عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب
قد يبدو العنوان نوعاً من المبالغة بعد قرائته من قبل البعض وقد يبدو مفهوماً وعادياً من قبل البعض الآخر لارتباط الأمر بطبيعة اصطفاف الفئات المختلفة من المحللين وانعكاس تحليلاتهم على العامّة إضافة الى الإختلاف الجذري بين مسوّقي البروباغندا والمحللين ذوي النزعة العلمية الموضوعية في مقاربة الأحداث والخروج بخلاصات واقعية تعكس الواقع لا الرغبات .
قبل الخوض في مقاربة الوضع اللبناني لا بدّ من تثبيت بعض العناوين التي باتت مفاعيل حاكمة في الإقليم والعالم والتي لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن أي بلد وتحديداً في دول غرب آسيا ولبنان منها .
في العنوان الأول :
شكّل الانسحاب الأميركي من أفغانستان ضربة كبيرة لسياسة الهيمنة الأميركية وهو ما اكّده كبار القادة السياسيين والعسكريين في اميركا وبات هذا الانسحاب في التوصيف تحولاً كبيراً لدرجة ان رئيس اركان الجيوش الأميركية في سياق توصيف الانسحاب الأميركي من أفغانستان اوجز فقال : كان انسحاباً ناجحاً في الجانب التكتيكي لكنه كان هزيمة استراتيجية كبرى فها هو العدو الذي ذهبنا لقتاله واخضاعه منذ 20 سنة يعود الى الحكم ويبسط سيطرته من جديد .
اذن يصح القول في تعريف الواقع الحالي توصيفاً وتأريخاً انه بات ما يمكن القول فيه ما قبل انسحاب اميركا من أفغانستان وما بعد الانسحاب .
وما يهمنا حالياً هو متابعة مفاعيل ما بعد الانسحاب وانعكاس ذلك على المنطقة بشكل عام ولبنان بشكل خاص .
في العنوان الثاني :
دخول المنطقة مرحلة التهاوي التدريجي المتسارع للهيمنة الأميركية ودخول فلول المتعاملين مع الأميركي مرحلة الإحباط والإنهيار الإدراكي الذي يسبق في الجانب العسكري الإنهيار العسكري وفي الجانب السياسي الإنهيار النفسي والبدء بالتفتيش عن ملاذات يتجه فيها البعض من هذه الفلول نحو عقد تسويات مع المنتصر والبعض الآخر الى المسارعة في انقاذ نفسه ومكتسباته عبر اللجوء الى الهروب حيث يمكنهم النجاة بأنفسهم ، في حين ان فئة ثالثة تبقى مصرّة على اعتماد وتائر معينة من الإعتراض تحت سقف عناوين غير مجدية تكون اقرب الى السوريالية منها الى الواقعية المرتبطة بالتحولات .
والجدير هنا التذكيربأن التهاوي المتتالي المتسارع للهيمنة الأميركية لم يأتِ من الفراغ بل جاء نتيجة مقاومة مستمرة بدأت في العام 1952 مع ظهور حركة الضباط الأحرار في مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر وصولاً الى المقاومتين اللبنانية والفلسطينية برعاية ومشاركة سورية – إيرانية وفيما بعد روسية ، مع التأكيد ان نتائج المقاومة على مدة 70 عاماً انتجت إضافة الى النتائج الحالية بما يرتبط بتهاوي الهيمنة الأميركية عامل تحفيز لروسيا التي وصلت قبل 20 عاماً الى مرحلة الإنكفاء نحو هوامش التأثير في حين انها الآن استعادت مع التنين الصيني قدرات التأثير في السياسة والإقتصاد العالمي وهو ما كان يمكن ان يحدث لولا صمود سورية بشكل أساسي .
في العنوان الثالث وهو عنوان مستقبلي في المدى المنظور والمتوسط :
سورية سيدة جغرافيا المنطقة وهو عامل نتاج صمود 11 سنة من المواجهة وتخطي سورية مرحلة المعارك الكبرى ودخولها في مرحلة النصر الناجز بعد ان ان انجز الجيش العربي السوري والى جانبه حزب الله والقوات الرديفة المختلفة انتصارات كبيرة كان على رأسها تحرير الأحياء الشرقية في مدينة حلب التي اسّست للتحول الجيوسياسي الأهم الذي اجبر اردوغان للذهاب الى مفاوضات استانا 1 وفيما بعد الى مفاوضات سوتشي ومن ثم دخول الجيش العربي السوري مجدداً مرحلة الهجمات الإستراتيجية في اتجاهات البادية المختلفة وتحرير الغوطتين الشرقية والغربية والجنوب السوري الذي يدخل هذه الأيام مرحلة التنظيف النهائية من فلول العصابات الإرهابية .
الى جانب انتصار سورية شهدنا ونشهد تنامياً استثنائياً لقدرات المقاومة الفلسطينية وتثبيتها عبر المواجهة المستمرة معادلات الردع التي باتت مصدر قلق وذعر لقادة وشعب الكيان الصهيوني .
