قبائل ترفع اعلام دول وتتاجر بفلسطين !
باسم داغر | كاتب مقيم في بريطانيا .
لم تنشأ و تتطور المشيخات الخليجية والرجعيات العربية في سياق صيرورة تاريخية طبيعية بل تكونت عبر هندسة قبلية جيوسياسية قام بها الاستعمار البريطاني في سياق سيطرته على المنطقة العربية الى جانب انشاء كيان استعماري في فلسطين لضمان مصالحه وادامة سيطرته.
اذ ان ما يجري اليوم من تسارع و تهافت دويلات الخليج و الرجعيات العربية كالمغرب و السودان في التطبيع مع الكيان الصهيوني عبارة عن حلقة في سلسلة حلقات طويلة من خذلان الشعب الفلسطيني والتآمر عليه ويعبر عن طبيعة واستمرارية الدور الوظيفي التاريخي التي تأسست عليه وانشأت لاجله تلك المشيخات اذ يتضح جليا ان ما يحصل اليوم مرتبط بالامس.
فقط للبعض كان واضحا منذ البداية طبيعة العلاقة التبعية للاستعمار وموافقة و انسجام معظم زعماء قبائل شبه الجزيرة العربية في مع اتفاقية سايكس- بيكو عام ١٩١٦ ووعد بلفور عام ١٩١٧ حيث لعبوا دورا مبكرا و حاسما في اجهاض ثورة الشعب الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني عام ١٩٣٦ مما ساعد في استمرارية المشروع الصهيوني الاستعماري (هجرة المستعمرين وسلب الأراضي) في فلسطين.
كماتسببت هزيمة بعض الجيوش العربية امام القوات الاسرائيلية عام ١٩٤٨ بنكبة الشعب الفلسطيني بعد ان فشلت في (ازالة آثار العدوان) و تثبيت قرار التقسيم وبدلا من العمل على تحرير فلسطين خسر العرب ما تبقى منها في تكرار لهزيمتهم عام 1967 ليجد الشعب الفلسطيني نفسه بين المطرقة الاسرائيلية وسندان الرجعيات العربية.
كل هذا يحصل نتيجة اكتشاف (عبر المستشارين منذ نصف قرن) حقيقة ان هذه القبائل التي رفعت اعلام دول تعوم على بحور من النفط و الغاز و انها ستتحول الى مركز جذب اقتصادي و سياسي عالميين و سيكون لها تأثير في مسارات الاحداث الإقليمية ولكن ليس كدول تعمل لصالح شعوبها وإنما لخدمة العائلات الحاكمة و القوى التي تحميها .
ففي حرب تشرين/ اكتوبر عام١٩٧٣ طالبت الدول العربية ( العراق و ليبيا ) وقف تصدير النفط لحلفاء اسرائيل لكن فيصل الملك السعودي آنذاك رفض الالتزام بالأمر الا متأخرا مما ادى الى ارتفاع حاد في اسعار النفط نتج عنه تراكم هائل للثروات لدى الدول المصدرة للنفط ( كانت امريكا المستفيدالاول ) بسبب انحسار النفوذ البريطاني بعد الحرب العالمية ( و خصوصا بعد العدوان الثلاثي على مصر ١٩٥٦ ) و الذى ادى الى انتقال مشيخات الخليج من الحضانة و الرعاية البريطانية الى التبعية والوصاية الامريكية وتطور وتوسع دورهم في اطار الاستراتيجية الامريكية في المنطقة العربية و التي على راس اولوياتها الحفاظ على (امن) اسرائيل وضمان تفوقها العسكري والاقليمي و قبولها في المحيط العربي بعد تفكيكه واضعافه .
لاجل ذلك قامت السعودية بالتصدي لمشروع جمال عبد الناصر الوحدوي وثورة اليمن الجنوبي وثورة ظفار في عمان و من اراضيها انطلقت الجيوش الاميركية والغربية لاحتلال العراق كما ساندت الحرب على سوريا وليبيا ولا تزال تحارب اليمن وأغرقت مصر و لبنان في ازمات داخلية متواصلة كما قطعت المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية لفترة طويلة لمحاولة اجبارها القبول بـ “صفقة القرن” (التي اعلن عنها في يناير ٢٠٢٠ من قبل ترامب).
ان تقوية هذه المشيخات جاء للترويج ولدفع مخططات تم العمل عليها. فبعد ان تم اضعاف الدول المركزية العربية مصر والعراق وسوريا لصالح اسرائيل و الذي ادى الى تراجع منظمة التحريرالفلسطينية، وخصوصا بعد اتفاقية اوسلو عام ١٩٩٣برزت مشيخة قطر التي تمت هندسة دورها كلاعب اقليمي جديد اعتمادا على ثرواتها المالية الطائلة واقامة ذراع علامي لها ( قناة الجزيرة) لتأخذفرصتها في التخريب و التدمير.
