عقدة العلاقات المصرية-الإيرانية

حسن صعب | كاتب وباحث لبناني

توطئة

ُتعدّ العلاقة الملتبسة بين إيران “الثورية” ومصر “المعتدلة” أنموذجاً يمكن الاستناد إليه في محاولات فهم  العلاقات الصدامية أو المعقّدة بين “العالمين” السنّي والشيعي عموماً ،وبين العرب والفرس على وجه الخصوص.

ولقد مرّت تلك العلاقة بتحولات عديدة،ومعظمها في المنحى السلبي، منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979،والتي أعلنت في حينه قطعها النهائي للعلاقات “الاستراتيجية” التي أقامها الشاه محمد رضا بهلوي مع “إسرائيل”، ورفضها القاطع لاتفاقية كمب ديفيد التي كان الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد وقّعها قبل أشهر مع “إسرائيل”، والتي أدخلت المنطقة في مراحل مريرة أخرى من الصراع العربي – الإسرائيلي.

وبعد سقوط نظام حسني مبارك في بدايات العام 2011،انطلقت العلاقة بين إيران ومصر من جديد،لكن من دون أن تصل إلى مستوى العلاقة الطبيعية حتى، سواء في ظل حكم الإخوان المسلمين الديني، أو حكم الجيش “العلماني”!

إيران و”الإخوان” :محطات ومواقف

ترى كلٌ من إيران وجماعة  الإخوان المسلمين فوائد في تنمية العلاقات بينهما، على رغم أنهما يتموضعان على الضفتين المتعارضتين للانقسام السنّي- الشيعي. فإيران تعتبر التواصل مع الجماعة، خصوصاً مع فرعها المصري، استثماراً قليل التكلفة ويمكن أن يساعدها على توسيع دائرة نفوذها في المنطقة. وفي المقابل، من المفيد لجماعة الإخوان أن تكون على علاقة مع إيران، (وهي قوّة إقليمية تتشاطر معها الجماعة إيديولوجيا متشابهة، وإن لم تكن متطابقة، حول دور الإسلام في السياسة والمجتمع)؛ وهي (الجماعة) تستخدم هذه العلاقة لممارسة نفوذ سياسي على لاعبين مُهمين آخرين في الشرق الأوسط. لكن، وفي حين أن إيران حريصة على تطوير علاقات أعمق مع الجماعة بهدف دعم أجندتها الإقليمية، لاتزال هذه الأخيرة مُتردّدة حيال التحرّك نحو مجالات تتعدّى الاتصالات الوديّة؛ وهذا يعود إلى طبيعة الأولويات الأساسية للجماعة، خاصة منها عدم تنفير العالم العربي السنّي.

وعلى رغم أن الطرفين ينسجان علاقات غير رسمية منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران العام 1979، إلّا أن هذه العلاقات دخلت مرحلة جديدة حين وصلت الجماعة إلى السلطة في مصر غداة انتفاضة 2011. فحين انتُخب مرشّح الجماعة محمد مرسي رئيساً لمصر في العام 2012، شهدت الاتصالات بين القاهرة وطهران تزايداً مطّرداً. لكنّ مرسي، الذي أجبرته المؤسسة العسكرية المصرية والحلفاء التقليديين على الإنصات إلى مواقفها، أثبت خلال سنته الأولى والوحيدة في سدّة الحكم، أنه غير مستعد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطِعت في 1979. بدلاً من ذلك، انتهجت إدارته الجديدة مقاربة تدريجية في مجال تدفئة العلاقات مع إيران.

والآن تواصل طهران، على رغم الانقلاب الذي أطاح جماعة الإخوان من السلطة في العام 2013، التواصل مع كوادر هذه الأخيرة وتعتبرها حليفاً محتملاً لترقية أهدافها الإقليمية. وفي هذه الأثناء، تُواصل الجماعة ممارسة توجهات براغماتية وتنخرط في اتصالات مع إيران، لكن من دون أن يؤدّي ذلك إلى تقويض جهودها للتواصل مع قوى إقليمية نافذة أخرى. بيد أن الوهن الراهن الذي ألمّ بالإخوان، والصورة السلبية التي سادت عن إيران بين العديد من العرب السنّة، تمثّلان عقبة كأداء أمام أي تعاون أوسع..

