في ذكرى حرب 73 التحررية : تشرين جبل الشيخ محى عار النكسة في حزيران 67
مفيد سرحال | كاتب وباحث لبناني
.تشارين بلادنا الماجدة انبعاث مواكب الحمية والمرؤة ،تنتفض من هجعتها لتنقض على الغزاة الصهاينة الطامعين ،وهم يأكلون الثمرة المحرمة،يتسامرون مع الشيطان،ويتساقون كؤوس الدم…
في تشرين التحرير انتفض المارد العربي ،وقذف في قلوبهم الرعب وعلا غبار الهزيمة،وانحسرت ظلال السنوات العجاف،وتوارت أشباح النكسة المروعة في حزيران ،لتبقى سوريا الحبيبة مصانة بالانتصارات وهامات جنود وضباط الجيش العربي السوري البطل العزيزة التي أبت ان تركع ،فالرمال فلذ مدماة، وأشواك العوسج أشلاء حراب،والسفوح الخصيبة صدور مزروعة بالجراح..نعم انتصرت سوريا بفضل عبقرية القائد الاستراتيجي الفذ الرئيس الخالد حافظ الأسد الذي أقام في تشرين التصحيح مصنعا”جديدا للتاريخ لنستأنف به صناعة التاريخ وصناعة الحضارة من جديد في وطن أراده بديع السماء عباءة لسفرائه ومنتجعا لانبيائه واختاره مجلى لجماله ومستقرا لجلاله…
في هذا المقام الجليل
نستذكر حرب تشرين التحريرية التي رفعت رأس الامة العربية وأعادت الثقة الى نفس كل مواطن عربي، وظهر الجندي العربي على حقيقته قويا تواجهه الصعاب فيسحقها،يعشق الموت عزيزا ،ويقتحم المواقع والحصون، ويحطم غرور العدو في السماء وعلى الارض وخلف الجدر والحصون الحصينة كما في مرصد جبل الشيخ… بأيمان وعزم المؤمن بقضيته الكبرى والمؤمن بأمته وعشقه للأرض والوطن وامتدادات تاريخ بلاده المسور بالمجد التليد .
انه تشرين الوعد والعهد ملحمة بطولة وشجاعة وبسالة واقدام اثبت العرب من خلالها اننا امة جديرة بالحياة والنصر على الرغم من المحن العصيبة التي عصفت بنا.
واليوم كما الأمس سورية العصية على المؤامرات ستبقى عز الوطن وعز العرب تستولد هنيهاتها التشرينية المظفرة بوجه اعداء الوطن على يد حافظ العهد السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد المتدثر بالقيم والمبادئ نبراس مسار ومصير، وأصالة الجذور والكرامة الوطنية والقومية،فشمخ باعتزاز الواثق من أفعاله ،القابض على زمانه،المتجلبب بحداثية التفكير،سيد اللحظات الحرجة والمواقف الجريئة..
ها هي سوريا في ظل قيادته الحكيمة الشجاعة تدك انحدارات التآمر من الأقربين والأبعدين وتصنع النصر المبين على أعتى الدول المتغطرسة التي حشدت حقدها وتآمرها وتكفيرييها وذئابها الكاسرة على سوريا قلب العروبة النابض ومركز القرار القومي وعضد المقاومة بغية تغيير سوريا الدور والمكانة القومية.
ان الزمن يعيد نفسه والتاريخ يكتب ملاحمه من جديد من رحم تشارين التصحيح والتحرير. فشأ حيثما تشاء لحصادك الحصد ولزرعك النبت سيادة الرئيس بشار الأسد فالخير معقود في نواصيك وابداع الفكر يتجدد مع امانيك العظام ولك مرمح البطولة يضج بوقفات العز .
وبعد.. في ذكرى تشرين التحرير نتوقف عند محطة من محطاته السامقة نحو الشمس المضمخة بمسك الحب وغار العشق ووهج الصيف ومجد السيف.
