غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد .
تعيش البلاد أسوأ ظروفها الاقتصادية والمالية في أزمة غير مسبوقة، تتعاقب فصولها، وتوشك أن تتحول الى كارثة اجتماعية شاملة. بينما يصحّ القول في واقع الأداء السياسي ما درج عليه المثل الشعبي: “عرب وين طنبورة وين” و”طنبورة” هنا هي مجموع القوى السياسية، التي تنشغل فعليا بهموم كثيرة ذاتية وبائسة، تتعلق بمكاسبها ومواقعها في السلطة، وتهمل الهمّ المركزي المتعلّق بكيفية إنقاذ البلد وإخراجه من دوامة الانهيار والتآكل. وهي تضيّع بذلك، وعلى هذا المنوال، فرصا نادرة تتيحها التحوّلات المتراكمة في المشرق وفي العالم، والتي توفّر للبنان إمكانات كبيرة، ليس فحسب للخروج من مأزقه، بل كذلك أيضا لبناء عناصر قوة جديدة وشراكات، تتيح له تطوير القدرات والمزايا التفاضلية بما يناسب تطوير الإنتاج الوطني وتحقيق حالة جديدة من النمو والاستقرار الاجتماعي والسياسي.
أولا: تغيب عن أولويات الاهتمام السياسي مجموعة من العناوين والقضايا والمسائل المحورية المتعلقة بسبل الخروج من المأزق والتقاط الفرص. ويمكن لمن يتابع يوميات الأداء الإعلامي والسياسي أن يلمس هذه الحقيقة، التي تجسّد خواءً وتخبطاً كبيرين وعجزاً عن التعامل مع التحديات الواقعية.
إن المسائل المركزية، التي يعكسها الخطاب الإعلامي تغطي هموما وعناوين أكثر من تقليدية، تتصل بتقاسم السلطة ومغانمها، وتكرّر المكرّر من خطب الحصص والعصبيات والتناحر الفارغ على فتات تتيحه مواقع السلطة في دولة تتقلص مواردها، وتعتاش على المساعدات في تأمين نفقاتها الجارية، وبعيدا عن أي تفكير جاد أو إيجابي، ناهيك أن يكون مبدعا أو خلاقا في اقتراح مسارات جديدة للخروج من هذه المحنة.
ثانيا: إن رهان الهبات والمساعدات الدولية والإقليمية عقيم ومجرّب في التعامل مع أزمة انهيار عالية الكلفة والتبعات، يواكبها تجاذب وتنافس على الصعيدين العالمي والإقليمي بين الضواري المتطاحنة، وفي ظل انقلابات وتحوّلات في المشهد الأكبر والأوسع لواقع دولي متغيّر، لا يمكن التعامل معه بالمعايير والأفكار القديمة والتقليدية التي سقطت. وجميع الدول والشعوب الحية تتجه لإبداع تفكير جديد واستنباط مشاريع رؤيوية تناسب مصالحها، وتواكب تلك التحولات العملاقة، التي يُفترض بالعقل السياسي الوطني أن يكون جديرا بمواءمتها والبناء عليها لتحقيق المصالح العليا لكل شعب أو بلد يحمل إرادة واضحة لتحقيق استقراره وتطوّره.
إن الفرص التي تحيط بنا في المنطقة والعالم كثيرة وواعدة، ولكنها تستدعي توافر الإرادة والرؤية والمشروع السياسي في سلطة استقلالية وطنية تحظى بثقة شعبية كبيرة، وتستطيع إبداع الخطط وحشد الموارد والتقاط الفرص. ونحن هنا نتحدث عن الآفاق والتحديات الواقعية، التي تبدأ بالخروج من حلقة الانهيار والتآكل، وتنتهي بمسيرة إعادة البناء الوطني والتعافي التام للبنان، والتقاط الفرص العظيمة المتاحة من حولنا، إذا ما أجدنا استثمار الإمكانات وحشد القدرات واستنهاض الطاقات في مشروع وطني حضاري يليق بالبلد وبأهله وبدوره المستقبلي.
ثالثا: رب قائل إن هذا الخطاب الاستنهاضي في مواجهة التحدي سبق لنا تكراره غير مرة، ولكن ما يدعونا لتأكيده هو أن التعبيرات الإقليمية المتصلة بالفرص الجديدة المتاحة للبنان تتفتّح وتتبلور بقوة مؤخرا، بينما معالم الانهيار الزاحف تنبئنا بكارثة وشيكة، في جميع المجالات، مقبلة على البلد وأهله.
إن الإنقاذ ليس مستحيلا، ومشروع نهوض لبنان والتقاط الفرص الجديدة بمواكبة التحولات الدولية والإقليمية النوعية، هو التحدي، الذي ندعو الى العمل عليه فكريا وثقافيا وسياسيا وإعلاميا، بدلا من المراوحة في المستنقع واجترار الخطابات المكرورة والبائسة في متاهة تقاذف الاتهامات، والتفرّج على البلد يغرق في لجة خراب وتآكل.
المطلوب تفكر جديد ومبادرات بمستوى التقاط الفرص المتاحة بدلا من التخبّط في وحول الماضي السقيم واجترار الوصفات المستهلكة والتافهة لزمن مضى.