ترى إيران في الإخوان جسر عبور لتحسين علائقها مع العالم الإسلامي السنّي. وحين نضع في الاعتبار صلات الجماعة وامتداداتها الواسعة، سندرك أنها يمكن أن تكون نصيراً مقنعاً في “محور المقاومة” الإيراني ضد النفوذ الأميركي في المنطقة، وأن تكون أيضاً (وهنا الأهم) الوسيط مع الجماعات الإسلامية السنّية الأخرى التي تناصب إيران العداء.(1)

من وجهة نظر جماعة الإخوان، تخدم العلاقة مع إيران لتظهير الدور القيادي الذي أسبغته الجماعة على نفسها كرائدة لتحقيق الوحدة الإسلامية في العالم. لا بل يمكن أن تُستخدم العلاقات الجيّدة مع إيران كورقة مساومة لانتزاع تنازلات من قوى إقليمية أخرى تعارض طهران، على غرار السعودية ودولة الإمارات. لكن، وبالمقارنة مع الإيرانيين، لم تُظهر الجماعة حماسة كبيرة لزيادة التعاون، بسبب حذرها من حقيقة عزلة إيران الدولية وصورتها غير الإيجابية عموماً في أوساط المسلمين السنّة. وقد عمدت الجماعة، بدلاً من ذلك، إلى الانخراط في اتصالات مع إيران حين كانت ترى ذلك خدمة لمصالحها العامة، كما حدث في أعقاب الصعود السياسي للحركة في مصر.. (2)

وحين انتُخب مرسي رئيساً في حزيران/يونيو 2012، أقدمت الحكومة الجديدة على تحسين العلائق مع إيران، بهدف التشديد على أن رؤية الجماعة تتمحور حول سياسة خارجية جديدة ومستقلة. كما كان قرار مرسي بضمّ إيران إلى جدول أعمال مبادرته الدبلوماسية الكبرى الأولى (التوسّط لحل النزاع السوري)، مؤشراً على أن مصر في عهد الإخوان مستعدة لممارسة نهج يتناقض مع سياسة عزل طهران. وهكذا، اقترحت حكومة مرسي تشكيل فريق عمل يتكوّن من مصر وتركيا والسعودية وإيران لمناقشة وسائل وقف العنف في سورية. وفي حين أن هذه المبادرة الدبلوماسية لم تر النور قط، إلاّ أنها أظهرت أن جماعة الإخوان تعتبر إيران لاعباً إقليمياً نافذاً ويستأهل مقعداً إلى الطاولة، جنباً إلى جنب مع حلفاء مصر التقليديين الموالين للولايات المتحدة.

في آب/أغسطس 2012، سلّم مرسي رئاسة حركة عدم الانحياز إلى مسؤولين إيرانيين في طهران، وأصبح أول رئيس مصري يزور إيران منذ 30 سنة. يومها، قام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بردّ التحية بمثلها من خلال حضور القمّة الإسلامية في القاهرة في شباط/فبراير 2013. كما حاولت إيران تعزيز العلاقات عبر اقتراح صفقات لدعم الاقتصاد المصري المتباطىء، شملت صفقة لترقية سياحة الإيرانيين لمصر، وتقديم شحنات نفط، واتفاقات تجارية متنوّعة.. (3)

وفي تموز/يوليو 2017، انخرطت إيران وجماعة الإخوان في أبرز اجتماع رفيع المستوى بين الطرفين منذ إطاحة مرسي. فقد التقى آية الله محسن أراكي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، إبراهيم منير، على هامش اجتماع لمنتدى الوحدة الإسلامية. وقد أثار هذا اللقاء ردود فعل عنيفة من جماعة الإخوان المسلمين السورية التي انتقدت منير لمشاركته في الاجتماع الذي وصفته بأنه “خيانة لدم الشهداء الذي أهرقته الميليشيات الإيرانية”. ولذا، في حين أن المحادثات بين كبار المسؤولين يمكن أن تكون مؤشراً إيجابياً على التوجهات المستقبلية للعلاقات، إلا أن التدخّل الإيراني في سورية يبقى عقبة أمام تحسّن العلاقات الثنائية.(4)

وفي السياق ،قدّمت وزارة الخارجية الإيرانية العزاء في وفاة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، الذي توفّي خلال جلسة محاكمته، فيما اعتبر رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية السابق بمصر مجتبى أماني أن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة “طعنتا مرسي في الظهر”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، في بيان، إن “إيران، ومع احترامها لآراء الشعب المصري العظيم الواعي، تقدّم التعازي بوفاة الدكتور محمد مرسي إلى الشعب المصري وأسرته وأحبّائه، سائلة المولى تعالى أن يتغمّده بواسع رحمته وأن يُلهم ذويه الصبر والسلوان، والمزيد من النجاح للشعب المصري”، مشيراً إلى أن مرسي هو “أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في مصر”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)(5).

