اخبار عربيه و دوليهكتاب الموقع

على خطى “داعش”.. أطفال “قسد” السلاح القاتل لسوريا.

رضا الباشا | كاتب واعلامي سوري

“اعتقدتُ أنّ تنظيم “داعش” قتل إبني. بدأت رحلة البحث عن جثمانه، لعلّي أجد أثراً منه. كانت أجواء المدينة غير مستقرة. أُعلنت منبج مدينة محررة من “داعش” وقوات التحالف الأميركي، وأعلن مسلّحو “قسد” السيطرة عليها. لم تكن الأمور واضحة بعد في ظلّ الفوضى الحاكمة.

أقمنا مجلس عزاء لميسم (اسم مستعار)، لنُفاجأ في اليوم التالي بزيارة صديقه محمد (اسم مستعار) الذي أكّد لنا أن سيارة “بيك آب” تقلّ مسلحين من “قسد” اختطفته. هنا، بدأنا مشوار البحث من جديد. خلال رحلة بحثنا، سألنا كلّ مسؤول أو مسلّح نعرفه أو نصادفه. وصل بنا المطاف إلى القامشلي، ولكننا لم نحصل على أي جواب. كان عمر ميسم لا يتجاوز 13 سنة (ولد في العام 2014). فقدنا الأمل في الحصول على أي معلومة، إلى أن جاءنا اتصال من مسؤول في الإدارة الذاتية في القامشلي (كما عرّفنا بنفسه)، وأخبرنا أنّ الطفل موجود في مشفى القامشلي، وأنه تعرّض لإصابة أثناء القتال. ذهبت برفقة والدته فوراً إلى القامشلي. في المستشفى، وقبل أن يُسمح لنا برؤية ابننا، قابلنا شخصاً يرتدي زياً عسكرياً، وهدّدنا بالتهجير أو القتل إن تحدثنا إلى أي مخلوق عن الحادثة. ومنذ ذلك التاريخ، يعاني ميسم إصابة أتمنى عدم ذكرها. أعتقد أن طفلي فقد جزءاً مهماً من حياته، وحُرم من إكمال حياته كباقي الفتية في المدينة”.

بهذه الكلمات، اختصر محمد (اسم مستعار) قصة طفله ميسم مع الخطف والتجنيد في صفوف “قسد”. رواية محمد تكررت مطلع العام 2018 مع بدء تهجير أهالي عفرين. شكلت مخيمات النازحين من عفرين ساحة خصبة لتجنيد الأطفال ممن لا يتجاوز عمرهم 15 عاماً من قبل “قسد”، تحت مسميات مختلفة، من بينها “استرجاع الحق، والدفاع عن العرض، والظلم ودفعه عن المستضعفين” وغيرها من العناوين المتعددة والرنانة. تقول إليسا (اسم مستعار) إن طفلها البالغ من العمر 14 سنة وقع ضحيتها، إذ إنَّ قساوة النزوح مكّنت قوات “قسد” من الإيقاع بشيروان (اسم مستعار).

قصّة إليسا بدأت مطلع العام 2018. غاب شيروان. وفي صباح اليوم التالي، أخبرت قيادة “البي كي كي” (حزب العمال الكردستاني) والده بأنّه نُقل إلى منبج، وسيتجه منها إلى جبال قنديل لتلقي تدريبات عسكرية. في المقابل، سيحصل الوالد على راتب ومساعدات جيدة تمكّنه من مواجهة النزوح. لم تقبل الأم بذلك، وكانت عودة طفلها هي الأهم بالنسبة إليها. شدّت الرحال إلى القامشلي والمالكية، ومن ثم إلى الحسكة، بحثاً عنه.

سعت إليسا لمقابلة كلّ من يمكنه أن يسمعها من المسؤولين، لكنها لم تتلقَ أي مساعدة، بل تم تهديدها بالقتل إن استمرّت في البحث والحديث عن قصة ابنها. يئست وعادت إلى ريف حلب الشمالي، وحاولت أن تحصل على أي معلومة مفيدة، فكان مصيرها الطرد من مخيمات النزوح، لتختار حلب وجهة لها. تفضّل إليسا عدم البوح باسمها، لأنّها تخشى القتل على يد مسلّحي “قسد” أو “البي كي كي”.

