الدكتور حسن احمد حسن | باحث سوري مختص بالجيوبوليتيك والدراسات الإستراتيجية
الله ما أجمل كلمة وطن، وما أبلغ التنقل بين معانيها، والتمعن في مدلولاتها بعيداً عما تم اختزاله في المعاجم والقواميس… فالوطن ليس مجرد جغرافيا ولد المرء فيها وعاش، ولا هو يقتصر على الأهل والأصدقاء الذين ترعرع الفرد بينهم، كما لا يمكن اختزاله بالبطاقة الشخصية أو جواز السفر.. هو كل ما ذكر وكثير غير ذلك، وغير ما سيذكر…
الوطن انتماء وهوية ونبض وأحاسيس ومشاعر… الوطن بعض شهقات الروح وجزء من نبض القلب مع كل انبساطة وانقباضة لعضلة القلب..الوطن وجود وكينونة ترافق الكريات الحمراء والبيضاء عبر الدورتين الدمويتين الصغرى والكبرى… الوطن وجه معشوقة حبيبة فريدة كلما اقترب العاشق منها وازداد التصاقا وتماهياً كلما ازداد تعلقاً وشغفاً.. الوطن حب ينمو بلا حدود… يتمدد .. يتجذر إلى ما لا نهاية ولا مدى.. الوطن ذراعا عاشق يحملان الحبيبة حيناً ليقفز معها فارس الأحلام في فضاء الأمنيات، وحيناً أخر يد تطوق خصرها، وأخرى تمسح على وجهها المتكئ بدلال على الكتف المنذور لحمل بعض الأثقال الإضافية المتكدسة فوق كاهل الوطن بالجملة…كينونة تتجدد في ثناياها الروح، وينطلق الفكر في عوالم رياضها الغناء…
الوطن وقفة عز وإباء في وجه كل من يريد السوء بالحاضر والمستقبل.. صرخة غضب ورفض لكل أشكال التبعية والإذعان وربط المصير بالخارج الذي لا تعنيه المصالح العليا للشعوب التابعة والمنضوية في كنفه… الوطن زغرودة حجر ينطلق من كف طفل يرفض أن يرى أباه بين أيادي الجلادين… الوطن تلبية فطرية لاستغاثة “وامعتصماه” في كل زمان ومكان.. الوطن تغريد شحرورة هنا وهديل يمامة هناك وأصوات أطفال يلعبون على مروج حبلى بالأمان.. الوطن مقعد مدرسي يتناوب عليه الجالسون، ونوتة موسيقى تربط الماضي بالحاضر بالمستقبل.. الوطن معول فلاح وقبعة عامل يزيحها قليلاً بطرف يده ليمسح حبات العرق المتصببة بعد إنجاز المطلوب.. الوطن رغيف خبز ينضج بهدوء في أفران الإرادة، ويتهادى في طريقه إلى موائد جميع أبناء الوطن.. الوطن بندقة مذخَّرة تتجه فوهتها إلى صدر من يريد سرقة أحلامنا ومصادرة السعادة من أرواح أطفالنا…الوطن وردة جورية نبتت في ثرى طاهر بعد أن روتها دماء زكية تدفقت من شرايين أقدس الخلق دفاعاً عن استقلالية القرار وصيانة الحقوق والسيادة.. الوطن كرامة وعطاء… أمن وأمان وطمأنينة تكثف الزمان والمكان فتزهر الأماني، وتزدهي المروج والحقول والسواقي والأرض والسماء… الوطن قناعات ورؤى وأماني وأمل وعمل..
هكذا أفهم الوطن، وكل ما ذكر بعض بعض تجليات الروح الوطنية التي تتبلور في أبهى معانيها عبر الالتزام بالثنائية الذهبية : الحقوق والواجبات، وفي مقدمة تلك الثنائية تنفيذ الاستحقاقات الدستورية بسيادة وطنية، وغير مسموح لأحد في الكون المساس بها أو التدخل بخصوصيتها وحصريتها بالشعب السوري المتحفز لقول كلمته في صناديق الاقتراع في السادس والعشرين من أيار الحالي، وسيرى العالم بكليته كيف نجسد نحن السوريين هويتنا الحضارية السورية وحبنا لوطننا الذي يختزن في كينونته إرثنا بكل مكوناته، ورسالتنا الذاتية الحضارية في سيرورتها وصيرورتها النابضة بحب الوطن الذي يتضمن فيما يتضمن: معاني ابتسامة الأطفال ..زقزقة العصافير ..انسياب المياه في الجداول …حنين أم رؤوم لاحتضان أطفالها.. شموخ وصلابة أب عطوف يكافح ليرى أبناءه يكبرون…نظرة أمل وتوثب ويقين لدى الشباب المتوثب لذرى المجد..نعم إنه الوطن مهد الأحلام، وسرير الذكريات وملعب الأمنيات.. نعم إنه الوطن وما تفرزه أوقات الشدة والرخاء، ورواية تبلور الصمود والإرادة وعزف سيمفونية الانتصار
بقيادة الأسد البشار ..حماه العزيز الجبار.