وقد عُدّ هذا الموقف، برأي المراقبين، كتعبير عن استياء إيران من تطور الأمور في مصر لصالح إحكام قبضة الجيش على مقاليد السلطة وإقصاء جماعة الإخوان المسلمين ؛ وبالتالي تراجع المساعي الإيرانية لاستعادة العلاقات مع مصر أو تحسينها، مقابل تزايد النفوذ السعودي والأميركي في هذا البلد.

إيران ومصر في عهد السيسي

في عهد الرئيس المصري الحالي،عبد الفتّاح السيسي، وكان وزيراً للدفاع في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، لم تتقدم الأمور كثيراً بين مصر وإيران، حيث تتشابه العقبات المانعة مع ما جرى في ظل حكم الإخوان المسلمين، وهي عقبات ذات أبعاد سياسية ودينية معقّدة مرّت الإشارة إليها.

فقبيل وصوله إلى سدّة الرئاسة، تطرّق المرشح الرئاسي السيسي للحديث عن أمن منطقة الخليج، مشيراً إلى أن “أمن مصر لا ينفصل عن أمن الخليج”، مؤكداً أن المخاطر تتراجع ولكن التحديات كبيرة أمنياً.

وقال السيسي: “نقول لأشقّائنا في الخليج هي مسافة السكّة”، في إشارة إلى جاهزية الجيش المصري للتحرك لصد أي “عدوان” على دول الخليج، مضيفاً: “لدينا جيش لا ينسى من وقف مع مصر”.

وحول إيران، قال السيسي: “لدينا القدرة على حماية أمننا القومي العربي. إيران تدرك أن العلاقة مع مصر تمر عبر الخليج العربي. الخليج أهلنا ويهمّنا أن يعيش بسلام. كل ما نسعى إليه مع إيران هو علاقة عادلة”.

وشدّد السيسي على أن مصر لا يمكن أن تقبل أن يمس أحد بالأمن الإقليمي الخليجي، مؤكداً “من حقّنا تأمين مصالحنا، كما يحق لإيران القلق على مصالحها”.(6)

وفي الإطار عينه، قال الرئيس السيسي ، في حوارله مع قناة “فرانس 24″،في العام 2017،إن “علاقتنا مقطوعة مع إيران منذ قرابة الـ40 عاماً، ونسعى لتخفيف التوتر الموجود وضمان أمن أشقّائنا فى الخليج”، مؤكداً أننا مع دول الخليج في حفظ أمنها واستقرارها، ومصر جزء من الأمن القومي العربي الذي يشمل أمن واستقرار دول الخليج، مشدّداً على أن مصر تدعم أي إجراءات تضمن استقرار دول الخليج.(7).

ولاحقاً،أكد السيسي دعم بلاده للحلفاء في الخليج العربي، مطالبًا إيران بوقف التدخل في شؤون الدول الأخرى! (8)

بل وزعم السيسي “أن المليشيات الموالية لإيران في سوريا واليمن ولبنان تعمل على تأجيج الصراع بالمنطقة العربية.

وهوشدّد ، خلال جلسة “اسأل الرئيس”، في إطار فعاليات المؤتمر الوطني السابع للشباب بالعاصمة الإدارية، على أهمية الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بعيدًا عن الصراعات وعن الحلول العسكرية. (9)

أما إيران، فانتقدت عبر وزارة خارجيتها ما قالت إنه إطاحة الجيش

بالرئيس محمد مرسي، في أول رد فعل على تطورات الأحداث في مصر، والتي أفضت إلى تسلّم عبد الفتّاح السيسي مقاليد السلطة، في العام 2014.

