علي كوثراني | كاتب وباحث لبناني
ألغى الأمريكي لبنان ودوره، فانهار الكيان اللبناني وما يسمى جهلاً “الدولة” فيه، فاستفاق “اللبنانيون السابقون” على واقعٍ جديدٍ كان فيه الذهول والصدمة والإنكار أسياد الموقف.
ولكن ساعة الحقيقة تقترب، وقد وعى البعض حقيقة الموقف وبدأ، من تحت ركام هذا الكيان، يفكر بسبل معاشٍ جديدة لأهله بدلاً من تلك التي قطعها الأمريكي عنهم، فلاحت فرصةٌ تاريخيةٌ هنا للتحرر من الهوية الزائفة والحدود الاستعمارية وأغلال الهيمنة في الاقتصاد والاجتماع والسياسة.
وبدل تعريف جمهور المقاومة بالأمر وتجييشه ودعوة كل صاحب مصلحةٍ ودفعه نحو استثمار هذه الفرصة التي فيها ضمان مستقبل وأمن ومعاش وازدهار هذه البلاد وأهلها بعد مئات السنين من النهب والهيمنة والتقهقر، صار فرع الطائفة الشيعية الكياني المتمسح بالمقاومة يُنظِّر لإدارة فتات الفتات آملاً بدورٍ له في ذلك ومراهنًا على “المساعدات والهبات”، فاستبدل بذلك كيانيةً ال١٠٤٥٢ المهزلة بكيانيةٍ أخرى مجهريةٍ أسوء منها، قوامها مناطق وأحياء.
الكيانية وما تستبطنه من تبعيةٍ من جهةٍ والتحرر من جهةٍ ثانيةٍ ضدان متناحران، وإن كانت المساكنة في الإقليم قد ساعدت على اختلاط الحابل بالنابل لفترةٍ ما، مما أشكل على أفهام البعض، فإن تفجُّر الصراع واحتدام الفرز الذي يرافقه يساهم الآن في إظهار حقيقة الصراع جليةً وتظهير كامل الصورة، فظهرت عاريةً كيانية هؤلاء وعداؤهم لكل ما يمت للتحرر بصلة وانكشف رهانهم على الحصار وتسلقهم لآثاره.
وها هم اليوم، من جديدٍ، يصرون على قلب الأمور على المقاومة وتحميلها وزر أفعال قيصر وأدواته، بينما هي تدعوهم للتكامل والذوبان في الفضاء الأوسع، وهم يدعونها إلى التقوقع والغرق في فوضى آثار الحصار. هي أمورٌ لم تعد تُفسَّر أو تُبرر “بالصدفة”.
لقد قامت الحجة فعلاً، ولكنها لم تقم على المقاومة التي طرحت مشروع التكامل مع الإقليم والتوجه شرقًا، بل على أولئك المشبوهين الذين حاولوا طمس حقيقة الصراع عبر المزايدة على المقاومة والتشويش على مشروعها وتسخيفه وتشويه مضمونه بتحميله الشيء وضده.