قمة المناخ والمطلوب منها
الدكتور محمد رقية | باحث اكاديمي وكاتب سياسي
انطلقت يوم الأحد 31 تشرين أول قمة المناخ والمعروفة أيضا بالمؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي – في مدينة غلاسكو الاسكتلندية, التي ستستمر لمدة أسبوعين وتشارك فيها وفود حوالي 200 دولة ، لبحث سبل التقليل من انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 والمساعدة في تحسين الحياة على كوكبنا.
توصف هذه القمة بأنها فرصة إما أن تنجح في إنقاذ الكوكب من أشد الآثار الكارثية لتغير المناخ أو تفشل في ذلك .
تهدف القمة إلى الحيلولة دون تجاوز درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل التصنيع، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه سيجنب الأرض أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميرا”
وسيتطلب تحقيق هذا الهدف، الذي اتُفق عليه في باريس عام 2015، زيادة في الزخم السياسي والمساعي الدبلوماسية الحثيثة لتعويض عدم كفاية الإجراءات والتعهدات الجوفاء التي ميزت الكثير من سياسات المناخ العالمية.
هذا وخلال قمة روما، اتفق زعماء مجموعة العشرين على بيان ختامي يدعو إلى اتخاذ إجراء “هادف وفعال” للحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة وهذا يتطلب إجراءات والتزامات كبيرة وفعالة من جميع البلدان”. لكنّ ثمّة غيابًا لالتزامات واضحة، كما هو الحال على صعيد الفحم، مصدر التلوث الكبير بالكربون الذي لم تُحدّد قمة مجموعة العشرين أهدافا وطنية بشأنه وتعتبر استراليا هي المصدّر الأكبر للفحم عالميًا
وتسبب مجموعة العشرين، التي تضم من بينها الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل وألمانيا ، نحو 80 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.
وقد أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن السنوات السبع من 2015 إلى 2021 هي الأشد حرارة على الإطلاق، معتبرة أن المناخ العالمي “دخل في المجهول”.
وتأخذ القمة هدفها من اتفاق باريس التاريخي الذي أبرم في العام 2015 والذي شهد موافقة الدول على وضع حد للاحترار العالمي عند 1,5 إلى درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي.
لقد التزم أكثر من 100 زعيم عالمي في وقت متأخر من يوم الاثنين بإنهاء إزالة الغابات وانحلال التربة بنهاية العقد الحالي، بدعم من أموال عامة وخاصة حجمها 19 مليار دولار للاستثمار في حماية الغابات واستعادة غطائها النباتي. ويقول معهد الموارد العالمية إن الغابات تمتص نحو 30 في المئة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي بما يحول دون تسببها في زيادة درجة حرارة الأرض. لكن هذا الحائل الطبيعي يختفي سريعا. حيث تقول مبادرة “غلوبال فورست ووتش” المعنية برصد إزالة الغابات والتابعة لمعهد الموارد العالمية إن العالم فقد 258 ألف كيلومتر مربع من الغابات في 2020.
ولا تزال كثير من البلدان، ولا سيما الناشئة، تعتمد اعتمادا كبيرا على الفحم لإنتاج الكهرباء، خصوصا في سياق أزمة الطاقة العالمية الحالية. ولم يحدد كذلك تاريخ واضح لتحقيق الحياد الكربوني ، إلا أن الصين قد التزمت حتى الآن ببلوغ الحياد الكربوني العام 2060.
وبحسب التحليل الذي أعدّه موقع “كاربون بريف” المتخصص في مجال تغير المناخ، فإن البشر قد أطلقوا نحو 2504 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ عام 1850، وهو رقم يتوافق مع البيانات التي قدمتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومشروع الكربون العالمي،
وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بالتصنيف العالمي، باعتبارها المسؤولة عن إنتاج أكثر من 509 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1850 وهي مسؤولة عن أكبر حصة من الانبعاثات التاريخية، بحوالي 20 بالمئة من الإجمالي العالمي. بينما تأتي الصين في المرتبة الثانية، بإنتاج 284.4 غيغا طن، تليها روسيا 172.5 غيغا طن، والبرازيل في المرتبة الرابعة 112.2 غيغا طن، وتأتي إندونيسيا في المركز الخامس بإنتاج 102.5 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون. في المرتبة السادسة تأتي ألمانيا 88.5 غيغا طن، ثم تأتي الهند في المركز السابع بإنتاج 85.7 غيغا طن ثاني أكسيد الكربون، وفي المرتبة الثامنة تقبع المملكة المتحدة بـ 74.9 غيغا طن، وتاسعًا تأتي اليابان بـ 66.7 غيغا طن، أما في المركز العاشر تأتي كندا 65.5 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون.
ويُظهر تحليل “كاربون بريف” أن حوالي 85 بالمئة من الانبعاثات التراكمية للولايات المتحدة والصين ناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، و15 بالمئة من إزالة الغابات، والعكس صحيح بالنسبة للبرازيل وإندونيسيا. علما” أن قطع الغابات في البرازيل تسارع في عهد الرئيس الحالي، جاير بولسونارو. كما يُعتقد أن أستراليا قد أزالت ما يقرب من نصف غطاء الغابات في آخر 200 عام.