وقال عباس عراقجي، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، في تصريحات لوكالة (ايرنا) الرسمية، إن كل ربيع يتبعه صيف حار وشتاء بارد ويجب احتمالهما، ولا ينبغي للإسلاميين والثوار تصوّر أن كل شيء انتهى؛ بل إن هذه القضية هي حركة مستمرة .

وأضاف: “نرى أنه من غير الملائم أن يتدخل الجيش في السياسة لإطاحة من تم انتخابه ديموقراطياً”.

وأوضح أن مصر تواجه معضلتين رئيسيتين؛ الأولى هي مطالب الشعب التي يجب تحقيقها، والأخرى هي عدم كفاءة الرئيس مرسي في إدارة البلاد، خاصة الشؤون الخارجية.

وأعرب عراقجي عن أمله بأن تترك التطورات التي تمر بها مصر تأثيراً إيجابياً باتجاه “الصحوة الإسلامية” ،مضيفاً أن بلاده تراقب عن كثب كيف ستوثّر التطورات المصرية على الساحة السورية.

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية إن التدخل في الشأن المصري على النحو الذي أوحت به التصريحات الإيرانية هو أمر غير مقبول، مشددًا على موقف مصر الثابت الرافض للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وأكد المتحدث بدر عبدالعاطي، أن ما تشهده مصر هو حراك وتطورات سياسية، نتاج لإرادة الشعب التي عبّر عنها ملايين المواطنين بشكل واضح منذ “30 يونيو” الماضي، وهي الإرادة التي انبثق عنها خارطة طريق أعلنتها القوات المسلحة المصرية في 3 يوليو، وحظيت بتأييد أغلبية الشعب.

وكانت العلاقات بين مصر وإيران قطِعت بعد اتفاقات السلام المصرية-الإسرائيلية التي وقّعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1979.

لكن إيران رحّبت بقيام الثورة في مصر في العام 2011 ، والتي أدّت إلى تنحّي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم. وقد وصفت ايران هذه الثورة بأنها “ثورة إسلامية “.

وأعلن البلدان استعادة العلاقات بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني .(10)

إيران وتهمة تشييع المصريين

بالعودة إلى عهد مرسي وحكم الإخوان المسلمين،في العام 2013، وحول الاتهامات المصرية(والخليجية) لإيران بتشييع سنّة مصر، لأهداف مذهبية وسياسية، أكد القائم بأعمال السفارة الإيرانية لدى مصر مجتبى أماني في تصريحات خاصة لصحيفة “الجمهورية”، أن “إيران ليست لديها أي أطماع تريد تحقيقها من وراء تطوير العلاقات مع مصر، وأنها تسعى لتحقيق المصالح المتبادلة للبلدين والشعبين من منطلق أن إيران الشيعية سند لمصر السنية ومصر السنية سند لإيران الشيعية”.

ونفى مجتبى الأنباء التي تتردد حول مساعي إيران لإقامة ستة آلاف حسينية شيعية في مصر مقابل دعم الاقتصاد المصري، موضحاً أن “مكانة مصر لدى إيران أكبر من كل المتربصين”.

وكانت أنباء قد تردّدت عن صفقة مصرية- إيرانية تقوم إيران بموجبها بتقديم 30 مليار دولار لمصر وإعادة تشغيل ألف مصنع متوقف، مقابل تسليم المساجد الفاطمية لإدارة إيرانية وبناء آلاف الحسينيات الجديدة!

وأشار أماني إلى أن “الصهيونية تعمل على تحويل الصراع بين السنّة والشيعة للإضرار بمصالح المنطقة. وأن هذه المجموعات التي تتظاهر ليس لديها معلومات كافية عن إيران التي لن تسعى أو تعمل لنشر المذهب الشيعي”.

ونفى القائم بالأعمال الإيراني “حدوث أي اقتحام للمنزل الذي يقيم فيه بالقاهرة”، متّهماً مجموعات مجهولة تعاونها عناصر من المعارضة السورية بتدبير التظاهرات للتشويش على مساعي القاهرة وطهران لبناء علاقات استراتيجية تحترم كل دول المنطقة ضد العدو الصهيوني المشترك”.

وأوضح أن “إيران تتعرض دائماً للهجوم كلّما حاولت مساعدة الدول الإسلامية، وهي لا تريد سوى الخير لمصر ولكل دول العالم الإسلامي”.

