عملنا على منع نصر عربي.. كيسنجر يكشف تفاصيل جديدة عن حرب أكتوبر 73
كشف هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في الفترة من 1973 إلى عام 1977، تفاصيل جديدة عن حرب أكتوبر عام 1973، وتحركات واشنطن لمنع نصر عربي على إسرائيل.
وقال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الملقب بـ”الثعلب العجوز” خلال مقابلة مع صحيفة “جيروزاليم بوست” روى خلالها كواليس مثيرة عن حرب أكتوبر 1973، “في الساعة السادسة والنصف صباحا، طلب مني جوزيف سيسكو، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، مقابلتي بشكل عاجل، قائلا هناك أزمة في الشرق الأوسط، وإذا تصرفت على الفور، فلا يزال بإمكانك إيقاف ذلك”.
وذكر هنري كيسنجر أنه في ذلك الوقت كان مع كامل الفريق الرفيع المستوى في وزارة الخارجية بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي للأمم المتحدة، وكان الفجر قد بدأ بالبزوغ في “المدينة الأكثر يهودية خارج إسرائيل”، بحسب الصحيفة.
ويضيف الدبلوماسي الأمريكي الأسبق: “كانت التقارير غامضة، وقيل إن الإسرائيليين لا بد أنهم هاجموا، لأنه لم يعتقد أحد أن المصريين قادرون على شن هجوم عبر قناة السويس.. قلت الشيء الوحيد الذي لن يحدث هو أن الإسرائيليين سيهاجمون في يوم الغفران وهذا عمليا تقريبا مستحيل، ولكن بحلول منتصف النهار، أصبح من الواضح أن هذه كانت حربا نظامية، وأنها كانت هجوما واسع النطاق”.
ويتابع كيسنجر بالقول: “اعتقد فريقنا أن الإسرائيليين سوف يسحقونهم في غضون ساعات قليلة.. أول شيء قمت به هو التوجه إلى السفير الإسرائيلي سيمحا دينيتز.. ولم يكن في واشنطن، وقد كان في القدس”.
وأوضح “الثعلب العجوز” ردا على سؤال حول الوضع المتطور في الشرق الأوسط في خريف عام 1973: “لقد أصبحت وزيرا للخارجية قبل أسبوعين من بدء الحرب، لكنني كنت مستشارا للأمن القومي لمدة أربع سنوات ونصف السنة قبل ذلك، وفي المسار الطبيعي للأحداث، لم تتضمن التقارير الإستخبارية التي تلقيتها أي معلومات غير عادية.. تم تنصيبي كوزير للخارجية يوم السبت 3 سبتمبر وبعد ذلك رأيت تقارير عن تركز القوات العسكرية المصرية.. لا أتذكر أنهم أبلغوا عن أي شيء عن السوريين، لكنهم كانوا بالتأكيد يبلغون عن حشد عسكري”.
ويضيف: “اعتقدنا أن ذلك لا يعني الكثير، لأنه في السنوات السابقة كان الرئيس المصري أنور السادات، يهدد كثيرا ولم يفعل شيئا.. لذلك فكرت إذا كانوا يبنون فأنا أريد تقارير يومية عن الشرق الأوسط.. كل يوم كانوا يكررون نفس الشيء.. شعرت بعدم الارتياح إزاء تطور الوضع، ولكن لم تكن هناك أخبار تدعم مخاوفي، لقد حاولت إسرائيل طمأنتنا.. كانوا يخشون أن نمارس الضغط، فقالوا لنا إنهم لا يرون أي سبب للقلق بشكل خاص”.
ومضى قائلا: في إسرائيل أيضا، في الأيام التي سبقت اندلاع الحرب، تراكمت الأخبار عن تمركز قوات كبيرة غرب قناة السويس وقد فسرها قادة الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات باستثناء عدد قليل من الضباط ذوي الرتب المتوسطة على أنها جزء من مناورة، وكانوا مقتنعين بأن المصريين لا ينوون شن هجوم.. وقد رفضت الرقابة العسكرية تقارير المراسلين العسكريين حول حشد قوة مصرية غير عادية في سيناء، ولم تظهر المخاوف من حرب فعلية إلا يوم الجمعة 5 أكتوبر، عشية يوم الغفران”.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن يعقوب إيرز، المراسل العسكري لصحيفة “معاريف” ورئيس تحريرها فيما بعد، قام بصياغة أحد هذه التقارير مع شطب أجزاء منه بقلم الرقابة السوداء الخاص بالرقابة العسكرية، وكان كبار الضباط الإسرائيليين يخشون من أن تؤدي هذه المعلومات إلى توتر غير ضروري على الجبهتين العسكرية والداخلية.
