو الإسرائيليّ دخان صاروخ يطلق باتجاهها من دون أن يصيبها»، بعد حوالي شهرين من إسقاط مسيّرة للعدو في الضاحية الجنوبية. و«الثانية في شباط 2021 عندما رصد إطلاق صاروخ ضدّ الطائرات من الأراضي اللبنانيّة باتجاه طائرة من دون طيار تابعة لسلاح الجوّ الإسرائيليّ». أما تثبيت «معادلة المسيّرات»، فقد خُطّت حديثاً في سماء فلسطين المحتلة بعد دخول طائرة «حسّان» في 18 شباط 2022 لأربعين دقيقة، من دون أن تنال منها القبة الحديدية والمقاتلات الحربيّة والمروحيات. ما يعني، إلى جانب الخسائر الاقتصادية، فشل المنظومتين العسكريّة والتقنيّة للعدو في إسقاط الطائرة أو السيطرة عليها، قبل اختفائها عن راداراته. ولهذا الاختفاء معانٍ تقنيّة تشي بتفوّق جديد يُسجل للمقاومة. «السماء» لم تعد ملك العدو وحده، أربكت مسيّرة واحدة جيشه لساعات، فماذا لو كان هدفها أكثر من مجرّد الاستطلاع؟
صدمات الانطلاقة
في مراجعة لتطوّر الحرب المباشرة مع «إسرائيل»، يمكن تلخيص مسار مفاجآت المقاومة بالآتي:
1982: أول عملية استشهاديّة (أحمد قصير) ضد مقر الحاكم العسكري في صور أبادت عشرات الضبّاط والجنود.
1985: كمين محكم لجنود العدو لتنفيذ محاولة أسر في جبشيت. فشلت خطة الأسر، لكن الدوريّة أبيدت بالكامل. في الاشتباكات التي وقعت على مسافة «صفر»، تلطّخ قميص مسؤول عمليات المقاومة في المنطقة، أبو حسين الأسمر، بدماء الإسرائيليين، فراح يبحث بين جثثهم عن حيّ يمكن مبادلته مع أسرى سجن أنصار.
1986: نجحت المقاومة للمرة الأولى في أسر جنديين إسرائيليين في بلدة كونين، في عملية نوعيّة بقيادة الشهيد سمير مطّوط.
1987: نفذّت المقاومة أول عملية بحريّة استهدفت السفينة الحربيّة الإسرائيليّة «ديفورا» قبالة شاطئ بلدة عدلون أدّت إلى قتل وجرح عدد من الجنود، وتضرّر هيكل السفينة، فيما استشهد المقاومون الذين استقلوا زوارق مطاطية بعد اشتباكات.
مفاجآت التوازن
1992: في مواجهات ما بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي، استخدمت المقاومة الكاتيوشا للمرة الأولى للردع، وعملت على تثبيته كسلاح ردع في حرب السبعة أيام «تصفية الحساب» عام 1993، وهدّدت بضرب كريات شمونة ضمن معادلة «مدنيون مقابل مدنيين». عام 1996، كبُر «شعاع» صواريخ المقاومة أثناء استهداف المستوطنات الشمالية، وتمّ تطوير مداها إلى 25 كلم.
1997: كمين في بلدة أنصارية أدّى إلى مقتل 13 من عناصر وحدة «شييطت»، ثاني أهم وحدة نخبة في الجيش الإسرائيلي، وطبيب من فرقة الإنقاذ.
2005: كشف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن عدد صواريخ المقاومة أكثر من 12 ألفاً، وأن مداها يطاول كل المنشآت الحيويّة الإسرائيليّة في الشمال. وبعد حرب تموز 2006 أعلن أن المقاومة باتت تمتلك أكثر من عشرين ألف صاروخ. ومنذ ذلك اليوم، لم يصدر أي تصريح رسمي يخصّ عدد الصواريخ.
صدمات الحرب الثانية
حطّمت المقاومة في عدوان 2006 أسطورة «عربة الربّ» وتهديد البوارج في البحر وأعلنت عن قدراتها في البُعد الصاروخي، ولم يعد يعيقها سوى التفوّق الجوّي للعدو:
– مفاجأة عملية الأسر في 12 تموز.
