لا شكّ أنّ زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى موسكو على مدى يومين اكتسبت أهمية خاصة ظهرت بشكل واضح من خلال طريقة استقباله المميّزة، والبرنامج الحافل باللقاءات على كافة المستويات بمضمون غنيّ بالمعطيات الإستراتيجية، ما يؤكد نجاح الزيارة على مستوى عالٍ، وفي مؤشرٍ جليّ للمستوى المتقدّم الذي بلغته العلاقات الثنائية بين البلدين. إذن، بالشكل والمضمون، كان لافتًا مخرجات الزيارة لجهة الدلالات والرسائل الواضحة تمامًا في كلّ الاتجاهات، ويبدو أنّ البلدين ينتقلان إلى علاقات أكثر عمقًا خاصة في ظلّ التحديات المشتركة وأبرزها إجراءات الحظر والموقف العدائي من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
ما تقدّم يقود إلى النظر بعناية إلى أهميّة زيارة الرئيس الإيراني لروسيا في هذا التوقيت ومقاربة ملفات القمّة المتعدّدة بينهما، إضافة إلى الهدف منها، ودراسة نتائج القمّة خاصة ما لفت إليه السيد رئيسي خلال اجتماعه بالناشطين الروس في مجال الإقتصاد والتجارة من أنّ متطلبات الصيغة النهائية للإتفاقية الشاملة بين إيران وروسيا باتت متوفرة.
الباحث في الشؤون الإيرانية محمد غروي رأى أنّ زيارة الرئيس رئيسي إلى موسكو تلبية لدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين تحمل في طيّاتها العديد من الرسائل والدلالات. وأضاف في حديث لموقع “العهد” الاخباري أنّه “لا شكّ بأنّ توقيت هذه الزيارة له دلالات خاصّة في ظلّ محادثات فيينا المستمرّة منذ قرابة الشهرين، وفي ظلّ الضغوطات الأميركية الأوروبية “الإسرائيلية” الخليجية على إيران لتقديم التنازلات، فكان لهذه الزيارة الوقع الكبير فيما يخصّ عدم رضوخ إيران للضغوطات التي تُمارس عليها”.
غروي لفت إلى أنّ هذه الزيارة وجّهت رسالة مشتركة بأنّ روسيا وإيران ليسا بصدد تقديم التنازلات، وأنّ الضغوطات المفروضة على إيران لن تجعلها في موقع الضعيف على طاولة فيينا، بل باستطاعة إيران التّوجه شرقًا وأن تمضي بالمزيد من التعهّدات مع الأطراف الروسية والصينية والهندية، وما تغريدة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أمس إلاّ دليلًا على هذا الأمر، حيث قال: “إنّ بيع النفط الإيراني، بلغ شروطًا مناسبة لا يمكن الرجوع عنها”، وأضاف “لا يمكن من أجل الحصول على تنازلات، تقديم وعود حول “الغاء الحظر” الذي فقد تأثيره”.
واعتبر غروي أنّه “على الأميركي أن يفهم مغزى هذه الزيارة، وأن يتلقّف نتائجها ومضامينها، وأن يقدّم التنازلات على الطاولة في فيينا، و”ينزل من على شجرة عليائه” كما يُقال، ويرفع العقوبات عن إيران، أمّا غير ذلك فيبدو أنّنا ذاهبون في فيينا إلى مزيدٍ من السلبية ولن تصل أيّ من الأطراف إلى نتائج مُرضيّة”.
والجدير ذكره أنّ هذه الزيارة هي الأولى للسيد رئيسي الى روسيا وأوّل لقاء ثنائي له منذ تولّيه الرئاسة، عدا القمم الجماعية الأخرى كقمة شنغهاي وغيرها، كذلك من جانب الرئيس بوتين الذي استقبل رئيسي من بعد توقّف لقاءاته لفترة طويلة بسبب جائحة كورونا، فاستقبله وجلسا معًا لمدّة تزيد عن الثلاث ساعات كما ذكر، هذا إضافة إلى الاجتماع في مجلس الدوما والبحث في التفاصيل الكثيرة، ناهيك عن الدكتوراه الفخرية التي مُنِحت للرئيس رئيسي، والاستقبال الحار من كافة الجهات الرسميّة والشعبيّة، وهذا له دلالات وبراهين هامة، فضلًا عن الاتفاقية التي جُدّدت لمدة 20 عامًا، بعد أن كانت تُمدد لخمس سنوات والتي تتضمّن في خضمّها ما يخص المشاريع الثقافية والاقتصادية والمعلوماتية والتعاون البرلماني…
ما تقدّم يدلّ على أنّ الطرفين خاضا خلال السنوات الماضية تجارب مشتركة وواجها عدوًا واحدًا، فأراد الفريقان المشاركة بقوّة معًا وتعميق العلاقات، وخاصة أنَّ الأميركي يستهدفما، لذا ارتأت إيران تعميق علاقاتها مع الصين وروسيا ودول أخرى مما ينعكس بالنفع على الجميع، بحسب غروي.
