قصة الكلب الوفي

الدكتور محمد رقيّة | استاذ جامعي سوري

كان أخي الأكبر يحب تربية الكلاب , في أحد الأيام جلب إلى بيتنا في القرية جروا” صغيرا”, كان أبيض اللون جميلا” وقد دربه وهو صغير على الفهم وتنفيذ الحركات والرغبات بشكل عجيب . فعندما يقول له حيي الناس يرفع يده ويحييهم،

وإذا قال له مت كان يتظاهر بالموت وإذا قال له أرقص يبدأ بالرقص
وهكذا كان ينفذ أي حركة يطلبها منه .
وكان إذا ذهبنا إلى الفلاحة ذهب برفقتنا وكان يسير مع الثيران وكأنه يشجعها على الفلاحة بإخلاص .
وعندما كنا نذهب للصيد كان يأتي بالصيدة من بعيد قاطعا” المسافات بين الأحراش والجبال والوديان.
وعندما كنا نأتي للقرية كان يشعر بمجيئنا ويستقبلنا في أول القرية ويسير معنا بجانب السيارة حتى البيت وعند نزولنا من السيارة كان يشمشمنا وكأنه يسلم على كل واحد منا ويعمل حركات تحبب وتودد.
وعندما كنا نذهب للعين لجلب الماء كان يرافقنا دائما” , وعندما نخلد للنوم كان يحرسنا ويحرس الحي كله من كل عابس ومستهتر ولص .
في أحد الأيام وأثناء قيام إخوان الشياطين في بداية ثمانينات القرن الماضي بالإعتداء على الدولة السورية واغتيال قادة العلم والمدافعين عن الوطن وقتل الناس الأبرياء بتفجير الباصات والأماكن العامة ، اجتمع في بيتنا عدد كبير من الشباب المحبين لوطنهم وأخذنا نتحدث عن الأوضاع العامة وعن هؤلاء الخونة والعملاء والجهلة والجواسيس والكفرة الذين خانوا الوطن ودمروه , وقد وصف بعض المتحدثين هؤلاء بالكلاب , وكان الكلب قريبا” منا .

في اليوم التالي وجدنا كلبنا يعوص وينوص بحزن شديد , فسأله أخي شو صارلك ليش هيك حزنان ؟ فحرن ورفض الإجابة. ثم أعاد السؤال أكثر من مرة محاولا” استنطاقه, فقال بصوت مبحوح أنتم البارحة وصفتم خونة بلادكم بالكلاب مظبوط ؟ قلنا مظبوط . فقال وهو يهز ذيله أتوصفوهم بالكلاب ونحن أوفى الأوفياء لكم .
ألم أحرس بيتكم وحيكم في الليل والنهار وأحرم كل من تسول له نفسه بالإساءة اليكم من الإقتراب ؟ فقلنا صحيح .
وقال ألست أنا من منع الثعلب الماكر أكثر من مرة من أكل دجاجاتكم في القن ؟ , فقلنا صحيح .
وقال ألست من أنقذ طفلكم الصغير عندما هجم عليه أولاد الحارة أثناء اللعب محاولين ضربه ؟ فقلنا صحيح .

وقال ألست من أيقظكم في الليل أثناء ولادة بقرتكم كي لا يموت ابنها وتهتموا بها ؟ فقلنا صحيح .

وقال وذيله مستمر بالهز والحركات الجميلة , ألست كنت مرافقا” لكم في كل أعمالكم وأنفذ كل ما تطلبون ؟ فقلنا صحيح .
فطوى ذيله وقال لماذا اذن تصفون خونة بلادكم والجواسيس والعملاء بالكلاب ؟.

نحن معشر الكلاب أوفياء لصاحبنا وأوفياء للبيت الذي تربينا فيه وندافع عنه حتى لو أدى ذلك لقتلنا , فكيف تدعوهم بالكلاب ؟ إنني حزين .
أوصفوهم بالوطاويط عديمي الضمير والأخلاق والوفاء لبلدانهم ولا تصفوهم بالكلاب فنحن اشرف منهم .
فقلنا معك حق أنتم أفضل منهم وأشرف من اشرفهم ولا تقارنون بهم أبدا”.

لقد سمع بهذا الكلب ووفائه بعض الجهلة وأشرار المنطقة فقاموا بتسميمه ومات .
لقد مات الكلب الوفي للبيت الذي تربي فيه , فهل يتعظ ويتعلم خونة الأوطان ومدمري البلدان الوفاء لأوطانهم من الكلاب ؟

هيهات أن يتعظوا أو يتعلموا !!!!

فلو اتعظ هؤلاء الخونة ما كانوا جددوا خيانتهم لبلدهم في حروب الربيع العبري ونفذوا ماطلبه منهم أسيادهم في تدمير بلدهم وجلب كل وحوش الأرض لقتل شعبهم وجعل وطنهم أرضا” مستباحة لكل غازٍ.
ولكن اقتربت نهايتهم الوخيمة وهي نهاية كل خائن وعميل وجاسوس ولهم العبرة في من سبقهم من العملاء.

من قصص الواقع
كتبتها آخر عام 2020

 

Exit mobile version