طبقا لقياس مستوى سطح البحر بواسطة الأقمار الصناعية تبين إن مستوى سطح البحر ارتفع في العالم خلال القرن الماضي حوالى 16 – 20 سنتيمترا، وبمعدل حوالي 3 ملليمترات سنويا منذ 1993.
كما أن درجة الحرارة ارتفعت حوالي درجة واحدة منذ بداية الثورة الصناعية معظمها في الخمسين سنة الأخيرة بمعد 0.1-0.2 درجة مئوية كل 10 سنوات، كل هذه المشاهد تدق ناقوس الخطر لاتخاذ تدابير من أجل عدم زيادة درجة الحرارة وتقليل ذوبان الجليد الذى يزيد من ارتفاع سطح البحر ويؤدي إلى غرق معظم السواحل.
لقد قال الأمين العام للأمم المتحدة نحن نواجه كارثة مناخية لا مهرب منها. وقال إن الفشل في مواجهة التغير المناخي سيشكل حكما بالموت لسكان الأرض. ودعا إلى الاستثمار في الاقتصاد الذي يؤدي إلى صفر انبعاثات.
وضمن هذا الإطار نرى أنه يجب على قمة غلاسكو اتخاذ التدابير التالية الملزمة لجميع الدول :
1- أن تقلل مختلف دول العالم ، استخداماتها من الوقود الأحفوري وخاصة الفحم والنفط الملوث للبيئة والمسبب لارتفاع حرارة الأرض
2- التوسع في زراعة الغابات وحمايتها وتكثيف عمليات التشجير، للحد من ظاهرة التصحر التي تهدد بقضم مساحات خضراء جديدة وتدمير الغطاء النباتي في العديد من دول العالم، ولا سيما تلك التي تعاني من الجفاف وشح الأمطار ونضوب المياه الجوفية”.
3- الاعتماد على الطاقات المتجددة النظيفة في تأمين الطاقة الخضراء لكوكب الأرض بما فيها طاقات الشمس والرياح والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة الحيوية وطاقة الأمواج
4- الاسراع في انتاج السيارات الكهربائية والاعتماد على وسائل النقل الكهربائية الاخرى كالقطارات والباصات والبواخر وغيرها
5- ينبغي على القمة انتزاع تعهدات من الدول المجتمعة وخاصة الدول الصناعية الكبرى المسببة للجزء الأكبر من التلوث وخاصة أمريكا والصين المسؤولتان عن 38% من إجمالي الانبعاثات لمزيد من خفض هذه الانبعاثات لأن التعهدات الحالية للبلدان ستؤدي إلى ارتفاع متوسط درجة حرارة المعمورة 2.7 درجة مئوية في هذا القرن، وهو ما تقول عنه الأمم المتحدة إنه سيؤدي بالفعل إلى زيادة الدمار الذي يسببه تغير المناخ من خلال اشتداد العواصف والحرارات العالية الشديدة والفيضانات المدمرة وذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر والقضاء على الشعاب المرجانية وتدمير الموائل الطبيعية.
6- توفير المبالغ اللازمة من الدول الغنية لمساعدة الدول الفقيرة على صعيد المناخ لأن غالبا ما تقف الدول الفقيرة في الصفوف الأمامية في مواجهة الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية .
7- زيادة عدد المصانع التي تلتقط أكسيد الكربون من الهواء لمحاربة التغير المناخي فحسب وكالة الطاقة الدولية، يوجد حاليًا 15 مصنعًا يلتقط ثاني أكسيد الكربون من الهواء مباشرًة ، في جميع أنحاء العالم، بمعدل 9 آلاف طن سنويًا. إن أحدث هذه المصانع وأكبرها يوجد في أيسلندا ويمتص حوالي 4 آلاف طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون
8- يجب التأكيد على تخفيض نسبة انبعاث الميتان الذي ينجم زهاء 60 بالمئة منه عن الأنشطة البشرية وهو ثاني أهم غاز من غازات الاحتباس الحراري طويلة العمر، وأخطرها ، حيث يتفوق على ثاني أكسيد الكربون بنحو 25 مرة ويسهم بنحو 17 بالمئة في الاحترار وفقا” لتحاليل منظمة الأرصاد العالمية
9- يجب أن لا تطغى المصالح الاقتصادية الآنية لدى بعض الدول والتكتلات الاقتصادية ، على المصلحة العالمية والإنسانية المشتركة في وقف التدهور البيئي الحاد، وأن لا تتحول القمة لمحفل علاقات عامة، دون اقرار برامج واستراتيجيات جادة وملزمة لمكافحة الخطر الداهم الذي يتهدد العالم، بفعل ظواهر تغير المناخ
وختاما” نقول إذا كان التاريخ نهرا” فإن البشرية قد بلغت حافة الشلال.