انها معركة تحرير مرصد جبل الشيخ، الحدث الابرز في الحرب والتي ستبقى سيرتها بعرق ابطالها ودم شهدائها لمعة متوهجة في وجدان الامة ودرسا لطلاب الكرامة والتضحية.(معركة جبل الشيخ كما وردت في كتاب حرمون الجبل الشيخ للباحث مفيد سرحال).
((كان الليل منذ بدء الحرب يهبط غريبا على جبل الشيخ ،فالعملاق بثلاثة قوائم،الذي سنامه مرصد يطل على هضبة الجولان،يتلفح بغبش الغروب فعندما تبدأ الشمس بسخب بقايا اشعتها عن ذروته،لقد اضاع وقاره وسكينته،فجأة فتح اخدى عينيه،هو الكهل الحجري المقروص منذ ولد ونظر مجفلا في ما حوله،عرف القادمين ،ابناءه القدامى وعلى طريقته الصامتة،بنسمات عذبة،رحب بعودتهم الى ذروته،لكنه لم يفهم سببا لهذا الرعد المتواصل وليس من غيم في السماء.))
هذه الكلمات دونها احد ضباط الجيش العربي السوري في يومياته أثناء حرب تشرين التحريرية عام 1973,وكان في عداد القوة التي شاركت في الانزال الرأسي على مرصد جبل الشيخ،احد أضخم المعاقل العسكرية المتقدمة والمحصنة تحصينا” شبيها بتحصينات القلاع على غرار قلعة نافرون الشهيرة.
وقد وصف الضابط السوري في يومياته المرصد بعد تحريره في معركة ضارية على انه قلعة حقيقية،مقلوبة في الارض ،منيعة جدا،مشادة بالأسمنت المسلح على آخر طراز للحصون الحربية التي عرفها العصر.ولو قدر لفن الهندسة ان يستخرج هذه القلعة الى ظاهر الأرض لارتفعت الى علو ثمانية طوابق…
ويتابع الضابط السوري في يومياته:ان المرصد يشرف على الجولان والاراضي العربية المحيطة مرجحا ان مهمته العسكرية تقوم على بث موجات مغناطيسية لتدمير القذائف الموجهة او حرفها عن اتجاهها…وان الاستطلاع قبل اندلاع حرب73 ،دل على وجود أربعة مراكز من هذا النوع هذا أحدها والثلاثة الباقية في صفد وتل الفرس وتل ابو الندى،مشيرا الى ان الاجهزة المعقدة واللوحات الالكترونية وآلات التسجيل والتصوير في الطوابق السفلى للمرصد تدل على اهميته القصوى في مجال التنصت والتشويش والمراقبة والرصد.))
ان احتلال مرصد جبل الشيخ على يد القوات الخاصة السورية التي انزلت بطوافات على قمة الجبل الساعة 2,55 واستمرت المعركة 45 دقيقة كانت اولى المفاجآت السورية للصهاينة من حيث مكان الهدف وسرعة التنفيذ ودليل هذه الكارثة التي اصابت قوات العدو الصهيوني انه لم يتجرأ على اعلان سقوط المرصد الا بعد مضي عشرة ايام على القتال، لانه يعتبر عين اسرائيل الالكترونية.)) ان سقوط قمم جبل الشيخ والمرصد على وجه التحديد ساعد على اعطاء مزية كبيرة لتوجيه وتصحيح رمي المدفعية ما جعل القيادة الاسرائيلية مصابة بالعمى بعد شل قدرتها الاستطلاعية للجبهة المتصلة بين الجولان وحرمون بطول 70 كلم وعرض 20 كلم وهذا ما ساهم بتهاوي خط آلون الدفاعي في الجولان وتدفق الدبابات السورية باتجاه الحولة.))