وتذكر الصحيفة نقلا عن كيسنجر: “كان الوقت مبكرا من المساء، عندما هبط رئيس الموساد آنذاك تسفي زامير، بشكل غير متوقع في العاصمة البريطانية، ولم يقم بزيارة الكنيس الكبير هناك.. لقد تم استدعاؤه للقاء “الملاك”، الاسم المستعار لأشرف مروان صهر عبد الناصر، الذي كان من أقرب مستشاري السادات، وعميل الموساد”.
وقبل 14 ساعة فقط من وقوع هجمات سيناء والجولان، أفاد مروان بأهم الأخبار عن ساعة الصفر وتنسيق الهجوم من قبل الرئيس المصري أنور السادات، والرئيس السوري حافظ الأسد.
وتوضح الصحيفة أنه في منتصف صيام يوم الغفران، بدأت تعبئة قوات الاحتياط في إسرائيل، وظهر قادة السرب ومعهم أوراق استدعاء للطوارئ في منازل الجنود، وانتشرت الكلمات الشفهية عبر المعابد، وركض العديد من المصلين إلى منازلهم لاستبدال شالات الصلاة الخاصة بهم بزي الجيش الإسرائيلي، المحتفظ به في خزائنهم لحالات الطوارئ، وفي حي ميا شعاريم في القدس وفي حي بني براك لليهود المتشددين، تشكلت طوابير بالقرب من وحدات نجمة داود الحمراء المتنقلة المكلفة بجمع التبرعات بالدماء للجرحى.
ويقول كيسنجر في هذا السياق: “في يوم الجمعة، الذي سبق بدء الحرب، تلقينا معلومات تفيد بأن الروس يسحبون أفرادهم من الشرق الأوسط، ثم بدأنا في بذل جهود نشطة لتهدئة الوضع.. لقد ناشدت المصريين، لا أعرف ما إذا كنا قد أرسلنا رسالة إلى سوريا، لكننا قلنا بالفعل إننا سنبذل جهدا دبلوماسيا، وقد عززنا ذلك”.
وأردف بالقول: “في واشنطن، قمت بتجميع ما نسميه مجموعة واشنطن للعمل الخاص، واجتمعنا في وقت متأخر من بعد الظهر لاتخاذ قرار بشأن الاستراتيجية.. كانت مجموعتي في ذلك الوقت مكونة من طاقم تخطيط عالي الجودة من البيت الأبيض، الذين أحضرتهم معي إلى وزارة الخارجية لتعزيز قسم تخطيط السياسات”.
وأضاف “كان القرار هو استغلال الهجوم المصري للترويج للعملية السياسية.. وكان القلق بين المستشارين الأمريكيين هو أن إسرائيل ستقرر المعركة بسرعة.. كنا نظن أنه في غضون أيام سيصل الجيش الإسرائيلي إلى الإسكندرية حتى قبل أن تطأ أقدام المصريين سيناء.. ولذلك، ومن أجل السماح بالحوار.. أردنا وقف القتال والعودة إلى الوضع السابق”.
ويذكر كيسنجر “في نهاية يوم من القتال، عندما اقترب وقت الظهر من يوم الأحد، كان من الواضح أن الجيشين المصري والسوري قد أحرزا تقدما كبيرا، لكننا صممنا منذ البداية على منع النصر العربي الذي كنا ننظر إليه على أنه انتصار سوفيتي.. لقد كنا على قناعة تامة منذ اللحظة الأولى بأننا سنعيد الوضع إلى ما كان عليه، ولكن بحلول نهاية اليوم الأول كان من الواضح أن الجيوش المهاجمة قد حققت تقدما واسع النطاق”.
وأكد الوزير الأسبق أن “مشهد المعركة كان مختلفا تماما عما تخيله الخبراء الأمريكيون عندما أصبحت أنباء الهجوم المصري معروفة، مضيفا: “عندما اندلع القتال، تمكن المصريون من اختراق خط “بارليف” وتسلل أكثر من 100 ألف جندي ونحو 400 دبابة ووحدات كوماندوز إلى سيناء، وبناء عدة جسور فوق القناة”.
وصرح بأنه وفي الأيام الأولى من الحرب، فقدت إسرائيل ما يقرب من 200 مقاتل يوميا وتم أسر العديد من جنود الخط الأول من قبل مصر، ولم يكن لدى القوات الجوية الإسرائيلية رد مناسب على الصواريخ المضادة للطائرات من طراز “SA6” سوفيتية الإنتاج.
