لاستعراض المرحلة بين القرار نحتاج الى الكثير من الشرح ، ولكنها باختصار من أسوأ المراحل ومن أسوأ القرارات التي طالت واقعنا العربي ، من القرار 1559 إلى فرض قانون قيصر، والتي استهدفت كما غيرها من القرارات استقرار منطقتنا من جهة ومحاولة الاستمرار في سياسة الهيمنة والإخضاع من جهة أخرى .
عمر معربوني – باحث لبناني في الشؤون السياسية والعسكرية
بالنسبة للقرار 1559 تبدو واضحة نيّة أميركا الضغط لتنفيذ البند المتعلق بسلاح المقاومة واعتباره من وجهة النظر الأميركية “سلاحاً ميليشيوياً” يجب العمل على نزعه والتخلص منه بكل الوسائل والأساليب وعلى رأسها دعوة الدولة اللبنانية لتنفيذ القرار
وهي دعوة تحمل في طياتها مشروع فتنة وصدام داخلي تتوخى أميركا منها إحداث ضغوط إضافية على المستويين السياسي والشعبي لوضع الحزب في وضعية صعبة تزيد بحسب وجهة النظر الأميركية من عزلته وتضييق الدائرة عليه أكثر .
العمل على الدعوة لتنفيذ مضامين القرار 1559 ينطبق على القرار 1701 لجهة تعديله أو إصدار قرار ملحق به يتضمّن الدعوة لنشر قوات دولية على الحدود السورية – اللبنانية وهذه المرّة من نافذة معالجة التهريب وتأثيراته السلبية على الاقتصاد اللبناني وارتباط ذلك برزمة الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي لمنح لبنان قرضاً يساعد في تحسين الوضع الاقتصادي وانتشاله من حالة الانهيار التي دخل فيها.
في التوصيف الأميركي لقانون قيصر تناقض رهيب بين هدف القانون ونتائجه، حيث يطرح الأميركيون القانون على أنه يهدف لحماية المدنيين في سوريا من بطش “النظام” وجرائمه، في حين أنّ المباشرة بتنفيذ مضامينه سيكون لها نتائج سلبية على مستوى معيشة السوريين التي تراجعت بشكل كبير بسبب الحرب والحصار والعقوبات المستمرّة منذ عشر سنوات وتتعاظم يوماً بعد يوم.
الهدف المُعلن لقانون قيصر هو معاقبة الدولة السورية وحليفيها الروسي والإيراني والتضييق لا بل الخنق على كل من يحاول الاستثمار في سورية أو يتعامل معها، وكمثال على طبيعة الضغوط أورد هذه البنود من قانون قيصر الذي سيبدأ تفعيله في حزيران / يونيو القادم:
1- بيع أو تزويد سلع وخدمات وتكنولوجيا ومعلومات هامة، أو تقديم دعم قد يفيد مباشرة وبشكل أساسي في تسهيل صون أو زيادة الإنتاج المحلي السوري من الغاز الطبيعي، أو المنتجات البتروكيميائية أو النفط أو المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري.
2- البيع إلى سوريا أو تزويدها بنفط خام أو مكثفات، أو منتجات نفطية مكررة، أو غاز طبيعي مُسال، أو منتجات بتروكيميائية بقيمة سوقية تبلغ 500 ألف دولار أو يزيد، أو تلك التي تصل قيمتها السوقية الإجمالية مليوني دولار أو يزيد خلال 12 شهرًا.
3- بيع أو تزويد طائرات مدنية أو قطع غيار أو سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أساسية ذات صلة بتشغيل الطائرات أو شركات الخطوط الجوية لأي شخص أجنبي يعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
4- بيع أو تزويد سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أساسية لشخص أجنبي يعمل في مجال الشحن (IV) البحري (بما في ذلك الموانئ ومناطق التجارة الحرة)، أو النقل، أو قطاعات الاتصالات السلكية واللاسلكية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية.
