ما يمكن اعتباره جديداً نوعياً في كلام جعجع، أمران:
الأول، إعلان تنصّل القوات من نشاط الأخوين مارون وإبراهيم الصقر في مجال تخزين واحتكار المشتقات النفطية، ونفيه أيّ صلة للقوات بملف نيترات الأمونيوم التي يتّهم الصقر ببيعها في البقاع، وإعلانه تجميد عضويّتهما في القوات.
الثاني، مقاربة ملف المازوت الإيراني بصورة لافتة تضمّنت، للمرة الأولى، تصريحاً لمسؤول سياسي لبناني يعمل مع المحور الأميركي ــــ السعودي، ويدعو الى أن تتولى الدولة اللبنانية استيراد المشتقات النفطية مباشرة من إيران، وعن قدرة لبنان على الحصول على إعفاء أميركي من العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيراني كما فعل مع العراق حين سمح له باستجرار الطاقة الكهربائية من إيران.
صحيح أن المسؤولين الرسميين في القوات شرحوا الموقف على أنه مستقل ويهدف الى دعوة إيران لـ«عدم انتهاك السيادة» والتعامل «مع الدولة اللبنانية مباشرة»، إلا أن معطيات تحيط بالمقابلة نفسها وبهذا الكلام تشير الى ما يوجب المتابعة، ومنها:
أولاً: إن هناك دوراً خاصاً للسفارة الأميركية في ترتيب المقابلة على وجه السرعة، وإن المعنيين بالأمر يعرفون أنه لو كان جعجع يستهدف الحديث عن الشأن الداخلي فقط وعن ملف الأخوين الصقر، لكان لجأ الى قناة محلية واسعة الانتشار وليس الى قناة «الحرة» المحدودة الانتشار في لبنان والمنطقة.
ثانياً: إن قناة «الحرة» التي تمنع على الصحافيين فيها استضافة أي خصم للولايات المتحدة أو منتمٍ الى التيار الذي يدعم المقاومة لأنه يناقض سياسة المحطة الخاضعة لسلطة الحكومة الأميركية، لم تكن لتسمح بتسويق دعوة الى تعاون رسمي بين الحكومة اللبنانية وإيران التي لا تزال عرضة لعقوبات وحصار وضغوط إضافية حتى مع استئناف المفاوضات حول ملفها النووي.
ثالثاً: ان جعجع نفسه، المشهور بمراعاته لقوة خارجية توفر له الدعم السياسي والمالي، لم يكن ليغامر بموقف لافت حيال عدم معارضة تعاون بين الدولة اللبنانية وإيران، لو كان يعلم أن لهذا الموقف انعكاسات سلبية أو مترتّبات تعرّض علاقاته العربية والغربية لأيّ اهتزاز.
رابعاً: إن الأميركيين الذين فوجئوا بجدّية إيران وحزب الله في جلب المحروقات الى لبنان بخلاف ما كانوا يتوقّعون، واجهوا سيلاً من الغضب من قبل حلفائهم اللبنانيين الذين كانوا يراهنون على أن بمقدور واشنطن منع وصول هذه المحروقات الى لبنان ولو عبر سوريا. بل أكثر من ذلك، فإن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، تعرّضت للاستهزاء حتى من حلفائها اللبنانيين على ردّة فعلها المباشرة على إعلان السيد حسن نصر الله مباشرة نقل المحروقات الى لبنان، بالإعلان عن موافقة بلادها على استجرار الغاز والطاقة الى لبنان عبر سوريا، علماً بأن كل المعطيات، حتى الآن، تشير الى أن الموافقات الخطية على استثناء هذه العملية من عقوبات قانون قيصر لم تصدر حتى اللحظة عن وزارة الخزانة الأميركية، وهو ما تطلبه الجهات المشاركة في هذه العملية من حكومات وشركات عامة أو خاصة.
خامساً: تعاون الأميركيين مع حلفائهم اللبنانيين في خطة احتواء مضاعفات العملية الكبيرة التي يقوم بها حزب الله من خلال استجلاب المشتقات النفطية وبيعها بأسعار مخفضة في كل لبنان. وتستمع السفارة الأميركية كما سفارات غربية الى كلام من حلفائهم من خصوم حزب الله، بأن هذه العملية أظهرتهم في موقع الضعيف والعاجز، كما فتحت الأبواب أمام حزب الله لدخول مناطق لبنانية كانت محظورة عليه حتى وقت قريب بسبب التحريض السياسي. وإن استمرار هذه العملية سيجعل العلاقة بين الحزب وبين مؤسسات لبنانية رسمية وأهلية وسياسية علاقة عمل ومصالح، وهو أمر سيكون له تأثيره على المعركة العامة ضد الحزب، ولا سيما أن الناس يحتاجون الى هذه المشتقات النفطية في حياتهم اليومية.
سادساً: إن القوات اللبنانية تظهر خشية إضافية من كون برنامج توزيع المازوت الإيراني تحوّل الى ورقة خدماتية يمكن لحلفاء الحزب في الساحة المسيحية استخدامها، وهو يقصد بصورة خاصة التيار الوطني الحر وتيار المردة وشخصيات مستقلة في أكثر من منطقة لبنانية. وهو لمس أن جهات بلدية وأهلية ومؤسسات تعليمية بعضها يعود للراهبات، تسعى للحصول على المازوت الإيراني بأسعار مخفّضة. بينما يجري تحميل القوات مسؤولية ما قام به الأخوان مارون وإبراهيم الصقر في البقاع من تخزين واحتكار هذه المواد وحجبها عن هذه المؤسسات، وحصر توزيعها بالمقرّبين من تيارهم السياسي. وقد ظهرت أجواء امتعاض خاصة عند القوات من المساعدات التي يقدمها حزب الله لمؤسسات في المناطق المسيحية، وصلت الى بشري، ورسائل الشكر التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وآخرها من رئيس مجلس إدارة شركة كهرباء زحلة أسعد نكد.
وقالت مصادر متابعة إن تصريحات جعجع منسّقة بشكل أو بآخر مع الأميركيين، وإن التوقيت يتعلق بالسعي الى «احتواء الموقف وعدم زيادة الخسائر السياسية»، وإن قائد القوات يتصرّف على أساس أنه في حال تحوّل ملف المحروقات الإيرانية الى أمر واقع، فلماذا لا يصار الى ضبطه عبر الدولة لا عبر الحزب. وهو يعتقد أن بمقدور حكومة الرئيس ميقاتي الذي تربطه علاقة بالحزب وبالغربيين إجراء الاتصالات لجعل الأمر يتمّ من خلال الدولة. بالإضافة الى كون جعجع يمثل في خياره الاقتصادي «فريق الخصخصة» الشاملة، وهو من يقود الحملة ضد أي برنامج للدعم، لا بل يشجع على تحرير الأسعار من دون ضوابط، وهو يستمع الى شكاوى عدد غير قليل من أصحاب الوكالات الحصرية، وبينهم عاملون في حقل النفط والمحروقات من الذين يخشون على احتكاراتهم إذا وسّع حزب الله نشاطه النفطي ليشمل البنزين وحتى الفيول الذي تحتاجه معامل إنتاج الطاقة في لبنان، عدا عن أن جعجع سمع عن برامج إضافية لحزب الله تخصّ استجلاب كميات كبيرة من الأدوية والمواد الغذائية التي يتوقّع انتشارها الكبير في ظلّ تعاظم حالة الفقر والعوز في لبنان.