سيلفا رزوق | كاتبة سورية
كشف التفشي السريع لفيروس «كورونا» المستجد، وما أفرزه من تداعيات اجتماعية واقتصادية على البشرية جمعاء، تضاف إليها حال العالم بعد أربع سنوات من تولي دونالد ترامب للرئاسة الأميركية وما نتج عنها من كوارث نتيجة سياساته الانعزالية وغير الأخلاقية تجاه العديد من بلدان العالم وقاراته، كشف حجم المتغيرات التي طرأت على العلاقات الدولية، وطرح أسئلة محقة حول موازين القوى الدولية، جعل الإجابة عنها أكثر إلحاحاً في المرحلة الجارية، وخاصة بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض وحديثه عن إصلاح علاقات الولايات المتحدة مع دول العالم التي أجهز عليها سلفه ترامب.
الصين التي اتهمها ترامب بالوقوف خلف انتشار «كوفيد 19»، الذي كان يتعمد تسميته بـ«الفيروس الصيني»، وشنّ عليها حملات إعلامية وعقوبات في محاولة لشيطنتها وإضعافها مالياً واقتصادياً، قدمت للعالم النموذج الأكثر صرامة وإصراراً على النجاح في مواجهة «كورونا» وتداعياته المحلية والاقتصادية، وقدمت أيضاً الإجابة عن الأسئلة الدولية الملحة حول مصير النظام العالمي المستجد في ضوء تداعيات جائحة «كوفيد 19»، وما باتت تعانيه البشرية جمعاء، وما يجب على الدول العظمى القيام به من أجل استعادة الأمن والسلم العالميين والحفاظ على سيادة واستقلال الدول وضمان تنمية شاملة تضمن استقلالية القرار للشعوب الأكثر اضطهاداً نتيجة التدخلات الأجنبية في شؤونهم الداخلية.
السفير الصيني في سورية فيانغ بياو وفي مقالته التي نشرتها «الوطن» يوم الخميس الماضي، قدم قراءة الصين وإجاباتها عن أسئلة من قبيل، إلى أين سيتجه العالم؟ وما الدور الذي يجب أن تلعبه الدول الكبيرة؟ وكيف نبني عالماً يخدم مستقبل البشرية ومصيرها؟ مستلهماً هذه الإجابات من كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال حضوره الفعالية الافتراضية للمنتدى الاقتصادي العالمي لأجندة دافوس الذي عقد في 25 الشهر الفائت، أي بعد أيام معدودة من وصول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض.
الرئيس الصيني في كلمته التي عنونها «لنجعل شعلة التعددية تضيء طريق البشرية إلى الأمام»، اعتبر أن صيانة وتطبيق التعددية وإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية طريق حتمي لبناء عالم يخدم مستقبل البشرية ومصيرها، وقدم مبادرة في هذا السياق تستند إلى عدة نقاط، أبرزها: «التمسك بالانفتاح والتسامح، بدلاً من الانغلاق والإقصاء، والتمسك بمفهوم مجتمع المستقبل المشترك والقيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، وأيضاً الالتزام بالقانون الدولي والقواعد الدولية، بدلاً من السعي وراء الهيمنة من جانب واحد، وكذلك الالتزام بالتشاور والتعاون، بدلاً من التصادم والمجابهة، ونبذ عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية اللتين عفا عليهما الزمن.
كما تضمنت مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ ضرورة مواكبة العصر، بدلاً من رفض التغير، والالتزام بالقيم الجوهرية والمبادئ الأساسية للتعددية، والتماشي مع تغيرات الأوضاع الدولية ومواجهة التحديات العالمية، وإصلاح وتحسين منظومة الحوكمة العالمية على أساس التشاور الواسع والأرضية المشتركة.
الصين وهي الدولة الكبيرة، لم تكتف بتقديم المبادرة، بل أكدت ضرورة التزام الدول الكبرى بمسؤوليتها وواجباتها، وأعلن الرئيس شي جين بينغ في كلمة بمنتدى دافوس عن الخطوات التي ستتخذها بلاده في المستقبل، وأولى هذه الخطوات، مواصلة مشاركتها النشطة في التعاون الدولي لمكافحة الجائحة، وتقاسم الخبرات الناجحة لأعمال الوقاية والسيطرة مع دول العالم، وتقديم ما في وسعها من المساعدة إلى الدول والمناطق التي تكون أقل استعداداً لمواجهة الجائحة، وجعل اللقاح ميسوراً ومتاحاً بنطاق أوسع في الدول النامية، كما ستنفذ الصين إستراتيجية الانفتاح القائمة على أساس المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، كذلك ستواصل تطوير العلوم والتكنولوجيا والابتكار وتطبيق إستراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار بثبات، وستسعى إلى تعزيز التواصل والتعاون الدولي في العلوم والتكنولوجيا بأفكار وخطوات أكثر انفتاحاً، وستواصل العمل على إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، والعمل على تسوية الخلافات عبر الحوار وحلّ النزاعات عبر المفاوضات، وتطوير علاقات الصداقة والتعاون مع دول العالم على أساس المساواة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.
مع هذه العناوين الكبرى التي تطرحها بكين والتي تليق بمكانتها الدولية، وبما أثبتته من جدارة بمعالجة كل التحديات التي واجهتها بدءاً من تحدي «كورونا» ونجاحها بتقديم نموذج للتشاركية الدولية، وليس انتهاء بسيل التشويه الإعلامي بحقها، تقدم الصين أنموذجاً جديداً وحلاً يحتاجه عالم اليوم المتغير والراغب باستعادة قيم العدالة والمساواة واحترام سيادة وخصوصية الدول والشعوب.