وكما في سورية وفلسطين فإن ما يحصل في اليمن لا يقل أهمية في تداعياته لجهة انتقال الجيش اليمني واللجان الشعبية من مرحلة الدفاع المعقد الى مرحلة الهجوم الإستراتيجي سواء عبر استهداف العمق السعودي العسكري والإقتصادي او عبر التقدم المتسارع على الأرض وتحرير المزيد من الجغرافيا الحيوية مقابل انهيارات متسارعة لقوى الهجمة على اليمن .
ويبقى ان لبنان المنقسم كما العراق في البعد السياسي سيكون المتأثر الأكبر بهذه التحولات وكا ستكون سورية قلب الجغرافيا الحيوية لمشروع الحزام والطريق من الصين الى المتوسط سيكون لبنان بوابة هذا الطريق الرئيسية على المتوسط وعقدة الربط الشريكة لمرفأ اللاذقية وهو الناتج الطبيعي لدخول لبنان في مجالات حيوية روسية – صينية بشراكة مع فرنسا وهو ما بدأت مقدماته تظهر عبر عقد توتال الفرنسية مع العراق بقيمة 27 مليار دولار او عبر اهتمام فرنسا بمرفأ بيروت والغاز اللبناني بشراكة مع الروس والإيطاليين .
في العنوان الرابع :
اتجاه اميركا لإعادة هيكلة تحالفاتها في المنطقة من الخليج الى تركيا وهو ما يترتب وسيترتب عليه متغيرات كبيرة في شكل المنطقة ووظائف أنظمتها فالتخبط هو سيد الموقف في العلاقات الخليجية – الخليجية بين الممالك والإمارات كانعكاس طبيعي في تفتيش قادة هذه الممالك والإمارات على مكامن تثبيت النفوذ لضمان استمرارية البقاء ولكن بصيغ مختلفة عن الجاري الآن .
كذلك نشاهد اردوغان الذي تحول الى متسوّل سياسي على أبواب واشنطن وموسكو والذي ستتصاعد حماقاته في القريب للضغط على روسيا وايران سواء في ادلب او في أذربيجان وهي حماقات ستكلفه كثيراً اذا لم يتدارك تعقيدات نتائجها ويحسم امره في الدخول بمفاوضات واقعية بعيداً عن النزق العثماني الموتور والخروج من أحلامه الغير قابلة الى التطبيق والإقتناع بان الحل هو في الانتقال من الإشتباك الى التشبيك .
في العنوان الخامس :
لبنان – تشكيل الحكومة ومهامها والخلاصات .
حتى لا اطيل سأختصر مهام الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي والتي جاءت ترجمة وانعكاساً لتفاهمات إقليمية ودولية وداخلية بثلاث مهام أساسية :
- العمل على معالجة الإنهيار ضمن المتاح من الإمكانيات وفي ظل تفاهمات الحد المعقول بين القوى الأساسية المعنية .
- انجاز الانتخابات النيابية والتي اعتقد انها ستتأجل لمدة سنتين في الحد الأدنى مقابل تمديد ولاية رئيس الجمهورية ومجلس النواب في انتظار تبلور طبيعة الإصطفافات في المنطقة .
- انجاز الإنتقال التدريجي لعودة العلاقات مع سورية وهو أمر بدأت مؤشراته تتصاعد سواء بما يرتبط بانتقال اميركا من المواجهة الى المنافسة بعد اعلان السيد حسن نصرالله ابحار الناقلة الأولى او بما يرتبط بمسارعة السفيرة الأميركية لتسهيل عملية استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية وهو امر يسير بسرعة ولا يلقى رضا فلول 14 اذار المختلفة .
خلاصة :
يحتاج هذا الموضوع الى مقاربات واسعة وشرح أوسع ولكن يمكن اختصار الموضوع بالمعتاد عبر التاريخ وهو كتابة المنتصر للوقائع والتحولات .
وأود هنا التذكير بالعروض التي قُدِّمت للرئيس بشار الأسد وكذلك حزب الله بين سنتي 2017 و2018 والتي رُفضت وكان جواب الرئيس بشار الأسد عليها : ” نتكلم بعد انتصار سورية ” .
وها هي سورية على مشارف تحقيق النصر ، وها هي الدول تتوافد دولة بعد دولة ، وها هي الأردن تتحول من شريك في الحرب على سورية الى متعاون وهو ما فعلته الإمارات والبحرين سابقاً وستفعله المملكة السعودية ومصر لاحقاً ولن يكون اردوغان بعيداً عن هذا المسار .
امام كل هذه التحولات يبرز سؤال الى العلن : ماذا بوسع فلول 14 اذار ان تفعل إزاء كل هذه التحولات الجارفة ؟
والجواب جاء في المقدمة ولا بأس من تكراره في الخاتمة .
سيستدير البعض ويعبر عن ندمه وحسن توبته ، ويهرب البعض ناجياً بنفسه وغنائم فساده ، وسيبقى البعض متشدقاً بنظريات لا تتجاوز في طرحها وصداها حناجر مطلقيها .
ولبنان امام انتقال مختلف في السياسة والإقتصاد طوعاً وبرغبة الراغبين في عودة العلاقات مع سورية وهم في جلّهم رعاة فلول 14 آذار .