أحد أبطال حرب تشرين التحريرية،حامل وسام بطل الجمهورية العربية السورية العميد نايف العاقل والذي كان له شرف انزال العلم الاسرائيلي عن مرصد جبل الشيخ في السادس من تشرين 1973 يقول:كنا نتدرب قبل الحرب بثلاثة أشهر على عملية اقتحام لقلعة في اللاذقية وهذه القلعة مشابهة للمرصد دون ان نعلم اننا سننفذ مثل هذه العملية في المستقبل القريب وفي يوم الخامس من تشرين الاول تم تجميع كتيبة المظلات في منطقة تبعد حوالى عشرين كلم عن المرصد المخطط له،وحضر قائد القوات الخاصة ليلا واجتمع بقائد كتيبتنا نحن الضباط وأصدر الامر بأن عمليتنا هي تحرير مرصد جبل الشيخ غدا دون تحديد ساعة الصفر وقام بتزويدنا بالمعنويات العالية والتوجيهات التي ارسلها لنا الرفيق الخالد حافظ الأسد والتي أثلجت صدورنا وجعلت الحماس في قلوبنا بلا حدود….الساعة الثانية عشرة ظهرا في السادس من تشرين الاول 1973 ابلغنا ان ساعة الصفر الثانية ظهرا والاشارة قصف طائراتنا ومدفعيتنا وسرية الصواريخ للمرصد وتقدمنا بشوق للشهادة او النصر بعد توقف القصف واقتربنا بسرعة قياسية من المرصد بمجموعات التحام لنشاهد قلعة محصنة جدا ومنيعة وبدأت المواجهة… العدو يرمي علينا من داخل المرصد بالتزامن مع قصف عنيف من مدفعية العدو المتموضعة في جبل الروس في الاراضي اللبنانية فسقط لنا ثلاثة شهداء وخمسة جرحى من بينهم الملازم اول جاسم الصالح وكانت اصابته في كتفه وهو قائد المحموعة التي كانت تتقدم مجموعتي…فتقدمت ومجموعتي بأقصى سرعة نحو الهدف وتبعني النقيب محمد الخير ومجموعته وتمكنا من اختراق المرصد رغم زخات الرمي الكثيفة علينا وسط صيحات رجالنا الابطال وشاهدت العلم الاسرائيلي يرفرف على الضلع الأيمن للمرصد في الاتجاه الشمالي الشرقي فجعلته هدفي وقررت انزاله وكانت ساريته تتوضع على مرتفع بعلو ثلاث درجات وفوجئت ان احد مقاتلينا سقط تحت السارية وكان يريد انزال العلم وهو احد عناصر المجموعة الانتحارية التي انزلته احدى حواماتنا وتمكنت من قطع الحبل وانزال العلم الاسرائيلي بعد قتال ضار ومواحهات بالسلاح الابيض مع جيش العدو المذعور من بسالة وجسارة جنودنا وهذا شعور لن انساه ما حييت…وبدأت صيحات النصر والتهليل…وعلمنا ان جهودنا وما تحمله صدورنا من عزة وكرامة تعلمناها من وطننا الحبيب ومن قائدنا الخالد جعلت قواتنا الخاصة تحقق هذا النصر وهذا اثبات للتاريخ بأن الاصرار والنضال يعطي هذه النتائج..
باختصار هذا الانتصار محى فيه تشرين حرمون عار النكسة في حزيران .
لتبقى معركة مرصد جبل الشيخ المظفرة محفورة في عمق وجدان شعبنا كونها الارادة التي لا تهزم والتصميم على النصر كسلاح أمضى كما ملحمة تشرين التحريرية حكمة للماضي ودروس للحاضر ورؤى للمستقبل الذي نصنعه بأيدينا.انها ملحمة الجيش العربي السوري البطل جيش عاهد فأوفى وحارب فاستغنى،لا يهاب نيران الوغى،يحمي الحمى من عدو طغى ،ليريه من بسالته صورا لا تنسى،ان له من حب الارض غاية ما يرتجى… كذا تتناسل التشارين وتبقى الأسود أسودا”.