فشل اغتيال الاستحقاق الرئاسي السوري لن يوقف خطط التخريب الأميركي في سوريا
الدكتور نواف ابراهيم | باحث واعلامي مقيم في موسكو
ما زالت واشنطن لا تستطيع أن تصدّق، أو تقتنع بأنّها فقدت السيطرة على تبعات تدخلها الخاطئ في سوريا، والمنطقة ككل.
حاولت الولايات المتحدة الأميركية، بكل ما لديها من إمكانات وقوة وحضور، سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، إقليمياً ودولياً ومن خلال انتشارها في بعض أجزاء الأرض السورية التي تحتلّها، والتي تتوزَّع فيها جيوشها البديلة عن المجموعات الإرهابية المسلّحة.. حاولت، بكل ما لديها، ضرب الاستحاق الرئاسي السوري وتشويهه.
وعلى الرغم من انضمام عدد من دول الإقليم والدول الغربية إلى جوقة التخريب هذه، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، فإن الشعب السوري لم يتأثّر، ولم يتراجع عن ممارسة حقِّه الدستوري، في وقت تمر سوريا في أصعب ظروفها لأسباب كثيرة، منذ عشر سنوات من الحرب الظالمة، والمبنية على الكذب والافتراء، وخصوصاً في ظل الإرهاب الاقتصادي والحصار الخانق ونهب مقدِّراتها وفرض العقوبات عليها من طرف واحد.
عندما يشارك 78% من أبناء الشعب السوري في الاستحقاق الدستوري، فإنه يُثبت للعالم كلّه أنه هو من يقرِّر مصيره، وليس أحداً آخرَ، متجاوزاً كل المضايقات والمعوِّقات الممارَسة ضده، بما فيها شبح “كورونا”، ومثبتاً بلا أدنى شك، على أرض الواقع وأمام العالم كله، أن الثمن الباهظ الذي دفعه، من قتل ودمار وتجويع ودماء، لن يذهب أدراج الرياح، وأن القانون الدولي الذي يجيَّر بصفاقة لتحقيق مصالح ضيِّقة لبعض القوى والدول لن يمر على الشعب السوري مهما يكن. وهذا ما جرى .
يبدو أن على الشعب السوري والدولة السورية الاستمرارَ في تحمُّل وزر ما جرى وما قد يجري، من التخريب ضد سوريا، إلى حين، لأنَّ من الواضح، بحسب معلومات دقيقة وموثَّقة من مصادر، أن الأميركيين سوف يستمرون في فعل كل ما يمكن لتفريغ نتائج الاستحقاق الرئاسي من مضمونه، وخصوصاً بعد الفشل الذريع في إفشال ممارسته. من هنا، فإن الأميركيين، بعد إعطاء توجيهات بشأن إعادة الاتصال بالمجموعات الإرهابية المسلَّحة، والاستعداد للمرحلة القادمة، والتي تحدثنا عنها في مقال سابق، يقومون استكمالاً لهذه التحركات بعمليات تجنيد واسعة للإرهابيين، ومعهم بعض العامّة من الناس، من الفقراء والمَعوزين، مستغلِّين حاجتهم المادية وظروفهم القاسية، والتي تسبَّبت بها الولايات المتحدة ومَن معها، بحصارها الظالم للشعب السوري، وذلك من أجل القيام بعمليات متعددة، منها أمنية، ومنها إعلامية مزيَّفة، وبينها تفجيرات وأعمال تخريبية واغتيالات، ورصدت لهذه الأهداف مبالغ مالية طائلة.
ولهذا السبب، وتحضيراً لهذه المرحلة، ضيَّقت الولايات المتحدة حصارها الاقتصادي على الشعب السوري، لتجويع الناس، وجعلهم في حالة توتّر غير مسيطَر عليها، ليتقاتلوا على لقمة الخبز ويفقدوا الثقة بالدولة، وحتى بقدرة حلفائها على مساندتها، وخصوصاً الحليف الروسي الذي تسعى واشنطن بكل ما لديها من أجل تشويه صورته والتقليل من أهمية الجهود التي يبذلها في كل الميادين لمساندة سورية. وهذا ما شهدناه وسنشهده، على نحو أوسع، على ما يبدو، في الجنوب السوري في محافظة درعا، عبر اعتداءات على مواقع الجيش العربي السوري والمدنيين، واغتيالات، لتأمين الأرضية اللازمة لتعجيز سوريا وحلفائها. ومن هنا، شهدنا كيف أن روسيا حمت ببوارجها العسكرية، منذ فترة وجيزة، سفن النفط الإيرانية المتوجِّهة إلى سوريا، والتي تعرَّضت لقصف من طائرات مسيَّرة في ميناء بانياس. كما شهدنا قيام الأجهزة الأمنية الروسية والسورية برصد تحركات المجموعات الإرهابية المسلَّحة ومحاصرتها والقضاء عليها، وتنظيف المناطق والطرق من العبوات الناسفة، وهو ما أثار جنون واشنطن أكثر.