وقال: “للأسف أعتقد أن المخطّط الأجنبي يلعب بعقول المتظاهرين، وهم في الأصل مجموعات طيّبة، وأن غالبية الشعب المصري ترحّب بالتقارب بين البلدين”، مشيراً إلى أن هناك فتوى من الخميني بعدم الإساءة لأهل السنّة والصحابة”(11).

في تلك المرحلة أيضاً ،وبعد فتح مصر الباب أمام السياحة الإيرانية، ظهر نقاش في الشارع المصري. فبينما رأى البعض أن هذه الخطوة ستشكّل مدخلاً لنشر المذهب الشيعي وتصدير الثورة الإيرانية، قلّل البعض الآخر من هذه المخاوف، مؤكداً على المردود الاقتصادي للبلاد.

ففي أعقاب وصول أول الأفواج الإيرانية، والذي يضم نحو 30 سائحاً، إلى محافظتي الأقصر وأسوان في جنوب مصر،في شهر نيسان من العام 2013، تباينت الآراء بين الترحيب والرفض التام لاستقبال الإيرانيين في مصر.

وقد صدر بيان عن حزب الأصالة السلفي أعلن فيه استنكاره ورفضه لوصول الفوج السياحي الإيراني إلى أسوان. ووصف الحزب اتفاقية التعاون السياحي مع إيران بأنها”ستارلتغطية مشروع إيران الصفوي الإقليمي العنصري لنشر المذهب الشيعي بالمنطقة”.. !

في المقابل ،عادل عليوة، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قال في تصريح لـ DWعربية إن مصر يجب أن ترحّب بكل الناس من جميع أنحاء العالم؛ فـ”نحن بحاجة للعملة الصعبة والدولار. وكل مصر ستستفيد من وراء إنعاش السياحة التي تأتي بدخل كبير للبلاد”. وعن التخوفات من السياحة الإيرانية، يقول عليوة: “هناك سياحة إسرائيلية في مصر، فكيف لا يكون هناك سياحة إيرانية؟”. وأضاف عليوة: “الكلام عن التشيّع ونشر المذهب الشيعي في مصر بلا مصداقية. فالأزهر متواجد، ومصر متمسكة بدينها وعقيدتها”.

من جانبه، نفى وزيرالسياحة هشام زعزوع، في تصريحات صحفية، وجود أي تهديد للبلاد في ظل السماح بالسياحة  الإيرانية. وقد شدّد على أنه لن يتم السماح للإيرانيين بزيارة المواقع الدينية في مصر. (12)

ولا بدّ هنا أيضاً من التوقف عند جريمة قتل وسحل الشيخ “الشيعي” المصري ،حسن شحاتة،والتي هزّت الرأي العام العربي والإسلامي، وهي حصلت في أواخر حكم مرسي “الإخواني”،في منتصف العام 2013، والذي أظهر وداً للشيعة وإيران إبّان حكمه القصير!.

فقد أصدرت محكمة جنايات الجيزة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة في حي طرّة بالقاهرة، حكماً بالسجن 14 سنة على 4 متهمين في القضية المعروفة إعلامياً بـ”فتنة الشيعة”.

وحكمت المحكمة على 4 متهمين بارتكاب جرائم التجمهر بقصد القتل العمد مع سبق الإصرار.

وقُتل حسن محمد شحاتة، أحد زعماء المذهب الشيعي في مصر، وثلاثة آخرين من أبنائه، بعد توجّه الجناة إلى مكان تواجدهم ومحاصرتهم، مدجّجين بأسلحة بيضاء وعصي وزجاجات مولوتوف، وأجبروهم على الخروج، ثم انهالوا عليهم ضرباً وطعناً.(13)

وعلى أي حال، لم تتغير الادعاءات أو الاتهامات لإيران بمحاولة تشييع أهل مصر في عهد عبد الفتّاح السيسي، لكنها لم تمنع تفعيل محاولات التقريب بين الدولتين والشعبين،حيث كشف موقع “عصر ما” الإيراني ما سمّاه «كواليس وتفاصيل زيارة وفد من قيادات شيعية مصرية إلى إيران، التقى خلالها عدداً من المسؤولين الإيرانيين في طهران وقم والأحواز».

وقال الموقع إن الوفد المصري قدّم شرحاً عن وضع الشيعة في مصر، اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وطالب الحكومة الإيرانية بإعادة فتح سفارتها في القاهرة.

