انطلقت مساء يوم الثلاثاء فعاليات القمة العربية في العاصمة الجزائرية، في دورتها الحادية والثلاثين تحت شعار “لم الشمل”، بعد توقف دام نحو ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا، بغياب قادة السعودية والإمارات والكويت والمغرب.
بدأت أعمال القمة بكلمة الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي قال إنّ بلاده “لم تدّخر أي جهد في أن تظل القضايا العربية في صدارة الاهتمامات، وحرصت وستحرص على إعلاء الصوت العربي الموحّد”.
وأضاف سعيد: “يمكننا أن نعالج أسباب الفرقة التي لم تزدنا إلاّ ضعفًا ووهنًا، ويمكننا في جامعة الدول العربية تأسيس مستقبل أفضل للإنسانية”.
وأكد “أننا لا ننسى فلسطين لأنّنا نتقاسم العزة والكرامة، ونتقاسم مع أبناء الأمة العربية هذه القيم نفسها”، مشددًا على أنّ “الحق الفلسطيني يجب أن يكون حاضرًا في جميع المؤتمرات والاستحقاقات حتى لا يغيب عمّن يتوق إلى الحرية”.
ولفت إلى أن “مساعي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تُوّجت بلمّ الشمل الفلسطيني، وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية”، وقال: “ندعم معًا المصالحة الفلسطينية لأنّها السبيل إلى مواجهة القمع والسياسات، التي يمارسها الاحتلال منذ أكثر من قرن. كما ندعو الأشقاء في ليبيا إلى لمّ الشمل وتحقيق المصالحة الشاملة”.
ورأى سعيد أنه “لا يمكن أن يعم السلام إلّا عبر استعادة الحق الفلسطيني، الذي لا يمكن أن يسقط بالتقادم، ويجب إقامة دولة فلسطينية حرة وعاصمتها القدس الشريف”.
ولفت سعيد إلى أننا “نعيش حربًا ضروسًا في مواجهة من يريد إسقاط دولنا العربية، ويمكننا الانتصار على الأزمات عبر لم الشمل والتكاتف بين الدول العربية. نحن أمام لحظة فاصلة من تاريخ أمّتنا، ويجب أن نتجاوز آلام المخاض لنساهم في ولادة عالم جديد، يعمّه الأمن وتسوده العدالة”.
ودعا سعيد إلى وضع “رؤية جديدة تعكس الوعي بشأن ضرورة توحيد الصفوف، وإيجاد الحلول لأي خلاف”، كما دعا إلى “نظام اقتصادي عربي مشترك يكون قادرًا على الصمود أمام المتغيرات العالميّة والضغوط الدوليّة”.
تبون: تبقى قضيّتنا المركزيّة والجوهريّة هي القضيّة الفلسطينيّة التي تتعرّض للتّصفية
وعقب تسلمه رئاسة القمة العربية، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في كلمته إن القمة العربية تنعقد في ظل ظروف إقليمية ودولية استثنائية بالغة التعقيد والحساسية، مشيرًا إلى أن الأمة العربية تشهد أزمات تتزامن مع تعاظم التحديات الداخلية والخارجية.
وأضاف: “تبقى قضيّتنا المركزيّة والجوهريّة هي القضيّة الفلسطينيّة التي تتعرّض للتّصفية من قبل الاحتلال عبر ممارساته”، معتبرًا أن ما سمي “مبادرة السلام العربيّة”، “ركيزة أساسية لقيام سلام عادل وشامل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلّة في حدود الـ 67”.
وأعلن تبون أن القمة العربية ستطالب الجمعيّة العامّة للأمم المتحدّة الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلّة. داعيًا إلى تشكيل لجنة اتصال عربية لمخاطبة الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وقال: “يتعين علينا إزاء عجز الأمم المتحدة عن فرض حل الدولتين مضاعفة الجهود ودعم الفلسطينيين”.
وأكد أن ”الجزائر على أتمّ الاستعداد لنقل هذا المطلب الحيوي إلى الأمم المتحدة، للمطالبة بعقد جمعية عامة استثنائية لمنح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة”. مشيرًا إلى أن هذا المطلب يأتي “استكمالًا لواجبنا العربي تجاه القضية الفلسطينية، القلب النابض للأمة العربية”.
ورأى أن “الأزمات التي تشهدها ليبيا وسوريا واليمن تبحث عن حل ، داعيًا إلى “تفضيل المصالحة الوطنيّة من أجل التوصل إلى حلول سلميّة توافقيّة داخلية”.
واعتبر تبون أن “التحدي الإصلاحي أصبح أكثر إلحاحًا ويتطلب منهجًا جديدًا للمعالجة انطلاقًا من إدراك الجميع للواقع العربي الراهن”. وقال: “يتعين توجيه الجهود نحو المواطن العربي من خلال إشراكه كمساهم في صياغة العمل العربي المشترك”.
وتابع: “يتعين علينا جميعًا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة”، وذلك في ظل “ظاهرة الاستقطاب التي تسهم بقدر كبير في تصعيد الأزمات، وتلقي بظلالها على دول عدة، خاصة أمننا الغذائي”.
وختم الرئيس تبون قائلًا: “نتطلّع بثقة إلى النتائج الإيجابيّة والمثمرة للنّقاشات التي ستشهدها قمتنا لبلورة الحلول العمليّة واتّخاذ القرارات الضروريّة”.
أبو الغيط: لجهد عربي لتسوية الوضع المأزوم في سورية وانخراطها في محيطها العربي وجامعتها العربية
وفي كلمته الافتتاحية، أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أنّ في مقدور العرب فعل الكثير إن هم حشدوا إمكانياتهم، على نحو صحيح وبمنهج علمي، وليست استراتيجية الأمن الغذائي العربي، المعروضة على القمة، سوى نموذج ومثال واحد لما يُمكن أن تقوم به الدول العربية بشكل جماعي في مواجهة أزماتها.
ولفت إلى أن “المنطقة العربية لم تخرج بعد من واحدةٍ من أخطر الأزمات والتحديات في تاريخها الحديث، مشيرًا إلى أن المنطقة العربية مرت بعقد صعب، ولا زالت بعض الدول تعيش أوضاعًا لا تهدد فقط أمنها واستقرارها، بل وجودها ذاته.
وقال: “بكل صراحة إن إطفاء الأزمات العربية المشتعلة وليس فقط التخفيف من حدتها أو التعايش معها أصبح واجبًا أكثر من أي وقتٍ مضى”.
وأضاف “إنه لم يعد مقبولاً الإلقاء بأزماتنا العربية على كاهل مجتمع دولي ينوء بأحمال ثقال، وينشغل بقضايا أخرى ضاغطة ومُلحة”، منوهًا بأن الإرادة العربية قادرة على التدخل الفعال لتسوية الأزمات العربية، إن هي استجمعت قوتها الإجمالية”.
ودعا أبو الغيط إلى جهد عربي لتسوية الوضع المأزوم في سورية، عبر إبداء المرونة من جميع الأطراف المعنية، والسعي نحو وضع جديد يُتيح انخراط سورية في محيطها العربي الطبيعي، وفي جامعتها العربية التي هي من دولها المؤسسة”.