من هنا، ولزيادة الضغط والمكتسَبات، ووفق المخطَّط، قسَّمت الولايات المتحدة مسار التطبيق إلى عدة جبهات. فعلى الجبهة الإعلامية، أُعطيت الأوامر بالاستمرار في عمليات تشويه الحقائق والضغط المعلوماتي الكاذب في كل الاتجاهات، مع خلط ذلك ببعض الوقائع التي تجبر الرأي العام على الاقتناع بسهولة بما يقدَّم إليه من معلومات وتقارير وأخبار مغلوطة، ضد الدولة السورية وحلفائها، من خلال الارتكاز على الحالة الصعبة والتي يمر فيها هذا الشعب، عبر توسيع العمل في وسائل الإعلام البديل، الذي يؤثّر بصورة كبيرة ومباشِرة، في ظل وجود تغيرات لدى عدد من الدول الإقليمية والعالمية تجاه التعاطي مع الملف السوري بما لا يخدم مصالح الولايات المتحدة.
في الجبهة السياسية يحضّرون لملفات للمحاكمات في محكمة الجنايات الدولية، تحت عناوين “جرائم حرب” وملاحقة كبار المسؤولين السوريين، المدنيين والعسكريين والسياسيين، ورجال أعمال ومؤسسات وكيانات متعددة، وعلى رأسهم الرئيس المنتخَب بشار الأسد. وقد تتعدّاها إلى حلفاء سوريا، وخصوصاً إيران، المقبلة على انتخابات رئاسية قد تؤخّر تأثير المفاوضات في فيينا وغيرها بشأن الملف النووي الإيراني لمصلحة الغرب. والهدف الأساسي من هذه التحركات في هذا الإطار هو الاستمرار في خلق حالة من التوتر والارتباك والاهتزاز داخلياً، وضرب صدقية الاستحقاق الرئاسي، وإضعاف الجبهة الداخلية، التي ما زالت متماسكة بقوة، كما شهدنا، عبر الإقبال على صناديق الاقتراع في سوريا. وهذا ما قد نراه في إيران.
الجبهة الأمنية مضمونها الإيعاز بإيقاف العمليات الإرهابية، على نحو جزئي أو شبه كلي، لوقت ما، و(ما يثبت ذلك عدم القيام بأي أعمال إرهابية وتخريبية كبرى بين جموع الناس الغفيرة، والتي أمّت صناديق الاقتراع)، وإبقاء مهمات العمليات لدول “التحالف”، على أن تقوم المجموعات الإرهابية والمجموعات التجسسية المشكّلة بعمليات استكشاف واسعة في مختلف مناطق سوريا، وتوثيق تحركات الجيش السوري وحلفائه، وتحديد مواقعهم وتجميع معلومات عن الشخصيات المدنية والعسكرية والسياسية وتحركاتها، في المكان والزمان والصورة، في مقابل دفع ملايين الدولارات أحياناً لشخصيات محدَّدة، من المفترض، وفق ما يحضَّر، أن تكون مستهدَفة بعمليات تصفية.
في الجبهة الميدانية، كما ورد أعلاه، في مقال سابق، نستطيع قول التالي: أعطت الولايات المتحدة أوامر مباشِرة لقوات التحالف في التنف بإعادة تحضير ما يُسَمى “مغاوير الثورة” للمرحلة القادمة، وإعادة تجميع عناصرها وتدريبهم وتسليحهم استعدادا لمواجهات قادمة، والتحضير لسيناريو استخدام السلاح الكيميائي في مناطق الشمال السوري، والذي أصبح كمسلسل مكسيكي أو تركي تتغير فيه السيناريوهات والشخصيات والأدوات من وقت إلى آخر، وفق الظروف والغاية المطلوب تحقيقها. وما يثبت ذلك هو تحذير وزارة الخارجية الروسية منذ أيام من مغبة تنفيذ هذا السيناريو في الشمال السوري في منطقة خفض التصعيد في ريف إدلب، من جانب الإرهابيين ومنظمة “الخوذ البيضاء”، الجناح الإنساني المزيَّف للإرهابيين.
