كتاب الموقع

قرصان اقتصادي أميركي: هكذا ننهب ثروات العالم!

هلال عون | كاتب واديب سوري

بقيت بريطانيا تنهب ما نسبته 84 % من عائدات النفط الإيراني، منذ تم اكتشافه عام 1908 حتى عام 1951، وهو تاريخ استلام “محمد مصدق” رئيساً للوزراء في إيران، حيث قام مصدّق بتأميم قطاع النفط الإيراني.
وعندما لم تستطع بريطانيا إسقاط حكم “مصدق” – رغم استقدامها بوارجها الحربية إلى سواحل الخليج – استنجدت بأميركا، وطبعاً وجدت أميركا في ذلك فرصة لنهب ثروات إيران وتقاسمها مع بريطانيا.
وبالفعل استطاعت أميركا – خلال عامين، عبر عملائها المزروعين داخل إيران، إحداث اضطرابات واسعة في إيران، فقد اعتمد عملاؤها على شراء ذمم عدد كبير من الإعلاميين ومالكي الوسائل الإعلامية، وبعض رجال الدين والعسكر- استطاعت أن تقسم الشارع الإيراني بين غالبية عظمى مؤيدة لمصدّق ونسبة صغيرة مؤيدة للشاه.
وفي الوقت المناسب أدخلت أميركا عصاباتها وعملاءها بين جموع المتظاهرين الموالين لمصدق فقاموا بأبشع صور قتل المدنيين ونهب وحرق الممتلكات الخاصة والعامة، حتى ترك المتظاهرون المؤيدون لمصدق المظاهرات، والتزموا بيوتهم.
وفي المقابل كانت المظاهرات المؤيدة للشاه، والتي تديرها أميركا عبر عصاباتها وعملائها أيضاً، تقدم العروض الكرنفالية والفنية في المظاهرات بطريقة حضارية حتى انضم إليها قسم كبير من مؤيدي الرئيس مصدق الذين رفضوا النهب والسلب والتدمير وقتل المدنيين الذي ظنوا – بمساعدة البروبغاندا الإعلامية أن “مصدّق” يقف خلفه..!. وكانت النتيجة سقوط مصدق وسجنه عام 1953.
وتم تعيين عميل أميركي رئيساً للوزراء في إيران هو “فضل الله زهيدي”، وبالطبع تم تقاسم عائدات النفط الإيرانية بين أميركا وبريطانيا، واستمر نهب ثروات إيران إلى أن قامت الثورة عام 1979.
تحاصر أميركا الآن عدداً كبيراً من الدول التي لا تخضع لسياساتها، ولا تقبل بأن تُدار من قبل الشركات المالية العالمية والمخابرات الأميركية، ولا تقبل بنهب ثروات شعوبها.
ومن هذه الدول المُحاصرة سورية ولبنان، حيث تعمل أميركا على تجويع شعبي البلدين لإخضاع قيادتي البلدين السياسية.
وفي ظل مأساة التجويع تسرق وتحرق الثروات السورية، وسرقت إيداعات اللبنانيين والسوريين في المصارف اللبنانية عبر عملائها.
و تطرح حلاً اقتصادياً وحيداً لوقف المجاعة في لبنان.. وهو منحه قروضاً من البنك الدولي مقابل (إصلاحات اقتصادية) والإصلاحات الاقتصادية المطلوبة هي خصخصة ما تبقى من القطاع العام اللبناني وبيعه لوكلاء الشركات الأميركية الكبرى.
المقدمة السابقة ضرورية كمدخل للاطلاع على سياسة الإمبراطورية الأميركية المتوحشة التي تقودها الشركات العالمية الكبرى، من خلال عرض أمثلة وأدلة وشواهد، قدّمها “جول بركنز” – وهو قرصان اقتصادي تائب، وأحد أذرع النهب العالمية – في كتابه الذي جاء تحت عنوان: “اعترافات قرصان اقتصادي.. الاغتيال الاقتصادي للأمم”.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه المترجم للعربية: (قراصنة الاقتصاد، هم خبراء محترفون ذوو أجور مرتفعة مهمتهم هي أن يسلبوا بالغش والخداع الثروات من دول عديدة في سائر أنحاء العالم.
يحوّلون المال من البنك الدولي وهيئة المعونة الأميركية وغيرها من مؤسسات المساعدة الدولية ليصبّوه في خزائن الشركات الكبرى وجيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية.
وسائلهم لتحقيق ذلك تشمل اصطناع التقارير المالية وتزوير الانتخابات والرشوة والابتزاز والجنس والقتل).
ويطرح المؤلف في الاعترافات التالية بعض الأمثلة لما فعلته أميركا مع بعض دول العالم.. يقول: (في الواقع إن أهم الأسباب التي جعلت قراصنة الاقتصاد يضعون أعينهم على الإكوادور تتمثل في بحر البترول الذي تسبح فوقه منطقة الأمازون والذي يعتقدون أنه ينافس حقول بترول الشرق الأوسط.. وتعد الإكوادور نموذجاً للبلاد التي أدخلها قراصنة الاقتصاد إلى حظيرة الاقتصاد السياسي، فمن بين كل مئة دولار من عائدات المواد الخام المأخوذة من الغابات تتحصل شركات البترول على ٧٥ دولاراً.. أما الـ ٢٥ دولاراً الباقية فتذهب ثلاثة أرباعها لسداد الديون الخارجية، ومعظم ما يتبقى يذهب لتغطية شؤون الجيش وغيره من النفقات الحكومية.. ويتبقى دولاران ونصف الدولار فقط لنفقات الصحة والتعليم والبرامج التي تهدف لمساعدة الفقراء..
وهكذا فمن كل مئة دولار من ثمن البترول المستخرج من الأمازون لا ينال المواطنون المحتاجون سوى أقل من ثلاثة دولارات.. ويتابع: (نحن اليوم لا نحمل سيوفاً ولا نرتدي دروعاً أو ملابس تعزلنا عن غيرنا).
ففي بلاد مثل الأكوادور ونيجيريا وأندونيسيا نرتدي ملابس كالتي يرتديها المدرسون المحليون وأصحاب المحال التجارية.. وفي واشنطن وباريس نبدو مثل موظفي الحكومة والبنوك متواضعين وعاديين نزور مواقع المشروعات والقرى الفقيرة.. نتظاهر بإنكار الذات ونحدّث الصحف المحلية عن الأعمال الإنسانية العظيمة التي نؤديها.

