قمة بايدن – بوتين : التوترات خارج الثلاجة والثقة بأميركا كالثقة بهتلر

يونس عودة | كاتب وباحث لبناني

قبل انعقاد القمة الروسية – الاميركية ، راهن الكثير من دول العالم ولا سيما الدول الاوروبية على احتمال خفض التوتر الذي خيم على علاقات اكبر دولتين نوويتين ، بصد العديد من الملفات ، وابرزها الاستقرار الاستراتيجي ، والذي يندرج تحته  سلسلة مشكلات تعمدت الولايات المتحدة افتعالها في اطار الصراع مع روسيا ، ومنها زيادة قدرات الناتو العسكرية حول روسيا ، وبناء قضية غاشمة انطلاقا من اوكرانيا ، وكذلك بولندا ، الى بعض دول البلطيق ، وكذلك في المدى الاسيوي لروسيا ، ولا سيما بالتوازي مع انهزام اميركا في افغانستان، فضلا  عن زيادة وتيرة العقوبات وانهاء عمل عشرات الدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة بذريعة ان تأشيراتهم تنتهي ، ولن تجدد في خطوة اشبه بطرد الدبلوماسيين ، وهذه الاخيرة ردت عليها موسكو بالمثل.

من الواضح ان قمة فلاديمير بوتين – جو بايدن عن بعد لم تؤت الاكل المطلوب ، استنادا الى المواقف والتسريبات الاميركية المؤججة للتوتر ، بمواكبة موعد القمة ، مثل “الغزو الروسي” لاوكرانيا ، واستعداد واشنطن لإجلاء الأمريكيين عن أوكرانيا في حال “الغزو الروسي”، مع الاشارة الى تحركات وحشود عسكرية روسية قرب الحدود مع اوكرانيا ، التي طلب وزارة دفاعها من كندا والولايات المتحدة وبريطانيا تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا للتصدي لروسيا. وهذا الامر كان في صلب ، لا بل اولوية بايدن بان “ركز على الطابع الخطير لتحركات القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، وحدد العقوبات التي ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين لفرضها في حال المزيد من التصعيد”.

لقد ابلغ  “الرئيس الروسي نظيره الاميركي أدلة دامغة على النهج الهدام الذي تتبعه كييف ويهدف للنسف الكامل لاتفاقات مينسك والتوافقات التي تم التوصل إليها في إطار رباعية نورماندي، وأعرب عن قلقه البالغ إزاء استفزازات كييف ضد دونباس”. ودعاه  لعدم تحميل روسيا المسؤولية عن التصعيد حول أوكرانيا، مشيرا إلى أن “الناتو” هو الذي يتخذ خطوات خطيرة ويحاول الانتشار على الأراضي الأوكرانية ويعزز حشوده على تخوم روسيا”. وأشار البيت الأبيض إلى أن الرئيسين بحثا أيضا “الحوار الأمريكي الروسي حول الاستقرار الاستراتيجي والبرمجيات الخبيثة الخاصة بالابتزاز والعمل المشترك على حل القضايا الإقليمية وبينها الملف الإيراني”.

الواضح ان بايدن ابلغ زعماء دول الناتو الاوروبيين بحصيلة نقاشه من دون ان يلتزم بخفض التصعيد رغم اعلانه بانه استنتج بان لا نية لروسيا في غزو لاوكرانيا ، واكثر ما لفت من ابلاغ المتوجسين من حرب تكون اوروبا اكبر ضحاياها ، تأكيد  نائبة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند ، أن قدرة الإدارة الأمريكية على منع “الغزو الروسي لأوكرانيا محدودة”، رغم شدة العقوبات التي قد تفرض على موسكو وهو ما استدعى ردا من المتحدثة الروسية ماريا زخاروفا التي وصفت الحملة بانها  ليس إلا “هراء وهلوسة ، لقد قامت واشنطن للتو بحشو آخر للمعلومات حول هذا الموضوع، وبدلا من ذلك، يتم التخلص من القمامة المزيفة”.

لقد طالبت  موسكو بالحصول على ضمانات خطية بعدم توسع الناتو شرقا ونشر أسلحة ضاربة في الدول المتاخمة لروسيا”، وهذا جزء اساسي من الاستقرار الاستراتيجي ، الا انها لم تحصل على اجوبة شافية في هذا المضمار، لكن وحسب البيان الرسمي فان “الزعيمين اتفقا على تكليف فريقيهما بمباشرة المشاروات حول هذه القضايا الحساسة”.

لم تنتج قمة الساعتين اي شيء ملموس ، ولذلك جاءات عبارة ان الرئيسين اتفقا على ابقاء التواصل ، وسط هواجس روسية مسنودة الى ماض تنصلت فيه الولايات المتحدة من اتفاقات  وضمانات عند انهيار الاتحاد السوفياتي حتى الامس القريب ، وهذه طبيعة الدول الامبريالية ، اي انها تنقلب على اي اتفاق ولو كان مكتوبا اذا شعرت انها الاقوى ، وفي رأي استراتيجيين كبار ، ان الولايات المتحدة الان تعيش حالة المانيا خلال الحكم النازي  ، ولذلك فان الثقة بالادارات الاميركية كالواثق بان الشيطان يمكن ان يقود الى الفردوس.

لقد “كان بين هتلر وستالين اتفاق رسمي تماما. فماذا جرى؟، حينها اعتقدت القيادة السوفياتية أنها حصلت على ضمانات أمنية حقيقية، وبنت سياستها على هذا الأساس. وبالنسبة لهتلر، كانت هذه الاتفاقية مجرد كلام على ورق، ألقى به في سلة المهملات بمجرد أن باتت ألمانيا مستعدة لبدء حرب مع الاتحاد السوفيتي” وكانت الحرب العالمية الثانية التي سمتها روسيا الحرب الوطنية العظمى .

من الواضح ان حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة عسكريا،لا يحوز الثقة ، وربما منعدم الثقة ، وهو ينغمس اكثر فاكثر في الخطاب الحربي  رغم دعوات المتكررة من موسكو وحلفائها بما فيها بعض الدول الاوروبية والاسكندنافية، لنزع فتائل التوتير ، وفي هذا الاطار دعا الرئيس الفنلندي سولي نينيستو الدول الغربية لعدم استفزاز روسيا واحترام مصالح الروس القومية، وقال “الشيء الأكثر أهمية هو أنك عند التعامل مع الروس ألا تستفزهم أو تتجاهلهم”، و”القيادة السياسية الروسية تتذكر دائما المواقف الطيبة تجاهها”، وأشار إلى أن “هلسنكي تراقب تعزيز الأسطول الشمالي الروسي.. في روسيا يقولون إنهم يريدون ضمان أمن منطقة مورمانسك، ويعززون دفاعاتهم. ومن الواضح أن طريق القطب الشمالي يحظى بأهمية استراتيجية ولا شك في أن الروس يفهمون ذلك جيدا”.

Exit mobile version