في الساحة الدبلوماسية، تقوم واشنطن بالضغط، بكل ما تملك، على دول الإقليم وبعض دول الغرب، لمنع تقاربها مع سوريا، علما بأنها لم تكن تمانع منذ فترة قريبة بذلك، أو على الأقل التزمت الصمت، في ظل تسريبات عن توافق روسي أميركي مبدئي على وضع ترتيب معيَّن بهذا الشأن، من دون أن نفهم على ما كانت تعوِّل عليه واشنطن. القادم، بحسب الظاهر، لا يشي بالهدوء، على الرغم من تأكيد كثيرين من الخبراء أن الأوضاع تحت السيطرة، وأن لا خوف من انفجار في العلاقات الروسية الأميركية، ووقوع مواجهات مباشرة وخطيرة قبيل اللقاء المرتقب بين الرئيسين بوتين وبايدن، إذ نشهد تصعيد واشنطن للتوتر مع روسيا، على حوامل متعددة، منها إعادة تدوير العقوبات، وافتعال أزمة الدبلوماسيين الروس في واشنطن وعدد من دول أوروبا الشرقية، وقضية أوكرانيا، لتتعدّاها إلى بيلاروسيا، وتبعتها تصريحات لمسؤولين روس وأميركيين رفيعي المستوى، تتحدّث عن وصول العلاقات الروسية الأميركية إلى أدنى مستوياتها، وأن كِلا الطرفين يتحضَّر لما هو أسوأ. وإيعازُ الرئيس بوتين للقوات المسلحة الروسية بالاستعداد لأيّ مواجهة قادمة، أكبرُ دليل على كُنه ما يجري. وسبقه اتهام الرئيس بايدين له بـ”القاتل”، الذي تجب محاسبته، وتهديداته لروسيا بتحجيمها وتحجيم تدخلها في شؤون الدول على حدّ زعمه. طبعاً، التنافس الأميركي الروسي ليس جديداً، لكن ما زاد في حدّته وخطورته هو الاعتداءات التي تمارسها الولايات المتحدة ضد روسيا عند حدودها ومحيطها الجيوسياسي، بكل وقاحة، وبغير حق، ومحاولاتُ تهميشها في القضايا الإقليمية والدولية، والضغط عليها من خلال محاولات تدمير حلفائها وضرب مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، كما هي الحال مع سوريا وإيران.
في المقابل، في السياق نفسه، وبالعودة إلى نقطة الطَّرد المركزي في الخلاف الأميركي الروسي في سوريا، شهدنا تحركات وتلميحات عربية ودولية نحو الرغبة في إعادة ترتيب العلاقة بدمشق، كبعض دول الخليج. وكان وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد، تحدّث منذ أيام، وفي حوار خاص مع قناة “الميادين”، عن محاولات واشنطن إفشال هذا التقارب. وامتنع من ذكر أسماء الدول، منعاً لإجهاض هذه المساعي، كما قال.
يأتي هذا كله في إطار مكر واشنطن، التي تعطي بيدٍ وتأخذ بأخرى، أو تضرب بها بغدر بحثاً عن فرصة في التدخل بصورة أكثر دهاءً. وما يمكن تأكيده هنا أن خطط واشنطن خطيرة وسوف تتكشَّف لسبب أو لآخر، خلال الفترة القادمة، وهو ما سيقطع الشك باليقين عن نيّاتها، على الرغم من محاولات إظهار نفسها حمامةَ السلام في العالم. والأكثر من ذلك أن سوريا وحلفاءها على دراية شبه تامّة بما يحضَّر من خُطط شيطانية أميركية غربية صهيونية في سوريا، وأن أدواتها وعناصرها على مرأى من عين سوريا وحلفائها، أمنياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً، الأمر الذي يكفل إفشال هذه المخططات، أوعلى أقل تقدير الحد منها، بما يضمن ردعها وإضعاف تأثيرها إلى أبعد حد ممكن، بالمنطق والواقع اللذين يفضحان زيف الديمقراطيتين الأميركية والغربية. وكانت جموع المواطنين السوريين في الخارج، وتحديداً نحو صناديق الاقتراع، والذين تأخذهم هذه الدول ورقةً مزيَّفةً ضد الدولة السورية، كانت كفيلة بفضح ما تمّ تزويره منذ بداية الحرب بشأن سوريا، والادعاء زوراً أنهم هربوا من بطش الجيش العربي السوري وظلم دولتهم، على حد زعم واشنطن وحلفائها.
في المحصِّلة، تهنئة الرئيس بوتين للرئيس الأسد بفوزه في الانتخابات الرئاسية، كان فيها رسائل كثيرة جداً، وواضحة للشعب السوري ولأعدائه، ومفادها أن روسيا مستمرة في دعم النهوض السوري ومواجهة الإرهاب، حتى تثبيت استقرار الوضع وإعادة الإعمار. وهذا عامل مهم في أن يطمئن الشعب السوري لجهة حلفائه، وليثق بأن وقوفهم معه ومع الدولة ليس مصلحياً بحتاً، ولا موقتاً، بل هو مستدام واستراتيجيّ، وأمر لا يقبل الشكّ.
الميادين نت