وأضاف: «الوفد ضمّ الدكتور أحمد راسم النفيس، وسيد طاهر الهاشمي ، وعماد قنديل، وكلّهم من مؤيدي النظام فى مصر؛ ورأى أعضاؤه أن عودة العلاقات المصرية- الإيرانية من شأنها أن تشكّل تغييراً جذرياً في العالم الإسلامي ».

وتابع: «الوفد قال للجانب الإيراني إن سياسات الرئيس عبدالفتّاح السيسي لا تحمل أي عداء للشيعة، بعكس التيارات الوهّابية المتطرفة التي تسعى لنشر التطرف».

وذكر الموقع أن عباس الكعبي، عضو مجلس خبراء القيادة الإيراني ، أشاد بدور شيعة مصر، وثمَّن موقفهم من التطورات السياسية في مصر، وطالبهم بأن يبقوا مقرّبين من النظام الحالي في بلدهم.

وأكد الكعبي أن عودة العلاقات الإيرانية- المصرية ستساهم في فتح آفاق سياسية جديدة في المنطقة، حسب تعبيره.

وقال الدكتور أحمد راسم النفيس، لـ«المصري اليوم»: «القيادات سافرت إلى إيران لحضور مؤتمر عالمي ديني يُعقد كل 4 سنوات في طهران خاص بالشيعة حول العالم، وليس بهدف سياسي ».

وأضاف: «المناقشات التي دارت مع الكعبي على هامش المؤتمر تناولت العلاقات الإيرانية المصرية، وكنّا نأمل في توحيد الأمّة الإسلامية لمواجهة المخاطر، بالإضافة إلى الاستفادة الاقتصادية من التعاون بين الجانبين».

وتابع: «ما نُشر عن مطالبتنا بفتح السفارة الإيرانية في مصر غير صحيح، لأننا لسنا مسؤولين في الخارجية المصرية للمطالبة بهذا المطلب؛ والسفارة الإيرانية متواجدة ونشطة»..

وحول التطرق إلى الرئيس عبدالفتّاح السيسي، قال إن القيادات الشيعية التي كانت متواجدة أكدت احترامها للرئيس وسعيه إلى تجديد الخطاب الديني الوسطي البعيد عن التطرف؛ وقالت إن كل تصريحاته وخطاباته لم تتطرق إلى تمييز طائفي، بل كان يتحدث إلى جميع المصريين.

وانتقد النفيس ما وصفه بـ«ادعاءات بعض التيارات المتطرفة المعادية للشيعة فى مصر، باعتبار الزيارات الشيعية لإيران خطراً على الأمن القومي »، مؤكداً أنه سيقيم دعوى قضائية ضد قيادات تلك التيارات(14).

في الإطار عينه، حذّر المرجع الديني بإيران، ناصر مكارم شيرازي، مشيخة الأزهر الشريف من خطر ما وصفه بـ”الحرب الإعلامية والدعائية”، التي قد تؤدي إلى “السقوط في فخ أعداء الإسلام”، في رسالة عبر موقعه على شبكة الانترنت، وذلك على خلفية إعلان الأزهر عن مسابقة ثقافية حول موضوع: “نشر التشيّع في المجتمع السني: أسبابه ومخاطره وكيفية مواجهته.”

وكان الأزهر قد أعلن في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2015 عن مسابقة من قسمين: الأول يتضمن إعداد تقرير علمي عن كتابين تناولا الفكر الشيعي، وكتابة بحث علمي عن جهود الأزهر وعلمائه في مواجهة “المد الشيعي”، والقسم الآخر فني يتضمن إعداد مسرحية تتناول الفكر الشيعي والرد عليه في شكل حواري درامي، وإعداد خطبة “تفنّد مزاعم الشيعة وطرق مواجهتهم” وكتابة قصة قصيرة عن “صديقين اعتنق أحدمها المذهب الشيعي وجهود الآخر في ردّه إلى المذهب السني.”!

ونقلت وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية شبه الرسمية تساؤل شيرازي عما إذا كان “السبيل لمعالجة التحديات بين المذاهب الإسلامية” عن طريق “الخطاب العلمي بين زعماء المذاهب أو الحرب الإعلامية والدعائية وإقامة المسابقات ضد أحدنا الآخر؟”

وأضاف: “في ظل نظرتي المتفائلة التي حملتها وأحملها دائما تجاهكم.. آمل أن تقفوا بكل صلابة وحزم أمام المخطط الرامي إلى حرف الأزهر والعمل على تجنيبه السقوط في فخ أعداء الإسلام والتكفيريين.”