وبين أن الطيارين الذين أصيبوا وتمكنوا من تشغيل المقاعد القاذفة انضموا إلى الجنود الذين تم أسرهم في تحصينات “بارليف”، مشيرا إلى أن الأرتال المدرعة الإسرائيلية التي تقدمت بشكل فوضوي إلى سيناء، تعرضت لهجوم جوي.
وقال “الثعلب العجوز” في الأيام الثلاثة الأولى من القتال، فقدت القوات الجوية الإسرائيلية 49 طائرة وتضررت 500 دبابة في سيناء.. كان هناك نقص في ذخائر المدفعية في مستودعات الطوارئ وتم اكتشاف أن المعدات صدئة جزئيا وغير صالحة للاستخدام.
وأكد كيسنجر أن الحكومة الإسرائيلية ذهلت وأن وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيسة الوزراء غولدا مئير، على وشك الانهيار، موضحا أنه سرعان ما أصبحت الحاجة إلى استبدال الطائرات التي تم إسقاطها واضحة.
وحول الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل والذي “غيّر” شكل ساحة المعركة، يقول كيسنجر “طُرحت مسألة إعادة إمداد إسرائيل، تذكروا أننا بنينا مناقشاتنا المبكرة حول الحرب على حقيقة أن التفوق العسكري كان لصالح إسرائيل.. لم نكن نفكر بجدية مطلقا في حدوث تقدم مدعوم من السوفيت في الشرق الأوسط، لذلك عندما أصبح ذلك واضحا بدأنا نتحدث عن إعادة الإمداد.. وعارض البنتاغون بشدة أي إعادة إمداد بالمعدات الأمريكية.. لذلك رتبنا أن يرسل الإسرائيليون طائراتهم الخاصة وسنقوم بتحميلها.. في ذلك الوقت، كانت المعدات عالية التقنية هي التي يمكن استخدامها على الفور”.
ويمضي بقوله: “لم تكن هناك حاجة ملحة للاتصالات الإسرائيلية معنا على أعلى مستوى حتى صباح الثلاثاء.. عاد السفير الإسرائيلي سيمحا دينيتز وجاء برفقة الملحق العسكري الجنرال موتا جور إلى مكتبي.. ووصفوا حجم الخسائر الإسرائيلية خلال الـ 48 ساعة الماضية وطالبوا بشكل عاجل بتجديد الإمدادات.. كان ذلك هو اليوم الذي استقال فيه نائب الرئيس سبيرو أغنيو من منصبه بسبب اتهامات بالتهرب الضريبي والرشوة وكان على نيكسون أن يتعامل مع تلك الأزمة الدستورية.. هو نفسه تعرض للهجوم.. لقد كانت هذه ذروة التحقيق في فضيحة “ووترغيت” وجلسات الاستماع التي كانت مستمرة، لذلك لم أتمكن من رؤية نيكسون حتى الساعة الخامسة بعد ظهر يوم الثلاثاء.. قلت للسفير والملحق العسكري أنه عندها فقط أستطيع أن أعطيهم إجابة.. ناقشت الأمر مع نيكسون وفي حوالي الساعة 5:30 مساء أعطيت دينيتز إجابتي.. كانت هناك مشكلتان منفصلتان، المعركة المباشرة، والمعركة طويلة المدى.. وفي المعركة المباشرة، كان لزاما على إسرائيل أن توقف تقدم العدو وتشن هجوما قبل أن يتسنى التدخل الدبلوماسي الأمريكي بشكل ملموس.. ولقد حثثتهم على البدء بهجوم على بعض الجبهات وقلت إننا لن نتحرك دبلوماسيا إلا بعد نجاح ذلك”.
ويردف بالقول: “وفي هذه الأثناء، كنا ننظم جسرا جويا مدنيا إلى إسرائيل، يبدأ فورا، واعتقدنا أن ذلك يمكن أن يتم بسرعة كبيرة.. ويتكون الجسر الجوي المدني، بموجب هذا التفويض، من إخبار شركات الطيران المدنية بإتاحة طائراتها لجسر جوي مدني، تحت إدارتها، وفي الوقت نفسه، كنا نواصل إعادة الإمداد عبر الطائرات الإسرائيلية”.
