ارتبط اسم الشهيد سليماني بإسم “القدس” وبالقضية الفلسطينية، فقام بتدريب قادة كبار المقاومة في فلسطين المحتلة، وساهم في تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية سيما بما يتعلق بالقوة العسكرية، واستشهد من أجل الذود عنها.
وكالة مهر للأنباء – نسرين نجم*
على مدى سنوات طوال شكل اسم الشهيد القائد قاسم سليماني قلقاً للغرب، فلقبته الصحافة الغربية تارة بـ “قائد الظل” وتارة أخرى بـ “أخطر رجل”، كل هذا وهو خلف الكواليس “الشبح الاسطورة” فكان ضابط ايقاع الاستراتيجية العسكرية ضد داعش وأميركا والعدو الصهيوني، والقناص البارع الذي أوجع أعداء الأمة، وكان النجم الأول بقلوب وعقول كل الشرفاء الأحرار في العالم.
فمنذ ريعان شبابه آمن بقضية المستضعفين، قضية إظهار الحق على الباطل، ونصرة المضطهدين، فحمل مسؤوليات عديدة الى أن عين “قائداً لفيلق القدس” سنة 1998، وللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الاسلامية يمنح وسام “ذو الفقار” من قبل السيد القائد الخامنئي (دام ظله)، وتذكر ابنة الجنرال سليماني هذه الحادثة أنه بعد حصوله على هذا الوسام الرفيع قال لها: “انا سعيد بحصولي على هذا الوسام ولكن طموحي أكبر من ذلك”، فإستغربت هذا الكلام وسألته عما يطمح إليه؟ فأجابها بأنه يطمح لـ “وسام الشهادة وهو أعظم وأهم وسام بالنسبة له”. وقد ناله برتبة عالية.
أرض الجنوب لا يزال ترابها وأشجارها وسهولها ووديانها تشهد على سمفونية الانتصار التي عزفها سليماني بوجه المحتل الاسرائيلي
لم يعرف الجلوس خلف المكتب، بل إن مكتبه كان في ميادين الجهاد والمقاومة، فها هي تكريت تنشد له أهازيج النصر بعد أن حررها من داعش، لتجاريها البوكمال آخر معاقل التنظيم، وها هي أرض الجنوب لا يزال ترابها وأشجارها وسهولها ووديانها تشهد على سمفونية الانتصار التي عزفها سليماني بوجه المحتل الاسرائيلي، لتعانق روحه الطاهرة الضاحية الجنوبية التي شهدت جولاته الميدانية والعسكرية مع الشهيد القائد عماد مغنية.
ففي كل جبهة من جبهات الجهاد كانت له حكاية، وهذا ما يؤكده سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأن الشهيد سليماني: ” كان شريكاً أساسياً وكاملاً في تحقيق الانتصار بـ 25 أيار عام 2000″، وحتى في انتصار تموز 2006 كان سليماني يردد دائماً على مسامع قادة المقاومة الاسلامية “إما أن أحيا معكم أو أموت معكم”.
ولعل أهم ما كان يُميّزه كانت جرأته وشجاعته التي كانت تسبقه في ساحات القتال، وهنا لا بدّ أن نُذّكر أنه قبيل استشهاد الجنرال بيوم واحد وكأن هناك سِرٌ الهي جعله يلتقي بالسيد نصر الله حتى أن سماحته تفاجأ بزيارة الشهيد القائد الذي كان أحياناً كثيرة تمضي أشهر وأحياناً سنة ليأتي للقاء الأمين العام، فسهرا معاً وصليا معاً، وودعه بحرارة وكأنه ضمنياً كان يعرف بأنه الوداع الأخير، فقد كان يمتلك هذا القائد الفذّ روحانية عالية.
ارتبط اسم الشهيد القائد بإسم “القدس” القضية الأهم بالنسبة إليه والتي كانت الشغل الشاغل لديه، وهو الذي استشهد من أجل الذود عنها، إن قادة كبار المقاومة في فلسطين المحتلة تدربوا على يد سليماني، وقد ساهم في تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية سيما بما يتعلق بالصواريخ “تقريباً لا يوجد في فلسطين صاروخ أو حتى بندقية ليست عليها بصمة سليماني”، كما يذكر أحد قادة المقاومة الفلسطينية، وهو ما أوجد حالة ردع للكيان الصهيوني.
ولا يمكن أن نغفل عن دوره الهام بنقل المواد الأولية عبر أمكنة خاصة لتصنع غزة سلاحها بأنواعه المتعددة، فقد كان الداعم الرئيس لقيادة المقاومة الفلسطينية، فعندما أعلن ترامب” القدس” عاصمة لاسرائيل اتصل بـ “كتائب القسام” و”سرايا القدس” معلناً عن دعم مفتوح لفصائل المقاومة كي تكون والكلام هنا للشهيد الفريق” جاهزة للدفاع عن المسجد الأقصى، وإن كل مقدراتنا وإمكاناتنا تحت تصرفكم في معركة الدفاع عن القدس”.
للشهيد الفريق سليماني صولات وجولات في سوريا جعلت اسمه يدوي كصواريخ باليستية في قلوب الجماعات التكفيرية ومن يقف خلفهم
وهذا ليس بغريب على شخصية استثنائية عاشقة للقضية الفلسطينية أوصت بـ” تصويب البندقية والسلاح والدم والكرامة دفاعاً عن الانسانية والاسلام الذي تختصره فلسطين”. وللشهيد الفريق سليماني صولات وجولات في سوريا جعلت اسمه يدوي كصواريخ باليستية في قلوب الجماعات التكفيرية ومن يقف خلفهم، محققاً نصراً تلو الآخر منذ عملية “عقربا” لدمشق ودرعا والبوكمال وحمص وغيرها من المدن والدساكر التي كانت الشاهد على نضاله ومقاومته وتوجيهاته العملياتية والاستخباراتية، فكان مهندس الانتصارات من دون منازع.
وعلى أثر تمدد داعش في سوريا والعراق عمل على تعزيز “الحشد الشعبي” وتعزيز الجيش السوري والقوى الرديفة لقتال التنظيم الارهابي. ولا ينكر أحد دوره ومساعيه بإدخال روسيا على خط الحرب السورية من باب دعم الرئيس السوري، حيث قام بإنشاء غرف عمليات مشتركة تجمع روسيا ايران سوريا والعراق، ووضع العديد من برامج تطوير وتحديث الأعمال العسكرية والمخابراتية والتسليحية. فقد كان حاضراً شخصياً في معارك حلب والبادية السورية واضعاً نصب عينيه إلحاق الهزيمة بأميركا وأعوانها وهذا ما تحقق بفضل تضحياته ونضاله لإحقاق الحق.
بموازاة ذلك كان متواجداً في العراق للقضاء على داعش فدعم المقاومة هناك لمقاتلتها، وقام بمهمات صعبة وحاسمة عسكرياً كإلحاق الهزيمة بالتنظيم في الموصل وضواحيها، وغيرها من العمليات التي كانت دائماً تزخر بالانتصارات، وتبعاً لمسؤول قوات بدر “هادي العامري” فإنه “لولا سليماني لكانت الحكومة العراقية في المنفى ولما كان هناك وجود للعراق”. مهمات وعمليات وانتصارات نوعية حققها الشهيد الفريق قاسم سليماني تحتاج الى مجلدات لتسطر بطولات. أينما حل كانت هناك حكاية مجد وعزة ونصر. العظماء يصنعون التاريخ والفريق سليماني صنع التاريخ./انتهى/
(*) إعلامية وإختصاصية في علم النفس الإجتماعي