5- للرئيس ترامب أن يفرض على أي شخص أجنبي العقوبات المنصوص عليها إذا رأى أن هذا الشخص تعمّد و بعد تاريخ دخول هذا القانون حيّز التنفيذ تصدير، أو نقل، أو تقديم دعم مالي أو مادي أو تكنولوجي كبير إلى سوريا من شأنه أن يساهم بشكل أساسي في قدرة الحكومة السورية على:
أ – امتلاك أو تطوير أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية أو أي تكنولوجيات أخرى .
ب – امتلاك أو تطوير قدرات باليستية أو صواريخ موجهة (كروز)
ج – امتلاك أو تطوير أسلحة تقليدية متطورة بأعداد وأنواع تقوّض الاستقرار أو امتلاك لوازم دفاعية، أو خدمات دفاعية، أو معلومات دفاعية مهما كان نوعها.
أمام هذا المشهد نستطيع بعملية ربط بسيطة فهم الحملة الإعلامية الشعواء التي تشنّها أدوات أميركا في لبنان والتي تحاول حصر أسباب المشكلة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان بعمليات التهريب التي يُشرف عليها الحزب بحسب الادعاءات والقفز عن سبب المشكلة الرئيسية التي صنعتها أميركا من خلال الحرب المستمرّة على سورية والمنطقة لفرض هيمنتها على مقدرات وثروات المنطقة.
قد يبدو المقطع الأخير خشبياً بنظر البعض وفيه تكرار لمعزوفة المؤامرة التي لا أؤمن بها أصلاً كوننا في صراع مكشوف ومفتوح منذ اكثر من مئة عام تتغير أدواته وآلياته فيما تستمر أهدافه.
وحتى لا نسترسل كثيراً يكفي أن ننظر الى المشهد الذي انطلق متزامناً في لبنان والعراق تحت عنوان محاربة الفساد وهو فساد الوكلاء المحليين الذين نصّبتهم أميركا بينما تبرز الحقيقة التي يتم التعتيم عليها إعلامياً متمثلة كمثال بما طالب به الأميركيون لبنان خلال زيارة بومبيو السنة الماضية والتي يمكن اختصارها بخمسة مطالب واضحة لا لبس فيها:
1- انصياع لبنان لطلبات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لجهة خصخصة وبيع القطاع العام تحت عنوان الإصلاحات المالية والإدارية.
2- العمل المشترك بين لبنان والكيان الصهيوني بما يخص الحقلين 8 و9 للنفط والغاز تحت عنوان ترسيم الحدود البحرية.
3- دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني ومنع عودتهم الى سورية والضغط بهم على الدولة السورية واستخدامهم في استحقاق انتخابات الرئاسة السورية وهو ما تمّ الإعداد له من خلال وضع موازنة تم إقرارها في مؤتمر المانحين – بروكسل والتي بلغت 7 مليارات دولار أميركي لاستخدامها في ترغيب النازحين البقاء في لبنان.
4- توطين الفلسطينيين في لبنان بشكل نهائي لارتباط الأمر بما يتم الإعداد له على مستوى صفقة القرن وعمليات الضّم المنوي تنفيذها في الضفّة الغربية والأغوار وإحداث متغيرات ديموغرافية كبيرة عبر إقامة المزيد من المستوطنات.
5- العمل على تقليص نفوذ حزب الله في لبنان وتنفيذ المزيد من خطط شيطنته وعزله من خلال الحملات الإعلامية وباستغلال الوضع الاقتصادي الذي يتجه الى مزيد من السوء والانهيار .
أمام هذا الواقع يبدو واضحاً مدى صعوبة وقساوة المعركة القادمة التي تندرج ضمن المواجهة المستمرّة، في حين ان التدابير والإجراءات المضادة لسورية ومحور المقاومة ستكون محور بحث آخر وبمقاربة منطلقة من طبيعة الهجمة وأدواتها وآلياتها.