ويفيد كيسنجر: “اتضح أن تنظيم جسر جوي مدني أكثر صعوبة لكن على المرء أن يرى ذلك من منظور عقلاني.. عندما قلت “صعب” كان ذلك يعني 48 ساعة لتنظيمه.. لذا كان الإسرائيليون على وشك شن هجوم على مرتفعات الجولان، وكانوا يناقشون عرض وقف إطلاق النار في نفس الوقت.. لقد عارضت بشدة التوصل إلى وقف لإطلاق النار بينما كانت المعركة تسير لصالح الهجوم، وعندما أصبح من الواضح أن الجسر الجوي المدني لا يمكن تنظيمه بالسرعة، التي كنا نعتقدها في البداية، ذهبت إلى نيكسون وأخبرته أننا بحاجة إلى مستوى آخر من الجسر الجوي للتأثير على الوضع، وأننا بحاجة إلى جسر جوي عسكري”.
وذكر أن نيكسون أمر بإجراء جسر جوي فوري للإسرائيليين، وبدأنا في تنفيذه، مساء الجمعة وعلى نطاق واسع صباح السبت، واستغرق الأمر ثلاثة أيام، لتعبئة الجسر الجوي العسكري الأمريكي بالكامل.
ومع رؤية إسرائيل تنهار أمام الجيشين المصري والسوري، يقول كيسنجر “وافقنا منذ صباح يوم السبت على اقتراح وقف إطلاق النار، الذي سيتم طرحه في الأمم المتحدة، ليس من قبل الولايات المتحدة ولكن من قبل دولة أخرى، وحاولنا إقناع أستراليا ومن ثم إنجلترا بتقديم الاقتراح.. لكن السادات رفض العرض لأنه ظن أنه ينتصر وأمر فرقتين مدرعتين بعبور القناة معتقدا أنهما قادرتان على ذلك لأن إسرائيل لم يكن لديها تفوق جوي هناك.. ومع ذلك، وبمجرد أن أصبحت خارج نطاق المدفعية والأسلحة السوفيتية المضادة للطائرات، أصبحت معرضة بشدة للقوات الجوية الإسرائيلية، وخسر السادات عدة مئات من الدبابات في معركة الأحد تلك”.
ويذكر وزير الخارجية الأسبق “عندما تحولت المعركة وعبرت القوات الإسرائيلية، يوم الثلاثاء (على ما أعتقد) قناة السويس.. لم يكن هناك أي تأخير في البداية بل بدأ من الليلة الأولى ولم يكن من المتصور قبل الحرب أن تحتاج إسرائيل إلى جسر جوي عندما تبدأ الحرب”.
وأردف بالقول: “بدأ التغيير في خريطة المعركة ملحوظا بعد الهجوم المضاد في الجولان، وتراجع القوات السورية إلى مسافة 40 كيلومترا من دمشق وطالبت سوريا مصر بزيادة القتال في الجنوب من أجل تخفيف الضغط في الجولان.. لقد حاول المصريون وفشلوا.. ثم جاء عبور القناة ومحاصرة الجيش الثالث المصري.. لقد دعاني السادات لزيارة موسكو وفي ذلك الوقت كانت القوات الإسرائيلية قد عبرت قناة السويس بالفعل، وعندما وصلت إلى هناك أصررت على وقف فوري لإطلاق النار.. منذ أن طلبت من بريجنيف وقف إطلاق النار حتى تنفيذه كانت هناك 48 ساعة أخرى، ما أدى إلى تحسين وضع إسرائيل في ساحة المعركة”.
وبين هنري أنه كان من الممكن تجنب الحرب فقط لو وافقت إسرائيل على الانسحاب إلى حدود 67، وهو ما لم يكن بوسعها القيام به لأن ذلك كان سيكشف الطريق بين تل أبيب وحيفا، وكان سيضعه تحت نيران الخصوم، كما أن كل حزب سياسي في إسرائيل كان يعارض مثل هذه الخطوة، لذلك كان لا بد من فرضها على إسرائيل، وهو ما رفضناه.
وأوضح أنه وحتى في ذلك الوقت، لست متأكدا من أنها كانت ستتجنب الحرب لأن السادات، الذي تحول إلى مناصر رئيسي للسلام بعد الحرب، كان مقتنعا بأن العالم العربي يحتاج إلى بعض العمل العسكري الناجح، ولم يكن نيكسون راغبا على الإطلاق، مع موافقتي الشديدة، في النظر في هذا الأمر.
وعلى مر السنين تم الكشف عن وثائق وأشرطة سرية من إدارة نيكسون للجمهور، وتم تفسير بعض تصريحات كيسنجر حول اليهود واليهودية والدولة اليهودية على أنها كراهية للذات، وهروب من جذوره اليهودية ودعم وجهات النظر المعادية للسامية التي ميزت بيئته السياسية.
المصدر: صحيفة “جوريزاليم بوست” الإسرائيلية