تتعدّد الروايات وتتقاطع جميعها في معسكرين؛ “الأول في القامشلي، والآخر في جبال قنديل”. تتكفّل مجموعة تُعرف باسم “جوانان شورشكر” (الشباب الثوري) بعمليات الخطف والتجنيد، وتعتمد أسلوب الإقناع أو الترغيب بالسلطة والسلاح. وفي حال فشل الطريقتين، تتجه إلى الخطف الذي يُعتمد بشكل رئيسي في عمليات تجنيد الأطفال العرب، في حين يعتمد الإقناع والترغيب لتجنيد الأطفال الكرد.

التفريق بين الأطفال العرب والكرد لا يتم في عملية التجنيد فحسب، بل ينسحب أيضاً على معسكرات التدريب، فالأطفال العرب يجري تدريبهم في معسكر خاص يقع قرب مدينة القامشلي في الجهة الشمالية للمدينة، في حين ينقل الأطفال الكرد إلى معسكرات خاصة في جبال قنديل، ومنهم من يُنقل إلى معسكرات “البي كي كي” في سنجار.

أثارت سياسة تجنيد الأطفال حفيظة العديد من المنظمات الدولية التي سعت إلى إقناع “قسد” بالإقلاع عن ذلك، بصفتها حليفاً وتتلقّى تمويلها من التحالف الأميركي في سوريا، ما قد ينعكس على صورة هذه الدول في حال صمتها إزاء ممارسات “قسد”، وخصوصاً بعد تأكيد أكثر من تقرير أممي دورها كقوة مسلحة رئيسية تعتمد على تجنيد الأطفال في صفوفها، بعد إعدادهم إيديولوجياً وعقائدياً، في ما يشبه ويذكّر بسياسة “داعش” و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) باعتماد الأطفال للقتال كسلاح أساسي في أي مواجهة.

أمام التقارير الأممية، أعلن بيان للأمم المتحدة في 29 حزيران/يونيو 2019 توقيع ممثلة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، فرجينيا غامبا، اتفاقاً مع قائد مسلّحي “قسد” مظلوم عبدي، يقضي بوقف تجنيد الأطفال دون سن 18 عاماً.

وتعهّدت “قسد” في الاتفاق بعدم استخدام الأطفال في الأعمال العسكرية، بحسب ما نص عليه الاتفاق المعلن من قبل موقع الأمم المتحدة الخاص بالأطفال، وهو يلزمها بتقديم أرقام حول عدد المجندين في صفوفها وفصلهم عنها، وينص على اتخاذ تدابير وقائية وتأديبية في ما يتعلّق بتجنيد الأطفال.

لم يصمد الاتفاق أكثر من شهرين. في أيلول/سبتمبر 2019، كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ومقرّه جنيف، عن أكبر عملية اختطاف نفذها مسلحو “قسد” بحق 200 طفل من مخيم الهول الذي “تُحتجز فيه عوائل مسلحي داعش من النساء والأطفال”.

وأكّد بيان الأورومتوسطي أنّ الأطفال تم عزلهم ونقلهم إلى معسكرات سرية تابعة لـ”قسد”، ليتم تجنيدهم في صفوفها لاحقاً. وقد تبين أن الاتفاقيات التي تعلنها الأمم المتحدة لا يمكنها أن تصمد أمام السياسة التي تتبعها “قسد”، التي تستخدم هذه الوسيلة كمصدر تمويل من قبل التحالف الأميركي، بحسب ما نقله لنا ناشطون كرد أكّدوا أن هذه القوات تعتمد على تجنيد الأطفال وترفع بياناتهم إلى التحالف، بصفتهم مقاتلين، لتحصل على تمويلها من التحالف الأميركي.

تقرير الأورومتوسطي سبقه تقرير لمنظّمة حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش” أكّدت فيه ارتفاع وتيرة تجنيد الأطفال في العام 2018 و2019 إلى 5 أضعاف ما كان عليه قبل ذلك.

