كتاب الموقع

قراءة في كلمة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الشعب السوري ( 3- 3 )

الدكتور حسن احمد حسن | باحث سوري مختص بالجيوبوليتيك والدراسات الإستراتيجية

الجزء السابق من هذه الدراسة تناول ثلاثة عناوين فرعية هي: فضح النفاق عند الخصوم والأعداء ـ السبات الإرادي والتفكير القسري ـ رسائل التحدي وقلب الموازين، كما تناول الجزء الأول مقدمة وعدداً من العناوين الفرعية المتعلقة بأهم الأفكار والمعاني والدلالات والرسائل التي تضمنتها كلمة السيد الرئيس بشار الأسد إلى الشعب السوري بعد إعلان نتائج الانتخابات،ومنها: العلاقة بين القائد وأبناء الشعب ـ الأخوة في الولاء والانتماء ـ الوطنية وتعدد الاستحقاقات، ونستكمل في هذا الجزء الأخير من الدراسة ذكر ما أمكن من بقية نقاط مهمة عبر الخاتمة، وتسليط الضوء على بعض العناوين الفرعية الجديدة التي يجب التوقف عندها، ومنها:
• التحديات والقوة الكامنة:
إصرار الشعب السوري على التعبير عن إرادته لم تكن مجرد ردة فعل، بل استجابة مسؤولة لمواجهة التحديات، فكلما اشتدت وتكاثرت تلك التحديات كلما استفزت الشعوب الحية على إطلاق القوى الكامنة لديه واستثمارها بالشكل الأمثل، وما أقدم عليه الغرب المتآمر سواء بمنع إجراء الانتخابات في عدد من الدول التي يقيم بها عدد كبير من السوريين، أو الاعتداء على من توجه لممارسة حقه في الانتخاب في لبنان الشقيق قد أدت إلى نتائج عكسية، فالبلطجة السياسية التي اعتمدتها ألمانيا وغيرها عبر الرفض المسبق للانتخابات، والبلطجة االبازارية الهمجية التي رأيناها في لبنان من بعض العصابات المرتبطة بالعدو الصهيوني وأتباعه قد حركت فواعل القوى الكامنة للشعب السوري الذي فاجأ الجميع بولائه لوطنه ووفائه لقائد مسيرته السيد الرئيس بشار الأسد، وحول الباحات المحيطة بمراكز الاقتراع إلى أعراس شعبية حقيقية معبرة بجلاء عن هذا النبض السوري الحي المقولب جينياً ضد الذلة والخضوع والتبعية، وغدت السياسات العدوانية لعدد من الدول التي تدعي الحضارة والديمقراطية مثار سخرية حتى لدى العديد من أبناء تلك الدول، ولعل هذه هي الرسالة الأبلغ التي أوصلها الشعب السوري للعالم كله بالصوت والصورة، ولم يعد بإمكان الساسة وأصحاب الرؤوس الحامية إلا الكشف أكثر فأكثر عن وجوههم القبيحة، والتهديد بتشديد الحصار والعقوبات، والسوريون على يقين لو استطاع أولئك قطع الأوكسجين عن هذا الشعب الملتف حول قائده لما ترددوا، لكنهم حاولوا وفشلوا، وأعادوا المحاولات اليائسة مرات ومرات، وفي كل مرة يثبت فيها شعب سورية العريق أنه على قدر التحدي، وأنه الأقدر على اجتراح المعجزات، وتحصين الانتصارات، ويليق بمثل هذا الشعب الحي أن يختم رئيسه رسالته بالقول: “عِشتم شعباً عزيزاً لا يخضع للضيم، ولا ينحني إلا لله…دمتم ودامت لنا سوريا حرة كريمة قوية منيعة”.
• معالم المرحلة القادمة:
تضمين السيد الرئيس كلمته بعض الشرح عن أهمية الروح المقاتلة، والتركيز على أننا بامتلاك هذه الروح سنتمكن من هزيمة كل أعدائنا مهما كثُرت النزالات، واشتدت الخطوب يعني أن الصراع ما يزال مستمراً ومفتوحاً، وأن انتصارنا في هذه المحطة من الحرب لا يعني نهايتها، فهناك نزالات قادمة، وخطوب قد تشتد، لكن لا خوف مهما تعددت وارتفعت حدة الاشتباك طالما يمتلك الشعب السوري هذا الروح المتحدية والمقاتلة، وقد حدد السيد الرئيس أهم مواصفات المرحلة القادمة بثلاث سمات بقوله: “..وهي مرحلة عمل مستمرٍ ومقاومةٍ وصمود”..