نبيه البرجي | كاتب وباحث سياسي لبناني
أكثر بكثير من المواويل الحزينة , أكثر بكثير من المرثيات السومرية , لتلك الأشلاء التي تناثرت على جدران بغداد . لا بد أن قهقهات هولاكو , وهو نبي هذا الزمان , ولعله نبي كل الأزمنة , قد تناهت الى آذانكم …
الكلمة , الصرخة , لم تعد تجدي . لقد بتنا بحاجة الى نبي آخر يعيد الى الاسلام عبقرية الاسلام . بالدرجة الأولى أن يعود الانسان انساناً . لهذا نسأل الله : لماذا تركتنا , ولمن تركتنا , غرقى الدم … غرقى العدم ؟
منذ نحو عقدين , قال لنا المفكر التونسي عبد الوهاب المؤدب , صاحب “داء الاسلام” : “هذا الاسلام الذي أمامنا انما وجد ليقتل المسلمين . هؤلاء المسلمون الذين أمامنا انما وجدوا ليقتلوا الاسلام ” .
اكثر من مرة , استعدنا كيف أن الايديولوجيات , في النصف الأول من القرن العشرين , تحولت الى أديان , وكيف أن الأديان تحولت , في النصف الثاني , الى ايديولوجيات . هنا التدخل المروع بين مفهوم الدولة ومفهوم الدين . ليقل لنا السادة الفقهاء , والسادة الفلاسفة, والسادة المؤرخون , أي امبراطورية , أي دولة , لم تقم على جدلية الدم ؟
رائع ناعوم تشومسكي حين يتحدث عن “تكنولوجيا الدم” في الولايات المتحدة . هاري ترومان , وقبيل دقائق من قنبلة هيروشيما , جثا بخشوع أمام الصليب . قال انه يفعل ذلك لكي لا تزيل البربرية المسيحية من العالم , كما لو أن شعار أدولف هتلر لم يكن الصليب المعقوف . غاتنر غراس كتب “لقد عذّبنا المسيح أكثر مما عذبه بيلاطس البنطي” !
ذاك المشهد الأبوكاليبتي في بغداد (بكاء دجلة) . الذئاب المبرمجة لم تقتل السلاطين , ولا المهراجات , ولا اللصوص . قتلت الباعة على البسطات , وعلى العربات , الذين بالكاد يستطيعون , تحت لهيب الشمس , أو تحت لهيب الصقيع , تأمين القوت لأطفالهم …
الهمجية لم تصل , في يوم من الأيام , الى الحد الذي وصلت اليه في ديار العرب , وفي ديار المسلمين . طبعاً باسم الاسلام , بذلك الاله الوثني الذي , كما لاحظتم , ينهش أرواح , وأجساد , مخلوقاته .
هكا ترعرعنا على ثقافة الكراهية , وعلى ثقافة الاثرة . كيف ناخذ على اليهودي رفض الآخر , وقتل الآخر , حين يكون , لدى المسلمين , الشقيق هو الآخر . قد نقطع رأس الأب , وقد نقطع راس الأم , ما دام ذلك يحملنا الى الحوريات اللواتي ينتظرننا , مضمخات بالمسك والعنبر , عند باب الفردوس …
أي دولة , أي جماعة , في ديارنا لم توغل في أوديسه القتل ؟ بالعين المجردة رأينا كيف كانت تقطع الرؤوس بالفؤوس , في محلة ستاركو , وكيف كان أبوعرب يضع الجماجم عل عربته في محلة شاتيلا , وهو يردد “جماجم للبيع , طناجر للبيع” .
هذا في لبنان الذي أول من عرف كوكو شانيل , وأول من عرف مونتسكيو , في هذه المنطقة , وحيث الكثيرون من حكامها على تخوم القرون الوسطى .
معمر القذافي الذي كان يرى في نفسه”غيفارا العرب” قال في لحظة الحقيقة , وبعد أربعين عاماً من البقاء على العرش , “نحن قبائل” . حتى اللحظة والغون في البداوة ولو امتطينا المركبات الفضائية , ولو رقصنا الروك اند رول , ولو طفنا حول الحجرالأسود …
تنظيم الدولة الاسلامية , بكل أدبياته , وبكل راياته , وبكل لحاه , وبكل سواطيره , هو نحن . الذئب قابع من أيام قايين وهابيل في الخارطة الجينية للعرب . ولا مرة كنا في دولة تعاملت معنا ككائنات بشرية , لا كقهرمانات ولا كقردة. هل تنتظرون منا أن نكون شيئاً آخر ؟
دولنا اشلاء , مجتمعاتنا أشلاء , أزمنتنا اشلاء . التراجيديا , وكما يبشرنا أساقفة الغيب . حتى يوم القيامة . هؤلاء لم يقدموا لنا الله بأسمائه الحسنى , وانما الله الذي يطاردنا كالذباب , والذي أوجدنا لكي يتلهى بتعذيبنا , ثم يأتينا بعذابات القبر كتأشيرة دخول الى جهنم , وحيث النيران الأبدية .
من لا يعلم أي دور تقوم به أجهزة استخبارات غربية , وعربية , في صناعة “داعش” , وفي ادارة “داعش” لنبقى دوماً في رقصة التانغو مع … العدم ؟