تقرير المنظمة يؤكد أن قوات “قسد” تستهدف الأطفال في المخيمات بغية تجنيدهم في صفوفها. وهنا، يمكن تبرير الارتفاع الكبير في نسبة تجنيد الأطفال في العام 2018 و2019، في ظل النزوح الكبير الذي شهدته منطقة عفرين ولجوء النازحين إلى مخيمات في ريف حلب الشمالي، ما يعني أنها تستغل هذه المخيمات لتجنيد جيل من الأطفال خدمة لمصالحها المالية والعسكرية.

ارتفاع وتيرة تجنيد الأطفال واختطافهم أثار نقمة كبيرة بين العرب والكرد في مناطق سيطرة “قسد”، ما دفع الأخيرة إلى إعلانها افتتاح مكتب لحماية الأطفال من النزاعات المسلحة. المكتب تأسس في آب/أغسطس الماضي بهدف منع تجنيد الأطفال، وأكدت الإدارة الذاتية التابعة لـ”قسد” أنها ستحاسب أي مسؤول، مهما كان منصبه، يعمل على تجنيدهم واستخدامهم للقتال.

إعلان الإدارة لم يترجم على الأرض، في ظل ما كشفته الأحداث من إصرار “قسد” على تجنيد الأطفال، مع عدم الأخذ بعين الاعتبار أي تبعات أو غضب شعبي تجاه هذه السياسة التي دفعت عوائل كردية إلى إصدار بيان في الأول من نيسان/أبريل 2021، لمطالبتها بالكشف عن مصير أبنائها المختطفين.

عائلة الفتاة الكردية المختطفة لدى “قسد” في مدينة الدرباسية شمال محافظة الحسكة، روان عليكو، أطلقت نداء بعد مرور 6 أشهر على اختطافها، وبعد وعود بإعادتها إلى البيت من قبل ما يسمى “مكتب الطفولة” التابع لـ”قسد”.

كما أصدرت عائلة إبراهيم باشا الملي، وهي من العوائل الكردية المعروفة في الجزيرة السورية، والتي ترأس عشيرة الملية الكردية منذ عشرات السنين، بياناً للرأي العام بخصوص اختطاف مسلحي تنظيم “قسد” ابنها الأمير عبد الرحمن وعدداً آخر من المواطنين منذ ما يزيد على 4 أشهر بشكل متواصل.

وجاء في بيان عائلة الباشا: “ندين ونستنكر بشدة الاعتقالات التعسفية التي نفذتها عناصر أمنية في تنظيم “قسد” بحق الأمير عبد الرحمن إبراهيم باشا الملي وعدد من الناشطين الكرد بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والتي تمّت بطريقة غير قانونية، مع حرمانهم من أدنى حقوقهم القانونية والإنسانية المضمونة لهم وفق القوانين والمواثيق الدولية. ومنذ ذلك التاريخ، حاولنا جاهدين، وبكلّ الطرق الدبلوماسية، الاطلاع على وضعه الصحي وتأمين حقوقه القانونية والإنسانية، ولكن، للأسف، قوبلت جميع جهودنا بالتعنّت والرفض”.

كما قالت مصادر وذوو أطفال مختطفين يقطنون في محلة الشيخ مقصود في حلب، والخاضعة لإدارة “قسد”، لـ”الميادين”: “منظمة الشباب الثورية التابعة لقسد مستمرة في خطف الأطفال. مصدر مقرّب إلى أحد المختطفين أكد أن طفلاً من مهجّري عفرين اختُطف قبل 6 أشهر، وهُدِدت والدته ووالده إن تحدّثا إلى أيّ جهة في الأمر، وأشار إلى أن قريبه لم يبلغ من العمر 15 عاماً”.

واقع استمرار “قسد” في اختطاف الأطفال، وعدم الخضوع للقوانين الدولية الناظمة لحقوق الطفل، وما كشفه تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن اعتمادها اختطاف الأطفال من مخيم الهول، يوجّه أصابع الاتهام إلى التحالف الأميركي في تأمين الغطاء لها في مواجهة الإدانات الدولية لسياستها في تجنيد الأطفال واستخدامهم كسلاح في حرب يراد منها تقسيم سوريا وتدمير مستقبلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى