بعد اقتحام مقر الكونغرس في واشنطن الأسبوع الماضي وعدم قبول الرئيس دونالد ترامب بنتائج الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر باتت الحركات اليمينية والشعبوية التي كانت تنظر إلى الرئيس الأمريكي كرمز بالابتعاد عنه. وفي تقرير أعده ستيفن إرلانغر تحت عنوان “الشعبويون الأوروبيون الذي نظروا إلى ترامب ينظرون إلى الجانب الآخر”.وقال في تقريره الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”: “بالنسبة لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا التي اعتبرت هزيمة ترامب الذي اعتبر رمزا للنجاح وداعما قويا لها، سيئة بما فيه الكفاية، ولكن رفضه القبول بالهزيمة والعنف الذي تبع ذلك دمر منظور ظهور قادة على شاكلته في أنحاء القارة الأوروبية”.وقال دومنيك مويزي، المحلل في معهد مونتين في باريس “ما حدث في الكابيتول بعد هزيمة دونالد ترامب كان نذير شؤم على الأحزاب الشعبوية” و “أشار لأمرين: لو انتخبتهم فلن يتركوا السلطة بسهولة ولو انتخبتهم فانظر ماذا يفعلون من إثارة الغضب الشعبي”. وأشار إلى أن اليوم الكامل من الشغب والموت بعدما اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول كان بمثابة تحذيرا لدول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا بشأن التقليل من قدر الغضب الشعبوي واستشراء نظريات المؤامرة الذي يستهدف الديمقراطيات الغربية. وترى هيذر غراب، مديرة معهد سياسة المجتمع المفتوح الأوروبي في بروكسل أن الإضطرابات كشفت عن أن دليل عمل الحركات الشعبوية يقوم على معادلة “نحن ضد الأخر ويقود إلى العنف”. و “لكن من المهم أن نظهر إلى أين تقود الشعبوية وكيف تلعب بالنار”، مضيفة ” عندما تقوم بإثارة أنصارك بجدل سياسي حول فكرة نحن ضد هم، فهم لم يعودوا معارضين بل أعداء يجب قتالهم بكل الوسائل. وفي كلا الحالتين يقود إلى العنف ويجعل من التنازل عن السلطة مستحيلا”.وترى الصحيفة أن مدى التهديد الذي شعرت به الأحزاب اليمينية في أوروبا من الأحداث الأمريكية يمكن رؤيته من ردة فعلها: وقام كل حزب بعد الآخر بإبعاد نفسه عن الأحداث أو التزم بالصمت.ففي فرنسا، يتوقع قيام زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان بمحاولة تتحدى فيها الرئيس إيمانويل ماكرون في انتخابات آذار/مارس 2022. وكانت من الداعمين الأشداء لدونالد ترامب والبريكسيت البريطاني وتبنت موقف الرئيس الأمريكي حول سرقة الانتخابات الرئاسية وتزويرها. ولكنها قالت إن الأحداث في واشنطن “صدمتها” وتراجعت لوبان حيث شجبت “أي فعل من العنف يستهدف تخريب العملية الديمقراطية”.ومثل لوبان قال ماتيو سالفيني زعيم رابطة الشمال المعادية للمهاجرين إن “العنف لن يكون الحل”.وفي هولندا انتقد الزعيم اليميني المتطرف غيرت ويلدرز على الهجوم على المجلس التشريعي الأمريكي. ونشر ويلدرز تغريدة “يجب احترام نتائج الانتخابات سواء ربحت أم خسرت”. واصطف الزعيم اليميني الهولندي المتطرف تييري بودي مع ترامب والحركة المعادية للقاح فيروس كورونا وشكك باستقلالية القضاء و”البرلمان الزائف”. ويواجه مشاكل بسبب تعليقات معادية للسامية تسببت بصدع في حزبه، ولم يكن لديه الكثير لقوله بعد اقتحام الكونغرس. ويواجه اليمين المتطرف في هولندا انتخابات يتوقع حصوله على نسبة 20% من أصوات الناخبين حسب ريم كورتويغ من معهد غليتغديل في هولندا.وفي الوقت الذي هزت أحداث الكونغرس زعماء اليمين المتطرف في أوروبا ومخاوف حدوث عنف في يوم تنصيب الرئيس الجديد جوزيف بايدن في 20 كانون الثاني/يناير إلا أن مظاهر القلق موجودة بين الساسة في الأحزاب الرئيسية والحركات المعادية للنخبة والحكومة في أوروبا خاصة بعد الارتباك الذي أحدثه انتشار فيروس كورونا.وقال جانيس إيمانولوديز، مدير مركز السياسة الأوروبية في بروكسل إنه لا يوجد هناك تيار واحد للشعبوية في أوروبا، فكل الحركات الموجودة لديها سمات مختلفة مرتبطة بكل دولة وتعتبر الأحداث الخارجية عاملا واحدا في شعبيتها المتباينة. وقال إن العامل الأهم الآن هو كوفيد-19 و “لكن ليس من الواضح كيف ستكون السياسة في مرحلة ما بعد الوباء” مضيفا إلى أن الخوف الأسوأ يعمل على تجنب الأسوأ. وقال إن الإستقطاب المثير للدهشة في المجتمعات والعنف في واشنطن يؤدي إلى خلق “ردع للمجتمعات الأخرى” و “نشاهد إلى أين يقود ولهذا نريد تجنبه. ولكننا نعي أن الأمور قد تصل إلى نفس المرحلة وتزيد من مخاطر التصعيد”.ولو انكمش الاقتصاد وحصلت الأحزاب اليمينية على السلطة في كل من فرنسا وإيطاليا فلا أحد يعرف أين ستقع الأزمة المقبلة. وفي بولندا، التي ظلت حكومتها موالية لترامب ولم يعترف التلفزيون الرسمي بهزيمته إلا عندما أقر ترامب بذلك. ويقول رادسلو سيكورسكي، وزير الخارجية والدفاع البولندي السابق ويترأس الآن الوفد البرلماني الأوروبي للعلاقات مع الولايات المتحدة “كان هناك شعور واضح بخيبة أمل الأحزاب اليمينية في وسط أوروبا” و “بالنسبة لهم فالعالم سيكون أكثر يتما”. ووصف الرئيس البولندي أندريه دودا الذي التقى ترامب في حزيران/يونيو 2020 أحداث واشنطن بالشأن الداخلي وقال “تؤمن بولندا بقوة الديمقراطية الأمريكية”. وتجنب رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان التعليق على الشغب “علينا ألا نتدخويونل بما يحدث في أمريكا، وهذا شأن أمريكي ونحن ندعمهم وعلينا الثقة بقدرتهم على حل مشاكلهم”. ويرى سيكورسكي وزير خارجية بولندا السابق والمعارض لحكومة بلاده الحالية أن على أوروبا الإستيقاظ على مخاطر عنف اليمين المتطرف ونظريات المؤامرة و “هناك عنف متطرف أكثر من عنف الجهاديين” و “علينا ألا نفترض أن هذا النوع من الجنون سيختفي لأن لديهم أفكارهم الخاصة. ويجب علينا نزع القفازات وعلى الديمقراطية الليبرالية الدفاع عن نفسها”.ويرى أنريكو ليتا، وزير الخارجية الإيطالي السابق وعميد كلية الشؤون الدولية في جامعة بو بباريس أن ترامب أعطى مصداقية للمواقف المربكة ونهج قادة اليمين في أوروبا ولهذا خروجه من الحكم سيكون مشكلة كبيرة لهم” ثم جاء الشعب حيث أجبر قادة اليمين مثل لوبان وقادة الشعبوية الإيطالية لقطع علاقاتهم مع الأشكال المتطرفة و”فقدوا قدرتهم على التمسك بالغموض بشأن علاقاتهم من المتطرفين على الهوامش.
نيويورك تايمز