فكيف يمكن تفسير انتقال الفلسطيني عزمي بشارة العضو السابق في الكنيست الصهيوني الى قطر ليصبح احد المشرفين على القناة مع جماعات اخرى اغلبهم مستشارون اسرائيليون وامريكيون الا لكي تبدأ القناة مرحلة جديدة تقوم على انتاج وعي “عربي” زائف و السماح للاسرائيليين عبر القناة بنشر اكاذيبهم و تزييف الحقائق و تبرير جرائمهم ضد الفلسطينيين و العرب لخلق تضارب قيمي ومعرفي لتمرير مشروع التطبيع الناعم وهذه عمليات سياسية كانت قد بدأت منذ قرن؟
و في العام ١٩٩٦ طلبت قطر من امريكا انشاء قاعدة العديد العسكرية على اراضيها و التي كلفت الخزينة القطرية مليار دولار وبعد ذلك بعام افتتح مكتب (تجاري ) اسرائيلي في قطر و استقبل رئيس وزراء الاحتلال انذاك شمعون بيريس بعزف النشيد ( الوطني) الاسرائيلي و رفع الاعلام الاسرائيلية في الدوحة، ليتم بعد ذلك اعادة رسم سياسات اعلامية جديدة لقناة الجزيرة لتتلائم مع مخططات انشاء اقطاعيات سياسية في الجغرافيا العربية (الشرق الاوسط الجديد ) الذي طرحه شمعون بيريس ومن قبله المستشرق البريطاني الصهيوني “برنارد لويس “.
لذلك دعمت قطر بقوة الانقسام الفلسطيني عام٢٠٠٧ الذي كاد ان يؤدي الى الانفصال و قيام دويلة (امارة اسلامية) غزة الحمساوية لتصفية القضية الفلسطينية. وامتد “النشاط” القطري السلبي الى الجزء الفلسطيني المحتل عام 48 لاضعاف القوى الوطنية والتقدمية الفلسطينية التي تناضل ضد الاحتلال والعنصرية الصهيونية من خلال دعمها لقوى سياسية دينية رجعية تريد حرف الصراع نحو قضايا دينية ثانوية.
كما تحالفت و دعمت الحركات الاسلاموية التي راهنت عليها ادارة الرئيس أوباما من خلال عمليات تدمير ممنهجة للدول العربية سميت بـ ” الربيع العربي” لعبت فيها قناة الجزيرة الدور الرئيسي مناجل التحول الديمقراطي كما ادعى عزمي بشارة ( لا يوجد في قطر برلمان او احزاب او نقابات اوصحافة حرة ) لماذا لا يطالب بديمقراطية في مشيخة قطر؟
وانفقت هذه المشيخة مئات المليارات من الدولارات في حروبها ضد العرب و بالذات ضد سوريا و دعت الى تطبيق البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يسمح بالتدخل العسكري الامريكي و الغربي ضد سوريا ( وليس ضد اسرائيل ) كما شاركت الطائرات القطرية من خلال الناتو بقصف ليبيا واشعلت الحرب الاهلية فيها و افتعلت ازمات مع دول عربية اخرى لاضعافها مما حقق لاسرائيل تفوقا استراتيجيا غير مسبوق على العرب لم تكن لتحلم به.
وكما تفعل قطر ، هكذا تفعل الامارات اذ قامت بالتطبيع الخشن المبتذل و التبعية/ التحالف العسكري الامني السياسي الاقتصادي مع الاحتلال الصهيوني ودعم اقتصاد المستوطنات (قطعت المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية منذ١١عاما ) وتبنيها خطاب المتطرفين الصهاينة و التنكر للحقوق الفلسطينية و قيام بعض قادتها (على سبيل المثال ضاحي خلفان) بالدعوة الى ضم اسرائيل لجامعة الدول العربية والتعهد بحماية إسرائيل واضعاف السلطة الفلسطينية وربما هذا يفسر دعم الامارات الهائل لأسير وشرطي فلسطيني سابق درس العبرية خلال سجنه هو محمد دحلان وتم لاحقا طرده من حركة فتح لجرائم خطيرة نسبت اليه من الحركة الفلسطينية فساهمت الامارات ماليا وسياسيا بانشاء تنظيم سياسي اماراتي /فلسطيني(حركة فتح التيار الاصلاحي) بقيادة دحلان لمحاولة فرضه رئيسا (مستقبليا) على الفلسطينيين بدعم اماراتي اسرائيلي امريكي و هذا ما صرح به السفير الاميركي السابق في إسرائيل (ديفيد فريدمان).
وانسجاما مع اتفاقية “ابراهام”بين مشيخات الاعراب و الدولة العبرية
وربما بتوجيه خارجي اعلن رئيس الحركة الاسلامية الجنوبية في فلسطين منصور عباس دعمه لنتنياهو وقام بوصف الاسرى الفلسطينيين بالمخربين ( لمصلحة من يعمل منصور عباس ؟) .
كما لا يخفى على احد ما تقوم به الامارات من دور استراتيجي خطير في توسيع النفوذ الاسرائيلي في الخليج العربي وخليج عدن وجزيرة سومطرة والصومال بعدما ساهمت في تدمير سوريا و اليمن والسودان وليبيا .
ان استخدام مشيخات الخليج لبعض الأدوات /الوجوه الفلسطينية المستعدة لخدمتها ( لتبرير التطبيع وتشويه النضال الفلسطيني) لا يخفي تبعيتها ودورها التخريبي في المنطقة.
و لم يسجل التاريخ يوما ان هذه المشيخات التي لم تعرف يوما مفهوم الوطن خاضت معارك تحررقومي لا بل كانوا دوما ادوات تابعة للقوى المسيطرة ، واخيرا قاموا برفع شعار (فلسطين ليست قضيتي) وهو شعار صحيح يعبر عن حقائق تاريخية موضوعية فهذه الكيانات و الكيان الصهيوني ولدوا من رحم الاستعمار البريطاني و ما رغباتهم الجامحة بالتطبيع مع الصهاينة الا تعبيرا عن (صلة الرحم ) وحنين للوصل مع الاصل، وان الذي يقتل اخيه و ينقلب على ابيه و ينفيه من اجل السلطة لا يوجد لديه قضية او مبدء في الحياةبل ان وجوده يشكل خطرا على حياة الافراد وحرية الشعوب ٠