عبد الكافي الصمد | كاتب سياسي
لم يعد ينقص سوى حمل السّلاح ورفعه في وجه الآخرين كي يُعلن لبنان رسمياً خوضه حرباً أهلية جديدة، وهو الذي ما يزال يعاني، إلى الآن، من تداعيات حربه الأهلية السّابقة، 1975 ـ 1990، برغم انقضاء قرابة 3 عقود على نهايتها رسمياً، وهي عقود لم تنجح في إخماد الجمر المختبىء تحت الرماد، والذي كان يهدّد في كلّ أزمة بأنّ اندلاع حرب أهلية جديدة هو قاب قوسين أو أدنى.
إرهاصات الحرب الأهلية المقبلة، أو على أقلّ تقدير فوضى أمنية لم يعرفها لبنان منذ أيّام الحرب الأهلية المشؤومة، بدأت تتضح للعيان في أكثر من منطقة لبنانية، وتنذر أنّ الأيّام المقبلة ستكون قاتمة إذا ما استمرت الأوضاع في التدهور على المنوال ذاته، من التفلّت والفوضى وغياب سلطة الدولة وسيادة القانون.
من هذه المؤشّرات المقلقة الصور التي تناقلتها مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، قيام أشخاص ملثمين بالتدقيق في هويات المارّة في بعض المناطق، ما أعاد إلى الذاكرة أيّاماً سوداء من صفحات الحرب الأهلية التي انتشر فيها القتل على الهوية، بلا أيّ وازع أو رادع.
ومن هذه المؤشّرات أيضاً، قيام بعض الأشخاص بوضع جدران من الخفّان والباطون على تخوم مناطق معينة، ما فُسّر على أنّه دعوات ملتبسة ومشبوهة للتوجّه نحو الأمن الذاتي وإسقاط هيبة الدولة، تمهيداً لفيديرالية ما أو مشروع تقسيم معين ما يزال يعشش منذ أيّام الحرب الأهلية في رؤوس بعض المصابين بمرض الإنعزال والتقوقع.
في موازاة ذلك، فإن انتشار أعمال السرقة والتعدّيات والتشبيح على مختلف المواطنين وممتلكاتهم وعلى المحال التجارية والمؤسّسات العامّة والخاصة، على نطاق واسع في الآونة الأخيرة، وغياب الإستقرار الأمني عن أغلب المناطق اللبنانية، أعطى مؤشّرات مقلقة عما ستحمله الأيّام المقبلة من تراجع دراماتيكي في هذا المجال، إذ بات لا يخلو يوم من أخبار سرقة واعتداء وسلب.
كلّ ذلك يأتي في ظلّ انهيار مالي واقتصادي أدّى إلى تراجع تاريخي لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وهو لامس مؤخّراً حدود الـ11 ألف ليرة، وسط توقعات متشائمة بأن يستمر الإنهيار ويزداد في الأيّام المقبلة، بلا أي أفق يلوح بإمكانية توقف هذا الإنهيار عند حدود معينة، ما جعل السواد الأغلب من اللبنانيين إمّا فقراء أو تحت خط الفقر، تعتاش غالبيتهم ـ العاملة طبعاً ـ على دولارين أو ثلاثة يومياً، فيما نسب البطالة والهجرة ترتفع على نحو بالغ الخطورة، وتهدّد بانفجار إجتماعي من جهة، وإفراغ البلد من طاقاته ونخبه وعقوله من جهة أخرى.
هذه الأزمات التي جعلت البلد ينهار ووضعته على حافة حرب أهلية، يعود سببه الأوّل والرئيسي إلى فساد الطبقة السّياسية واهتراء النّظام السّياسي، وانقسام أهل السلطة على أنفسهم، وصراعاتهم التي لا تنتهي على مصالحهم الضيقة، وارتهانهم للخارج، وتدخّل الخارج في شؤون لبنان الداخلية لتحقيق مصالحه فيه، ما عطّل ـ منذ سنوات وعقود ـ قيام حقيقي للدولة، ووضعته عند مفترق كلّ أزمة على أبواب حرب أهلية، كما هو حاصل اليوم.