الدكتور حسن صعب | كاتب وباحث لبناني
طالب علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني ورئيس البرلمان السابق، اليوم السبت، مجلس صيانة الدستور بتفسير منعه من خوض الانتخابات الرئاسية المقررة يوم الجمعة القادم.
وكان المجلس قد وافق الشهر الماضي على 7 مرشحين فقط لخوض الانتخابات، واستبعد عددا من المرشحين البارزين، ومنهم لاريجاني والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وقال لاريجاني في تغريدة على تويتر قبل ساعات من آخر مناظرة رئاسية “أحث مجلس صيانة الدستور الموقّر على أن يقدّم، رسمياً وعلناً، وبشفافية، جميع الأسباب التي أدّت إلى استبعادي”، خصوصاً بعد اتضاح عدم صحة التقارير التي قدّمت عنه وعن عائلته للمجلس.
لقد شكّل استبعاد لاريجاني، المستشار الحالي للإمام الخامنئي وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، والرئيس السابق لمجلس الشورى لثلاث دورات، مفاجأة للمراقبين داخل وخارج البلاد، كونه يعدّ شخصية مرموقة ووسطية،ومن المقرّبين لرأس القيادة الإيرانية.
ويقدّر مراقبون أن رفض ترشيح لاريجاني يعود لرغبة الحرس الثوري، “المهيمن” على سياسات وتوجهات إيران الكبرى ،في تجيير أكبر كتلة من الأصوات لضمان فوز المرشح المحسوب على التيار المحافظ، إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية حالياً.
ورغم عدم وجود منافسة جدية من قبل المرشحين الآخرين، إلا أن قيادة الحرس تفضّل أن يكون فوز رئيسي كبيراً وواضحاً،وبما يمهّد لخلافة سلسة من قبله، شعبياً وسياسياً، للإمام الخامنئي، الذي صار متقدّماً في السن، ويعاني من مشاكل صحيّة.
وهناك تفسيرات أخرى لإقصاء لاريجاني، ترتبط بعائلته(ابنة شقيقه صادق لاريجاني تحديدًا)، التي صدرت تقارير كثيرة بشأنها قبل أعوام، حول ارتباطها بالمخابرات البريطانية،ما أدى في النهاية إلى اعتقالها وإبعاد والدها عن منصبه كرئيس للسلطة القضائية.
هذا بالإضافة إلى اعتبارات معينة لم يتم الكشف عنها، وتتعلق بالوضع الصحي والنفسي ل لاريجاني، كما غيره من المرشحين المرفوضين؛ إلى علاقة لاريجاني الجيدة بالرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني ،طيلة فترتي حكمه، وهو المحسوب منذ البداية على التيار الإصلاحي.
ومعروف أن سياسات روحاني الداخلية والخارجية تلقى معارضة سياسية جدية من قبل التيار المحافظ، ومن قبل الحرس الثوري بالخصوص، وتحديداً فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وما تلاه من عقوبات أمريكية قاسية ضد إيران، في عهد دونالد ترامب ،الذي ألغى التزامات بلاده حيال إيران، بل وهدّدها بالحرب مراراً وتكراراً.
واستطراداً ،يرى مراقبون أن التيار المحافظ، وفي ظل التحولات الداخلية والدولية الأخيرة، بات يرى نفسه في موقع أقوى، وخاصة بعد تقدم محور المقاومة الذي تقوده إيران في المنطقة ،وتوقيع الاتفاقية الاستراتيجية الشاملة مع الصين،وتطوّر العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، وأن المرشح رئيسي هو رجل المرحلة المقبلة، والتي يجب أن تشهد تغييرات اقتصادية واجتماعية ترضي الشعب الإيراني،المستاء من تدهور الأوضاع في البلاد، وتستثمر النجاحات التي تحققت خلال الأعوام الأخيرة ،داخل وخارج إيران، في مختلف المجالات.
من ناحية أخرى، يفضّل المحافظون أن يحصل انسجام أو تكامل بين رأسي القيادة في إيران؛ المرشد الأعلى ورئيس الجمهورية، حتى لا تتكرر تجربة حسن روحاني أو أحمدي نجاد أو محمد خاتمي،وبما يؤدي إلى إعطاء زخم غير مسبوق لسياسات الحكومة الجديدة،والتي ستنعكس حكماً على أوضاع الشعب الحياتية، كما على اقتصاد البلاد الذي يرزح منذ عقود تحت وطأة العقوبات الغربية والتحديات الداخلية، وأولها تفاقم معضلة الفساد المستشري في أغلب المؤسسات والقطاعات الحيوية في إيران.
إذاً ،وبحسب مراقبين للشؤون الإيرانية، لم يكن قرار رفض لاريجاني وغيره من المرشحين قراراً متسرعاً، بل كان قرارًا مدروساً بعناية، ومستنداً إلى اعتبارات دستورية وسياسية وموضوعية؛ولم يشكّل موقف المرشد الخامنئي نقضاً لهذا القرار،كما أوحت بعض التقارير، بل تبنياً ملطّفاً له، من أجل حث الشعب على المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في الثامن عشر من حزيران الجاري ،مع عدم كسر قرار مجلس صيانة الدستور، الذي أكد في بيان له على صدقية قراراته وحياديتها.
وتبقى الكلمة الفصل للإيرانيين، الذين يراهن القادة الغربيون كثيراً على انخفاض نسب مشاركتهم في الانتخابات، لإفقاد الرئيس المقبل أي مصداقية أو فاعلية في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ،وفي مقدمتها إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية، وإنعاش الاقتصاد الإيراني،ومكافحة الفساد.
وأخيراً ،لا يمكن القول بأن إبعاد لاريجاني كان يهدف لإلغاء أي منافسة جدية للمرشح رئيسي،لأن الأخير حصل على أكثر من 17 مليون صوت بمواجهة روحاني قبل ثمانية أعوام، وكانت حصة لاريجاني حينها أدنى من حصة غيره من المرشحين بكثير!