نغطي طاولات مؤتمرات اللجان الحكومية بأوراقنا ومشاريعنا المالية.. ونحاضر في كلية إدارة الأعمال في “هارفارد” عن عجائب المشروعات الاقتصادية الكبرى، ونادراً ما نلجأ للخروج عن القانون، فالنظام نفسه مبني على خدعة ويوصف بأنه قانوني).. ويضيف: “عندما حاول رئيس الإكوادور “خايمي رولدوس” فرض سيادة بلاده على مصادر النفط، تم اغتياله بحادث طائرة مدبر في ٢٤ أيار عام ١٩٨١”.

وعندما تجرأ رئيس بنما “عمر توريخوس” على رفض الهيمنة الأميركية، والسير على درب “رولدوس” نال نفس المصير في حادث طائرة أيضاً في ٣١ تموز ١٩٨١، أي بعد شهرين فقط على موت “رولدوس”..
وهكذا ينضم هؤلاء إلى قائمة طويلة من زعماء العالم الثالث مثل “مصدق” في إيران و”سلفادور الليندي” في تشيلي، وغيرهم، وعندما قامت أميركا بغزو “بنما” في ٢٠ كانون الأول ١٩٨٩ قامت بحرق أحياء كاملة من عاصمتها، وقتلت الآلاف من الأطفال والمدنيين الأبرياء”.
ويشرح: “أنه والخبراء الاقتصاديون قاموا بتطويع اللغة لتغليف استراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم، مثل “الحكم الرشيد” و”تحرير التجارة” و”حقوق المستهلك”، وعلى جميع الدول أن تقوم بخصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء، أي أن تبيعها للشركات الكبرى، وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية”..
الإمبراطورية الأميركية تعتمد على كون الدولار يلعب دور العملة القياسية الدولية.. فأميركا هي التي يحق لها طبع الدولار، وبالتالي يمكنها تقديم القروض بهذه العملة، مع إدراكها الكامل أن معظم الدول النامية لن تتمكن من سداد الديون.
وأن النخبة الأميركية لا تريد بالفعل قيام الدول بالسداد لأن ذلك هو السبيل إلى تحقيق أهدافها.. وأن حرية طبع النقد الأميركي دون أي غطاء هي التي تعطي لإستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها.
وأن عمليات السيطرة على العقل العام الأميركي تتم بشكل مستمر ومتكرر وتصل إلى ذروتها في فترات الأزمة، حيث يساق الشعب بشكل دائم إلى إدراك بأن الحرب لم تنته وأن بلاده تحارب من أجل قضية نبيلة.. ولا غرابة إذ استخدم الرئيس الأسبق رونالد ريغان، تعبير “إمبراطورية الشر”، والرئيس بوش تعبير “محور الشر”، للتأثير على المواطن العادي بألفاظ ذات مسحة دينية.
وكما يساهم شركاء النخبة من المثقفين وقادة الرأي والفكر في تعبئة الرأي العام بجرعة منتظمة من البلاهة تتسم بالمغالاة دائماً للحيلولة دون تحول أي فكر مستقل إلى فعل سياسي يهدد مبادئ النخبة المسيطرة، ويتطلب ذلك بالضرورة تركيزاً عالياً للملكية في مجال الإعلام.
وكما أن الذين يتبوؤون إدارة المؤسسات الإعلامية أو يكتسبون مكانتهم بصفتهم معلقين أو صحفيين ينتمون بحكم الوضع الاجتماعي والمالي لنفس النخبة المحظوظة ويشاركونها الامتيازات والتطلعات ويعبرون بالتالي عن مصالح الطبقة التي ينتمون أو سينتمون إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى