أ . الدكتورة نازك بدير | اكاديمية واستاذة جامعية
بعد حقبة طويلة من الصراعات والتوتر على الجبهات، تتوّجت جهود المباحثات الصينيّة بإبرام اتّفاق يؤسّس لمرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، ويغيّر منحى الصراع والتحالفات، ويفتح قنوات التلاقي، ويفكّك فتيل الأزمات. ما تمّ بين السعودية وإيران هو” نصر للحوار والسلام” على حدّ تعبير كبير الدبلوماسيّين الصينيين وانغ يي. وأُعلن في بيان مشتركٍ عن اتّفاقِ إيران والسعوديّة على استئنافِ العلاقات الثنائيّة. وجاء في ختام المباحثات، أنّ السعوديّة وإيران اتّفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسيّة، وإعادة فتْح السفارات والممثليّات في غضون شهرين. أتت هذه الخطوة بعد قطيعة استمرّت سبعة أعوام، ورغبة كلّ من قيادة البلدين في حلّ الخلافات بينهما من خلال الحوار.
في وقت يشهد العالم العديد من الاضطرابات، استطاعت الصين أن تفرض نفسها قطبًا أساسيًا بديلًا عن النفوذ الأميركي، وأن تكون قادرة على حلّ النزاعات الخارجيّة. فالاتفاقيّة الاقتصاديّة الأخيرة التي أبرمتها مع الرياض هي جزء من منظومة متكاملة من رؤية بكين، والدور الذي تطمح إلى القيام به (تزامنًا مع إزاحة منافسها من الحلبة).
المفارقة، أنّ الصين استطاعت أن تنتزع من غريمها الأميركي الدور الذي اضّطلع به على مدى السنوات الماضية في رعاية الاتفاقيّات بين الدول. مع نجاحها في اختراق هذه المعادلة، تكون قد تمكّنت من كسْر شوكة الولايات المتّحدة، وأثبتت قدرتها على التعامل مع القضايا الشائكة بصفتها دولة كبرى. ولعلّ التغيير الحاصل أيضًا، هو الضمانة الصينيّة بوصفها العين الساهرة للإشراف على متابعة احترام بنود الاتفاق، يأتي في طليعتها الالتزام” بعدم التدخل في سيادة الدول وشؤونها الداخليّة”، ما سينتج عنه تحقيق السلام، وإنهاء حقبة من الصراع، والأنشطة المزعزعة للأمن.
هذا الاتفاق التاريخي سينعكس بشكل إيجابي على ملفّات الدول العربيّة، ولا سيّما اليمن، وسوريا، وتحديدًا على المستوى اللبناني (إذا تحقّق التفاهم مع حزب الله، فقد يظهر إلى النور مشروع رئيس جمهوريّة) أمّا في الداخل الإسرائيلي، فقد نقلت صحيفة (يديعوت أحرنوت) أنّ” الاتفاق السعودي الإيراني “بصقة في وجه إسرائيل” وضربة قاسية لجهود نتنياهو لتوسيع اتفاقات أبراهام.” فهل ستقف الحكومة الإسرائيليّة متفرّجة إزاء الانتكاسة التي مُنِيتْ بها؟ أم أنّ ذلك سيدفعها إلى إحداث خضّة مضادّة بدعم من عرّابها الأميركي لإعادة ماء الوجه إلى كلا الطرفين؟
تحت عنوان تعزيز الأمن والسلم في العالم، وسعيًا إلى إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، نشرتْ بكين أواخر الشهر الماضي وثيقة من 12 بندًا. بناءً على ما تقدّم، واستكمالًا لسلّم طموحاتها، هل اقترب موعد إعلان اتّفاق سلامٍ بين موسكو وكييف برعاية صينيّة؟