وحذّر شيرازي من “إقامة مسابقات الكتاب والمقالات والمسرحيات ضد المذهب الشيعي والإساءة إلى أنصار مدرسة أهل البيت في مصر بتعابير مشينة للغاية،” واعتبر ذلك “جرس إنذار لخطر انحراف الأزهر عن خط الاعتدال وانتهاج التطرف الذي حصيلته الحرب الطائفية وخسران الفخر التاريخي.”

وقال شيرازي: “إن لا قدّر الله أثارت هذه الهجمات الدعائية حفيظة عدد من المتعصبين من أهل السنّة وأدّت إلى إراقة دماء الشيعة من أبناء وطنكم، وتحدث ردّة فعل مماثلة، ألن يتحمل مسؤولو الأزهر مسؤولية هذه الدماء التي أزهقت من دون وجه حق؟ (15)

إيران وعلاقة مصر بإسرائيل

من الدوافع الرئيسية لحماسة الإيرانيين لاستعادة العلاقات مع مصر، بعد سقوط حكم حسني مبارك، كانت المواقف المفاجئة التي أعلن عنها الرئيس الإخواني محمد مرسي بعيد تسلّمه الحكم، حول احتمال إلغاء اتفاقية كمب ديفيد التي ترفضها إيران بشدّة،مقابل إعادة علاقات بلاده مع الدولة الإيرانية.

فقد دعا الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي إلى استعادة العلاقات الطبيعية مع إيران، وإلى مراجعة اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وذلك في تصريحات له وردت في مقابلة مع وكالة أنباء فارس الإيرانية.

وقال مرسي: “يجب علينا استعادة العلاقات الطبيعية مع إيران على أساس المصالح المشتركة للدولتين وتطوير مجالات التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي، لأنه سيحقّق التوازن الاستراتيجي في المنطقة وهذا كان ضمن برنامجي”.

من جانبه، كان صباح زنكنة، مستشار وزارة الخارجية الإيرانية السابق،قد اعتبر فوز محمد مرسي بسدّة الرئاسة المصرية لحظة فاصلة في مسار العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران، المقطوعة منذ العام1980 بعد الثورة الإسلامية، احتجاجاً من الأخيرة على توقيع اتفاقات كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل عام 1979.

وتوقع زنكنة في حينه، في مقابلة مع “راديو سوا” ، عودة العلاقات الدبلوماسية وصولاً إلى إعادة فتح سفارتي الدولتين في غضون شهرين.

من جانب آخر، قال الرئيس المصري الجديد إن سياسة مصر مع إسرائيل “ستكون سياسة نديّة لأن بلاده ليست أقل من إسرائيل”.

وأضاف مرسي في المقابلة أن مصر ستقوم بالنظر في اتفاقية السلام عن طريق المؤسسات والحكومة، مؤكداً أنه لن يتخذ قرارات منفردة في هذا الموضوع.

وقال: “سنقوم بالنظر في جميع الاتفاقيات، كامب ديفيد وغيرها ،التي تمّت بين مصر وإسرائيل، من أجل تحقيق مصلحة مصر وفلسطين أولاً”.(16)

لكن آمال إيران بنسج علاقات مميّزة مع مصرتبخّرت بعد انقلاب الجيش ووصول السيسي إلى الحكم، والذي لم يكتف بحماية اتفاقية كمب ديفيد مع “إسرائيل” ؛ بل هو دعا وعمل على تعزيز العلاقات العلنية والسرية معها، كما تعترف أوساط إسرائيلية.

فقد ذكر موقع إخباري إسرائيلي أن العلاقات بين تل أبيب والقاهرة وصلت لمستوى تاريخي إلى حد التحالف بينهما تحت ظل نظام الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي.

وقال موقع “أن آر جي” الإلكتروني إن علاقات التعاون بين البلدين “آخذة في التحسن حيث وصلت ذروتها في أكثر من مجال إلى حد التحالف بينهما، رغم أن الشعب المصري لا يزال يتعامل ببرود كبير تجاه إسرائيل”.

