ميخائيل عوض | كاتب وباحث
قمة السبع وقمة بوتين بايدن وانتخابات ايران.. الى سقوط نتنياهو.. احداث تشير الى تطورات نوعية وتستولد جديدا لابد من رصده بعين ومنهج تحليلي ثاقب .
فالأحداث والواقعات المعاشة تشير الى مدى التحولات والتغيرات التي مست توازنات الماضي وقواعد ارتكازها، وفرضت نفسها كمحاور للتطورات الجارية والمستقبلية، وقد استجدت قوانين وقواعد ضابطة للعلاقات بين الامم والقارات والقوى كمثل؛ ان الاطراف باتت تؤثر في بنى وخيارات وسياسات المراكز على عكس القواعد السابقة التي اعطت المراكز القدرة على تقرير مصائر الاطراف.
في الايام الجارية عقدت قمتين كانت سابقا على درجة عالية من الاهمية والتأثير، وكانت نتائجها حاكمه في العالم بنتيجة توافق المراكز بينما القمتين، قمة السبع للناتو وقمة بوتين بايدن لم تغيرا ولن تغيرا من مسارات التطورات واتجاهاتها المستقبلية، بالقدر الذي كرست التحولات وعبرت عن انها اصبحت حاكمة كمعطيات مادية جديدة مولدة لجديد عالمي، بينما الانتخابات الايرانية ومؤشرات انجازها بسلاسة وتقانة وتمكين المحافظين من السلطة التنفيذية وهم متمكنون من التشريعية ومؤسسات الدولة التي يقودها الخامنئي ويمثل فيها الحرس الثوري القوة المحورية سيكون لها اثار ونتائج اهم بكثير من القمتين.
انفضت قمة الناتو على بيانات اعلامية تصعيدية في وجه الصين وروسيا واتبعت بالمزيد من العقوبات الاوروبية على روسيا، وكان من بين اهدافها تلميع بايدن واشاعة ان امريكا عادت قوة قائدة وقادرة في العالم وسياساته ومستقبله، وجل ما نتج عن القمة كلام وخطب نارية لا تغني ولا تزبد وقد قطعت الصين القول بالفعل واختصرت ردها بكلمات موزونه وداله؛ لقد انتهى زمن تحكم دول هامشية بالعالم، وتعني الكلمات الصينية ان الواقع ذاته ومعطياته والارقام هي التي باتت تتكلم وليس الافواه والكاميرات والفبركات وحملات العلاقات العامة والترويج.
صحيح ان بايدن غير في سياسات امريكا ترامب الذي ناصب اوروبا والناتو ما يشبه العداء وفرض على دوله زيادة تحمل نفقاته من موازناتها وحرر الموازنة الامريكية من نفقات على الناتو، تحت تهديد فرطه الا ان بايدن لم يبتزهم لكنه لم يتراجع عما حققه ترامب من الزام الدول برفع مساهماتها في تمويل الناتو وعملياته اي انه استثمر في ابتزاز ترامب وما حقق لأمريكا من مكاسب على حساب اوروبا وشعوبها ومن اموالها ويسعى الى توظيفها وعلى نفقتها بالمهام التي عجزت عنها امريكا وتتملص منها وتلوذ بالانسحابات، وعليه فنتيجة قمة السبع / النانو/ الوحيدة كرست حقيقة ان اوروبا مأزومة والناتو ليس الا ادوات امريكية تفرض امريكا اجنداتها ومهامها وبما ان امريكا بايدن حددت اعدائها بروسيا والصين فوظيفة الناتو ان يكون اداتها في انفاذ السياسات الامريكية وتحمل الاكلاف والنتائج والناتو وبتمويل امريكي كان واصبح اعجز واكثر عجزا للقيام بالمهام الموكلة اليه امريكيا ولصالح امريكا المأزومة والعاجزة والمنسحبة وان التزم الناتو ودوله تحت العصا الامريكية فسيعجز اكثر ويتهدد دوله المزيد من الازمات فما عجزت عنه امريكا وجيوشها بما في ذلك الناتو لن يستطيع الناتو بمفرده انجاز ما تأمره امريكا حيث هزمت هي وهزم معها الناتو وتأزم ايضا كمثلها وبدوله، وهذه ايضا تؤكد ان المعطيات المادية والتحولات الجارية هي من يقرر مسارات المستقبل وليس اعلان عودة امريكا الى استتباع وتوظيف الحلفاء بترميم ازمات امريكا وتحمل كلف هزائما وتراجع قدراتها وقوتها وهذا ما اعتد به بايدن في مؤتمره الصحفي بالإعلان عن عودة امريكا الى حلفائها.
ومن مؤشرات اشهار ان الناتو المأزوم لا يجيد عملا وليس له دور او مكانة الا ما تفرضه امريكا بدأ الحديث عن تلزيم تركيا حماية مطار كابول وتدريب الجيش والامن الافغاني بعد اتمام الانسحاب الامريكي والاطلسي وتلك كانت احد محاور قمة بايدن -اردوغان القمة التي لم تغير شيئا ولا لامست قضايا التباين والخلاف بالقدر الذي اعطت اردوغان صورة مع بايدن يحتاجها للاستقواء على ازمات تركيا، ستدفع تركيا ثمنها باهظا، فان قبلت المهمة في كابول وضعت نفسها في مواجهة الطالبان التي قالت بصريح العبارة؛ لن تقبل بقاء اي جيش اجنبي ومن الناتو على ارضها وتستعد لاجتياح كابول واقتلاع الحكومة العميلة للأمريكي والناتو فاذا تورطت تركيا و قبلت المهمة ستخسر كثيرا وستضع نفسها وجيشها الاسلامي العثماني السني في وجه طالبان التي تمثل صفوة الجهادية السنية وتلك سيكون لها نتائج تزيد في ازمات اردوغان وحزب العدالة في تركيا والاقليم، وستضع حدا للأوهام العثمانية وزعم تمثيل الكتلة السنية والسعي لاستعادة الخلافة والاستقواء العثماني بالجاليات التركية والجمهوريات الاسيوية وذات الغالبية السنية في اسيا والعرب، ما سيغير كثيرا في الاصطفافات وقواعد ومنصات النفوذ ويغير في احوال القوى الاقليمية الصاعدة والممكن صعودها فتسقط تركيا من القائمة لصالح انفجار ازماتها او اشهار قبولها دور الذيل او الزبال لتحمل اعباء خسارات الناتو وهزائم امريكا.
قمة بوتين بايدن، نتيجتها الاكثر اهمية اظهار التقدم والتفوق الروسي واستمرار روسيا كدولة صاعدة عالميا في اعادة تشكيل النظام العالمي فالصورة ترسم ملامح القوة والذكاء والفطنة والهجومية بين رئيس هرم مرتبك يرتكب الهفوات على الدوام ويصفه ترامب بالنائم ورئيس يجيد ويمارس الالعاب البهلوانية والجودو والطيران متقد الذهن حاد البصر حاضر البديهة لتعود بنا الصورة الى زمن انهيار الاتحاد السوفيتي عندما كانت روسيا ممثلة بالقمم برئيس سكير متهلهل مشتت الذهن لا يستطيع التركيز في وجه الخصم. فالصورة ستعكس انقلاب الازمنة والمكانة وريادة المستقبل ولم ينسى بوتين ان يمهد للقمة بتصريحات نارية حاملة لرؤية ومعرفة دقيقة بمن يلتقي وماذا يريد من اللقاء، فوصف امريكا وسياساتها بانها تسير على خطى الاتحاد السوفيتي عشية الانهيار، وعليه فالقمة تعقد بين دولة تحررت من الاعباء وخرجت من رحم الانهيار اكثر تماسكا وتوقدا وهجومية مفعمة بروح ثأرية وعارفة ماذا تريد والى اين تسير وقد امتلكت الرؤية والمشروع والقوة واختبرتها وحققت انتصارات وامبراطورية شائخه مأزومة تترنح يمثلها كهل مشكوك بقدراته العقلية والجسدية، وتأكدت الامور بمتابعة المؤتمرين الصحفيين للرئيسين فبينما قدم بوتن قراءته الواضحة للقمه ومجرياتها ورد على التهم الأمريكية بقوة وواقعية وبأمثلة تدحضها ووعد ببذل الجهود لتخليص العالم من افة الحروب وسباق التسلح والسلاح النووي والتلوث والاحتكار والسعي للتسويات والنفاهمات وتنشيط الدبلوماسية قدم بايدن نفسه وامريكا متهالكة بشبه اعتذار وتبرير للهجمات السابقة ضد بوتين وروسيا وبرر بايدن الحملات التي تنظمها امريكا ضد روسيا بانها مجرد رسائل للداخل الامريكي والتزام بقيم امريكا لا بهدف استعداء روسيا في مسائل الدعوة لحقوق الانسان والحريات ومناصرة المجتمع المدني ومنظماته.
وكلا القمتين وبما في ذلك الحدث الاكثر اهمية في كشف الواقع والتوازنات ومستقبل التحولات فقد شهد العالم على سقوط نتنياهو المدوي لصالح حكومة إسرائيلية لا تجتمع ولا تتوحد الا على اسقاطه وقد انجزت مهمتها ونال رئيسها اتصال فوري للتهنئة من بايدن في اشارة على ما بلغته امريكا من تراجع في الاقليم المتشكل منذ بدء التاريخ الانساني كمنصة لتصعيد الامبراطوريات الاقليمية والدولية، او اسقاطها، فرحيل نتنياهو ومسارعة بايدن للتهنئة تفصح عن جديد نوعي في الاقليم يكمن باعتراف امريكي صريح بهزيمة مشاريعها وخسارة حروبها وتبلور استراتيجيات جديدة انسحابية واحد خطوطها يتجسد بالتخلي عن إسرائيل الكبرى والعظمى والتخلي عن صفقة القرن وصفع المطبعين والتحرر من اعبائها ومحاولة تأمينها بالقدر المتاح. والمتاح محاولة اعادة انتاجها كصغرى عبر انجاز تسوية شاملة بحدود ٤ حزيران ١٩٦٧ والاهم ان واقعة رحيل نتنياهو الى العتمة ستشعل حروب قبائل اسرائيل وستعزز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم وقدراتهم وتزيد في حضور ووزن ومكانة حلف المقاومة، فلولاه لما هزمت امريكا ولا انكسرت اسرائيل ولا كان رحل مليكها الفاسد والملاحق قانونيا ولا انفجرت تناقضات اسرائيل وعلى رأس قائمة حلف المقاومة التي وفرت اسباب وشروط النصر تقبع ايران ولهذا تكتسب انتخاباتها الرئاسية اهمية تفوق اهمية القمتين والقمم والاحداث. فان تنجز ايران استحقاقاتها الدستورية وتضع السلطة السياسية بيد المحافظين ويمسك بمفاصلها الحرس والخامنئي ورثة انجازات سليماني وقوة القدس وان تتم هزيمة الاصلاحيين الليبراليين المتأمركين والمتأوربين سيمكن ايران ويثبتها ويجعلها اكثر قدرة على التوجه شرقا والتخلي عن اوهام الامركة والتغريب والأوروبة ما سيزيد بقدرات ايران لانتزاع حقوقها النووية في المفاوضات ويعيد صياغة توازنات الاقليم والعالم على حقيقة ان ايران قوية وقادرة وقوة اقليمية حقا وشريك في صعود اوراسيا وتغيير العالم ونظامه وبانحسار اسرائيل وتركيا من منصات القوى الإقليمية سيكون للعرب فرصتهم الثمينة وان لم يستثمرونها، فايران دولة اقليمية وشريكة لاوراسيا في اعادة تشكيل الاقليم والعالم.
انتخابات اهم من قمتين والاتي اكثر اهمية وعظمه.