وهنا يأتي دور كل مواطن بغض النظر عن مستوى المسؤولية الرسمية المكلف بها، فعندما نقول عمل مستمر فهذا يعني العمل بجميع أوجهه، وفي شتى مجالات الحياة: في الزراعة والصناعة والصحة والاقتصاد والتعليم والمعرفة، وفي السياسة والعسكرة والدبلوماسية والوعي والإعلام وتنمية المهارات الفردية والمجتمعية، وأهم ما في هذا العمل أن يتصف بالديمومة والاستمرار، فلا يأس ولا قنوط ولا خوف ولا تردد، وأبيح لذاتي القول بأنه لا مجال للشعور بالتعب والإرهاق، وإن حصل وتعب أي منا لسبب أو لآخر فالوفاء لدماء الشهداء، وبطولات الجيش وتضحيات الشعب، وبلوغ المستقبل المنشود وتجاوز تبعات الحرب وآثارها الموجعة لا يسمح لنا بالقول إنا تعبنا، لأن الأعداء ينتظرون ذلك، وكل ما فعلوه لدفع المواطن السوري للشعور بالتعب والإرهاق ـ بل والإنهاك ـ ورفع الصوت في التعبير عن ذلك، وهذا لن يحدث قط.
الميزة الثانية للمرحلة القادمة هي المقاومة، وهي تتضمن تلقائياً ميزة الصمود المشار إليها في حديث السيد الرئيس، وعندما نقول مقاومة، فهذا يعني أن هناك ما يجب التصدي له، وعدم السماح بتمريره، وكل ما شهدته المنطقة في العقود الأخيرة هو مكرس لوأد المقاومة ثقافة ونهجاً وسلوكاً وطريقة تفكير وحياة، وبالتالي المطلوب تصليب هذه المقاومة والتمسك بها، وتعزيزها أكثر فأكثر، وبخاصة أنها أثبتت جدواها، وأنها المعادل الموضوعي الوحيد الممكن والقابل للبناء عليه لجسر الهوة الكبيرة ، وتجاوز مؤشرات الخلل القائم في موازين القوى التقليدية.
خاتمة:
لقد أثبت السوريون بالدلائل الدامغة والبراهين المتجذرة في أرض الواقع أنهم على قدر التحديات مهما علت، وأنهم صناع المعجزات والانتصارات، ولذلك فإننا في سورية الأسد لا نملك ترف الشعور بالتعب، ولا رفاهية ولا ترف الإحساس باليأس والإحباط، قدرنا أن نكون قلب العالم الجيوبوليتكي، وقرارنا أن نحصن دورنا الفاعل، ونعلم الكون كيف يكون الولاء للوطن، والوفاء لثوابته ومبادئه بالتفاف الشعب حول قائده، ومراكمة الإنجازات، وترك الأفق مفتوحاً للأعداء والمتآمرين ليرفعوا صوت الندب والشكوى، وجلد الذات بالاستمرار بالكذب والتضليل والنفاق، وليتقاسموا المسؤولية عند تكدس الخيبات والفشل في بيادر الهزائم والإخفاقات المتتالية التي تشكل البيئة الاستراتيجية المطلوبة لدق المسمار الأخير في نعش الأحادية القطبية، والانتقال إلى نظام عالمي جديد كانت سورية الأسد الرحم الحاضنة لتشكله، ونموه، ومن حقها أن تختار المكانة التي تليق بها في عصر العزة الوطنية والكرامة الإنسانية.
مبارك لسورية الأسد هذه القفزة الذاتية في إثبات الذات والدفاع عن هويتنا الوطنية، وانتمائنا الإنساني، ودورنا الحضاري، فما بعد 26/5/2021 لن يكون كما قبله، وما حققه السوريون بتلاحمهم والتفافهم حول قائدهم الرمز ألزم جميع القوى الفاعلة إقليمياً ودولياً على إخراج ورقة التسويات الكبرى من الأدراج التي علاها الغبار جراء التقادم، ووضعها على الطاولة المزدانة بانتصار سوري ناجز وعصي على المصادرة، ومن حقنا وواجبنا نحن عشاق الوطن ..أبناء سورية الأسد أن نثبت لأعدائنا كما قال السيد الرئيس الفريق المفدى بشار الأسد: “أن محاربة شعبِنا بمتطلباته الأساسية وبلقمة عيشه، لا تزيده إلا تمسكاً بوطنه، وبكل ما يرمز إليه، وأن هذا الشعب عند الاستحقاقات والامتحانات الكبرى، دائما ما اثبت أن الوطن يعلو ولا يعلى عليه.
أختم هذه الدراسة بقول تعشقه الروح ويحبه القلب، وتعيشه الجوارح لأردد مع جميع أبناء الوطن سورية الحبيبة الصامدة المنتصرة:
غير تلاتة ما منختار: الله وسورية وبشار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى