عن مقتل الفلسطيني نزار بنات
ثريا عاصي | كاتبة وباحثة لبنانية
يُقال أن عناصر الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية داهمت يوم الخميس 24 حزيران الجاري، بعد منتصف الليل في مدينة الخليل ( المدينة التي يقيم فيها مستوطنون إسرائيليون، ارتكبوا في سنة 1994 مجزرة شنيعة ضد السكان الأصليين ) المنزل الذي كان يبيت فيه نزار بنات متخفياً. فأخرجته من سريره وأشبعته ضرباً إلى أن أغمي عليه، ثم اقتادته في أحدى مركباتها. لم تمض ساعات قليلة قبل أن تعلن إدارة مستشفى في المدينة نبأ وفاته.
يحسن التذكير، بأن نزار بنات اعتقل عدة مرات، لأسباب سياسية، فهو معارض للسلطة في رام الله، وكان ينوي خوض الإنتخابات التشريعية التي كان إجراؤها مقررا في أيار الماضي (جرت الإنتخابات التشريعية الأخيرة في سنة 2006)، ولكن السلطة ارتأت أو على الأرجح أنها أجبرت على إلغائها.
مجمل القول أننا حيال جريمة قتل بشعة، ضرباً حتى الموت، تعرّض لها معارض سياسي، استخدم أدوات التعبير عن الرأي المتوفرة لديه في حدود إمكانياته المتواضعة، كإنسان عادي يعمل حرفياً. لا يملك ثروة ووسيلة إعلامية.
السؤال إذن عما دفع عدداً من العناصر الأمنية (25 عنصرا) التابعة للسلطة الفلسطينية، الى ارتكاب هذه الجريمة البشعة بكل المقاييس، الوطنية والسياسية والإنسانية، كونها ألحقت ضرراً كبيراً بالقضية الفلسطينية، وصادرت حرية التعبير السياسي الضروري للنضال التحريري الوطني من الاستعمار، وحرمت عائلة مكونة من زوجة وخمسة أطفال من معيلها، الذي لم يعتد على أحد، وإنما مارس العمل السياسي إنطلاقاً من مبادئ وطنية إلتزم بها وحاول إشراك غيره في تبنيها.
من البديهي القول أن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، لا سيما أن ما تناهى الى العلم من روايات عن ظروف وقوع الجريمة هي ضعيفة وغامضة ومتناقضة. وما يثير الحيرة أكثر هو صمت السلطة الفلسطينية نفسها. لا بد لنا أيضا، في هذا السياق، من أن نستذكر جرائم شنيعة، مثل جريمة قتل نزار بنات، شهدتها بعض الأقطار العربية، تونس، مصر، ليبيا وسورية، كانت بمثابة الشرارة التي أضرمت النار أو فجّرت برميل البارود. فهل تشعل شرارة الخليل حرباً؟
الرأي عندي أنه ليس صعباً على «السلطة الإسرائيلية» تجنيد عناصر في جهاز الامن الفلسطيني من أجل قتل نزار بنات بطريقة وحشية ومنفرة. فمن المعروف أن هذا الجهاز يعمل بالتنسيق مع «المخابرات الإسرائيلية». وبالتالي ليس مستبعداً أن لا تكون السلطة ضالعة مباشرة في الجريمة، ولكنها مجبرة على السكوت، وان البيانات التافهة التي صدرت عن محافظ الخليل وعن المستشفى لا تعدو «إملاءات إسرائيلية».
تقودنا هذه الفرضية الى التفكر في الأجواء الملبدة، المخيمة على الضفة الغربية، بعد الإنتفاضة الفلسطينية دفاعاً عن القدس ضد الإستيطان الإسرائيلي، وبعد الحرب التي اندلعت بين حركة حماس و «الجيش الإسرائيلي». علماً أن هذه الأجواء تشمل أيضاً لبنان وسوريا والعراق، بالإضافة إلى حرب السعودية على اليمن.
ما أود قوله باقتضاب شديد أن مقتل نزار بنات هو على الأرجح عنصر من عناصر معادلة تعكس «مأزقاً اسرائيلياً» خانقاً عنوانه التمييز العنصري، يحاول المستعمرون الخلاص منه، لا سيما أن حظوظ النجاح في إبرام صفقة القرن باتت قليلة نتيجة لإخفاقات السعوديين في اليمن، الأمر الذي جعل أكثرية «الإسرائيليين» يُسلّمون أمرهم الى اليمين المتطرّف الفاشي الذي يعدهم ضمنياً بخلق قطاع غزة، ثان وثالث وتجميع الفلسطينيين فيه، من الضفة والداخل.