فرنجية يوصّف الأزمة: النكّايات وغياب التسويات ورجال الدولة!
عبد الكافي الصمد | كاتب لبناني
وضع رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية إصبعه على الجرح، عندما وصّف الأزمة في لبنان والمآزق التي يعاني منها البلد أبلغ توصيف، بعدما صرّح يوم إمس إثر لقائه في بكركي البطريرك الماروني بشارة الراعي، أنّه “من أساس المشاكل في لبنان أنّنا نعيش على النكايات والكيدية بدل عصر التسويات، فنحن بحاجة إلى رجال دولة أمثال أجدادنا وأهلنا”.
بكلمات قليلة أوجز فرنجية حقيقة الأزمة في لبنان، ولخّصها في ثلاث نقاط: الأولى أنّ البلد يعيش اليوم على النّكايات والكيدية التي هي أساس مشاكله الحاليّة؛ والثّانية أنّ البلد هو أيضاً بلد التسويات التي يثبت تاريخ لبنان منذ نشأته قبل قرن من الزّمن أنّها المدخل الوحيد لحلّ أزماته؛ والثالثة أنّ لبنان يفتقر جدّاً هذه الأيّام إلى رجال دولة، أمثال الآباء والأجداد.
لا يحتاج المرء إلى كبير عناء للتأكّد من ذلك، والأمثلة في هذا المجال لا تعدّ ولا تحصى. آخر المشاكل الحالية التي يعاني منها لبنان يتمثّل في التعقيدات التي رافقت وما تزال ترافق مسألة تأليف الحكومة، وجمود المساعي حولها منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها في 22 تشرين الأوّل العام الماضي، التي تبين بوضوح أنّ النكايات والكيدية هما من أبرز الأسباب التي ما تزال تحول دون ولادة الحكومة، برغم الإنهيار المالي والوضع الإقتصادي والمعيشي الكارثي الذي وصل إليه لبنان.
ويؤكد تاريخ لبنان الحديث أنّ التسويات كانت دائماً المدخل إلى حلّ أزماته المتعددة، بدءاً من اتفاق الطائف في عام 1989، إلى اتفاق الدوحة عام 2008، وكذلك التسويات السّياسية الكثيرة التي جرى التوافق عليها، مثل تشكيل الحكومات المتعاقبة، وقوانين الإنتخابات النيابية، والتعيينات وغيرها، والتي أثبتت الأيّام أن أيّ استحقاق لبناني لا يقوم على تسويات معينة ترضي أغلب الأطراف ولو بالحدّ الأدنى، مصيرها الفشل، وتؤدّي غالباً إذا فرضت بالقوة إلى مشاكل وتعقيدات كثيرة.
أمّا غياب رجال الدولة فهو العنصر الأبرز في مشاكل لبنان الحالية الذي يوافق كثر فرنجية عليه. ولعل أبرز دليل على ذلك التوافق الذي جرى بين الرئيسين الراحلين سليمان فرنجية ورشيد كرامي خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية، وهو توافق جنّب طرابلس وزغرتا ومناطق الشّمال ويلات الحرب التي عانت منها أغلب المناطق في ذلك الحين، بينما كان الشّمال ينعم باستقرار كبير، بفضل وجود رجال دولة كانوا يحرصون على مصالح بلدهم وتقديمها على أي مصلحة أخرى.
كلّ ذلك دفع فرنجية بصراحته المعروفة إلى إبداء مخاوف مبرّرة على مستقبل لبنان، لأنّ الوضع “غير مطمئن” على حدّ قوله، ومعرباً عن أسفه “لعدم تمكّن المسؤولين من اللقاء مع بعضهم البعض والتفاهم”، معتبراً أنّ “هذا الأمر بات يشكل إنجازاً إذا حصل في وقت يجب أن يكون أمراً طبيعياً”، في إشارة منه إلى القطيعة بين الرئيس الحريري من جهة، ورئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيّار الوطني الحرّ جبران باسيل من جهة أخرى.
لكنّ فرنجية الذي دعا “كلّ رجل دولة لديه مسؤولية وطنية إلى التنازل للوصول إلى تسوية”، إنطلاقاً من أنّ “لبنان أكبر من الجميع”، حذّر من أمرين: الأوّل هجرة الشباب “الذين سقطت في نفوسهم المواطنية، وهذا أخطر شيء على لبنان”، والثاني أنّه “في حال الإستمرار على النهج الحالي فإنّه سيكون من الصعب تشكيل الحكومة”، وبما أنّ لا مؤشرات توحي أنّ أحداً بدّل نهجه أو أدخل تعديلات عليه، فإن الأوضاع سائرة، على الأغلب، نحو مصير قاتم.