– أفشلت المقاومة خطط الإنزالات والمشاة بعد إسقاطها مروحية «يسعور» في بلدة ياطر. كانت مهمة «يسعور» نقل الطاقم القيادي الذي سيدير محور التقدّم المعادي. أخرجت المقاومة عمل المروحيات المعادية من المعادلة في النهار، بسبب صعوبة الرؤية في الليل، فاعتمد العدو بشكل مكثّف ولا سابق له على سلاح الجوّ.
– أخرجت المقاومة القوّة البحريّة الإسرائيليّة من المعادلة مع استهداف البارجة «ساعر 5» بصاروخ «كروز C802». ورغم أن عملية إطلاق صاروخ ذكي من هذا النوع معقدة، وفيها حسابات ترتبط بسرعة الريح وسرعة البارجة والأمواج وسطح البحر والحرارة والمسافة، أصيبت البارجة من الضربة الأولى وهو أمر غير عادي. كان هذا الصاروخ من مجموعة الأسلحة المفاجِئة للعدو الذي لم يكن يعلم بوجودها، بدليل تحرّك البوارج والزوارق الحربيّة بشكل مريح قبل قصف «ساعر 5».
– فاجأت المقاومة العدو بامتلاكها صواريخ بعيدة المدى، وكرّست معادلة حيفا وما بعد حيفا. وأعلن السيد نصر الله أنه «ما من مكان في فلسطين المحتلة لا تطاوله صواريخ المقاومة، في أي زاوية وأي نقطة».
– استخدمت المقاومة صواريخ «كورنيت» للمرّة الأولى عندما أخذ الإسرائيلي القرار بالاجتياح البرّي بعد أسبوع من بدء الحرب. تحطمت أسطورة الـ«ميركافا»، فخر الصناعات العسكريّة الإسرائيليّة، وتغيّرت موازين الحرب بعد رهان العدو على العملية البريّة.
مفاجآت للردع
2010: أطلق السيد نصر الله معادلة «بناء في الضاحية مقابل أبنية في تل أبيب» و«مطار رفيق الحريري مقابل مطار بن غوريون».
2011: طلب السيد نصر الله من المقاومين أن يكونوا «مستعدين ليومٍ إذا فُرضت فيه الحرب، قد تطلب منكم قيادة المقاومة السيطرة على الجليل».
2016: هدّدت المقاومة باستهداف خزانات «الأمونيا» في خليج حيفا ما اضطر العدو لإغلاق خزّاناتها بعد 30 عاماً من تشغيلها.
2017: دعا السيّد نصر الله العدو إلى تفكيك مفاعل ديمونا النووي قبل استهدافه.
2018: أعلن السيد نصر الله حصول المقاومة على صواريخ دقيقة و«أُنجز هذا الأمر».
2018: كشف العدو عن أنفاق على الحدود اللبنانيّة، كانت تلك من أدوات خطة السيطرة على الجليل. لكن فشل الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة بدا واضحاً عند وجود نفق يزيد عمره على 13 عاماً.
2020: فشل العدوّ في رصد طائرة استطلاع للمقاومة جالت فوق فلسطين المحتلة والتقطت صوراً لمناورة لجيش العدو قبل أن تعود بسلام.
2022: إلى جانب الإعلان عن «صناعة المسيّرات وتحويل الصواريخ إلى صواريخ دقيقة» منذ سنوات، وتفعيل الدفاع الجوّي في مواجهة خطر المسيّرات، حذّر السيد نصر الله العدو من «أنصارية 2» في حال تجرّأ على البحث عن الصواريخ أو مصانعها. يُفهم من التحديد بـ«أنصاريّة» أن المقاومة تحذّر العدو من «تواجد مشاة أو إسرائيليين» على الأراضي اللبنانيّة، وتتوعّد باستهدافهم في كمين مشابه في حال فكّروا بالاقتراب من «أماكن حسّاسّة» كحساسيّة استهداف «الكوادر».