وعلى مستوى التعاون الثنائي بين البلدين فيما يتعلّق بالإقتصاد وتعزيز الأمن الإقليمي والدولي، لفت غروي إلى أنّ العلاقة الإستراتيجية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا والتي بدأت تأخذ مناحي إيجابيّة عميقة جدًا بين الطرفين ستُرخي بظلالها على الأمن في المنطقة، وستنعكس تعاونًا استخباراتيًا وأمنيًّا وعسكريًّا، وهذا يتكرّس بوجود الإيراني ومدّ يده لروسيا والصين من جهة ولدول المنطقة الأخرى من جهة أخرى، ما سيمنح طمأنينة وسلامًا وأمنًا في المنطقة وعلى المعابر الدولية الاقتصادية، وقد تحدّث عن هذا الموضوع الرئيس رئيسي حين ذكر بأنّ العلاقة بين إيران وروسيا تمهّد للسلام والأمن في المنطقة.
ورأى غروي بأنّ الزيارة حملت في طيّاتها المزيد من المعاهدات الاقتصادية والثقافية والعلمية وأيضًا المعاهدات الفضائية والتكنولوجية خاصة أنّ إيران قامت منذ أيام بتجربة فضائية مستخدمة الوقود الصلب، وهذه التكنولوجيا لا يمتلكها إلاّ أربع دول في العالم وإيران واحدة منها.
غروي أشار ايضًا إلى التطور التقني الموجود في إيران وروسيا خاصة من ناحية السلاح.. وقال “كل هذا يمكن أن يصنع قدرة وقوة هائلة في المنطقة يهابها الأميركي و”الإسرائيلي” وحلفائهم، وهذه الشراكة الاستراتيجية الأمنيّة العسكريّة يُعمل لها “ألف حساب” خاصة أنّ غدًا الجمعة ستنطلق مناورات مشتركة في المحيط الهندي بين روسيا وإيران والصين وهذه المناورات لها دلالات أيضًا في الشأن العسكري.
بدوره، الباحث في الشؤون الإيرانية الدكتور حسن حيدر، وفي حديث لموقع “العهد” الإخباري رأى أنّ هذه الزيارة هي تتويج للعلاقات الثنائية الإيرانية-الروسية والتعاون القائم بينهما في العراق وسوريا ودول أخرى، فهذه العلاقات المميزة منذ وقت طويل أثمر عنها هذا اللقاء.
وأضاف حيدر أنّ “هذه العلاقات بين البلدين كانت قائمة منذ القدم، ويُعمل على تطويرها وتكريسها لا سيّما وأنّ العدو مشترك وواحد وهو أميركا التي تدير الإرهاب في العالم وتدعمه، إضافة إلى فرضها العقوبات على إيران وروسيا، مما دفع الطرفان إلى عقد هذا اللقاء، وخاصة أنّ هناك حدودًا مائية مشتركة عبر بحر قزوين الأمر الذي يسهّل التبادل التجاري عبر الحدود أكثر لا سيما تصدير الغاز.
وتابع حيدر موضحًا دلالات الزيارة، وقال “العقوبات الظالمة الأحادية الجانب من قبل واشنطن على إيران دفع الأخيرة للتوجه شرقًا بدءًا من زيارة وزير الخارجية أمير عبداللهيان إلى الصين، ثم زيارة السيد رئيسي لموسكو والتي تتعرّض أيضًا للعقوبات الأميركية وللضغوط مما جعل الفريقان يقتربان أكثر”، ولفت إلى أنّ “الرسائل التي وجهها الطرفان من خلال هذه القمّة إلى أميركا بأنّها هي من يعيش العزلة وبالتالي إيران تتجه إلى الإنفتاح شرقًا لتطوير قطاعاتها كافة، وأنّ الإتفاق المؤقت الذي طرحته أميركا في مفاوضات فيينا لا يرضي الطموح الإيراني ولا تطلّعات الشعب الإيراني، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على هزيمة أميركا وضعفها وفقدانها للهيمنة الأحادية القطبية في المنطقة والعالم”، ختم حيدر.
العهد – تحقيق حسن شريم