وأضاف أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تحت حكم السيسي شهدت تطورات متلاحقة، مقارنة مع ما كان عليه الحال زمن الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث توترت العلاقات مع إسرائيل آنذاك.

وأشار الموقع إلى أن علاقات مصر وإسرائيل وصلت إلى مستوى تاريخي في هذه المرحلة، وظهر ذلك من خلال شواهد أخيرة أهمها الزيارة التاريخية لوزير الخارجية المصري سامح شكري لإسرائيل، وإعادة السفير المصري لإسرائيل منذ 2012، وإعادة افتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة التي كانت مغلقة لأربع سنوات؛ وللمرة الأولى تصوّت مصر لصالح إسرائيل في إحدى لجان الأمم المتحدة.

ومضى الموقع إلى القول إن الدولتين تتعاونان عسكرياً في الحرب الدائرة ضد مسلّحي تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء، بما في ذلك قيام طائرات استطلاع إسرائيلية بمهاجمة أهداف في قلب شبه الجزيرة. كما سمحت تل أبيب للقاهرة بزيادة عدد قواتها العسكرية في سيناء، بعكس ما نصّ عليه اتفاق السلام بينهما في كامب ديفيد؛ إضافة إلى تنسيق جهودهما ضد حركة حماس بقطاع غزة، حيث تعملان معاً ضد الأنفاق على حدود غزة وسيناء.

وأوضح الموقع أنه في الوقت الذي وجّهت فيه إسرائيل حروباً عدة ضد حماس في غزة، فقد أطاحت مصر بالإخوان المسلمين -التي وصفها بالجماعة الأم لحركة حماس- والتي حكمت مصر قبل السيسي. كما تجلّى تعاون مصر بشرائها الغاز الإسرائيلي بكميّات كبيرة.

وختم بالقول إن الأمر وصل بالسلوك المصري الحالي إلى حد أن يحبط الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية الهادفة لعزل إسرائيل في الساحة الدولية.(17)

 خاتمة

على الرغم من كل المحاولات الجادّة التي جرت لإعادة العلاقات بين الدولتين القويتين،مصر وإيران، منذ سقوط نظام حسني مبارك في العام 2011،إلّا أن هذه المحاولات لم تُفلح سوى جزئياً، لأسباب سياسية واقتصادية ومذهبية معروفة؛ناهيك عن التأثير الأميركي والإسرائيلي ،الواضح أو المستتر،في إفشال هكذا محاولات، لأن أي تقارب مصري – إيراني سينعكس سلباً على الروابط الوثيقة، المعلنة والخفيّة،بين مصر وكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى مختلف الصعد.

ومع تشابه العقبات السياسية أمام استعادة العلاقة الكاملة بين مصر وإيران، في عهدي مرسي الإخواني والسيسي العلماني، الآتي من المؤسسة العسكرية الأقوى في البلاد(الجيش) ،فإن احتمالات تطوّر هذه العلاقة، “الباردة” حتى الآن، تظل قائمة،بلحظ تبدّل الرؤى أو المصالح السياسية لكلا الطرفين المعنيين، والتي قد تطغى على أي عوامل دينية  كابحة ،لا تزال مؤثّرة بشدّة، وتحديداً لدى النظام المصري الذي يحسب حساب الحساسيات المذهبية والقومية، كما يحسب حساب المبالغ الطائلة التي ُقدّمت له خلال السنوات الماضية من قبل بعض دول الخليج لإبعاده عن إيران.. والشيعة، قدر الإمكان!

تمّ نشر البحث على موقع المعهد المصري للدراسات، 1سبتمبر 2021.

 

الهوامش

7 يوليو/ تموز 2013.

(15) مرجع ديني إيراني يحذّر الأزهر من “السقوط في فخ أعداء الإسلام” بعد مسابقة عن “المد الشيعي” ،موقع CNN عربي، 30 ديسمبر / كانون الأول 2015.

(16) مرسي يدعو إلى استعادة العلاقات مع إيران ومراجعة اتفاق السلام مع إسرائيل،موقع قناة الحرّة،25يونيو2012.

(17)موقع إسرائيلي: علاقات تل أبيب بالقاهرة وصلت حد التحالف، موقع الجزيرة نت،

23/11/2016.

Exit mobile version