ليلى عماشا – كاتبة لبنانية
وجاء من أقصى الهيبة الفارسية فارسٌ للقدس، حبيبٌ لبغداد، خليلٌ لبيروت، درعٌ لدمشق وقمر لصنعاء.
بل جاء من أقصى العشق عاشقٌ مدجّج بطهر كرمان، حنون كجبل عامل، متين كصخور صعدة، نقيّ كياسمين الشام، ساحر كنسمات النجف، وبهيّ بهيّ كطلّة قبّة الأقصى.
جال في مدن المستضعفين شمسًا، وحلّ في بيوت الفقراء شعلة من حنان الله.. ببسمة ربّت على رؤوس اليتامى، وبدمعه، بدمعه السخيّ، أراد لو يروي كلّ عطاشى الأرض..
عامٌ مرّ، والدمع يرافق ذكره والجرح غزيرٌ لا ينضب، والبردُ كثيف لا يغفو، والغضب حريق لا يخبو، والثأرُ القادم وعد الله ورجاله في ميادين القتال، وفي ساحات العشق على امتداد المحور.
عامٌ مُرّ، والقلوب تلاحق الصور، تقف عند عينين ينطوي فيهما العالم كلّه، تقتفي أثر البسمة تشكو لها وجع الفقد وكل وجع، وتمسح بكفوف النبض حيث كانت تجري دموعه وترجوه شفاعةً وتصغي إليه مجيبًا أن “يقينًا كلّه خير”..
عامٌ ثقيل، وما زالت بذاكرة مروره تمسح أجفانها السواتر، وما زال غبار الاشتباك يحكي حكاياته: هنا تقدّم، هنا عبر زخات الرصاص باسمًا، هنا استراح برهة بين قذيفة وصيحة.. هنّا ضمّ ضفاف الجرح عند ضلوع شهيد، وهنا شارك بدمعه جريحًا ينزف، وهنا هلّل للنصر حامدًا شاكرًا دامعًا كالفرات لا يستريح..
عامٌ دامع، وما زادنا البكاء إلّا صلابة، فمن لم يبكِه حُرم نعمة تمييز الحق من الباطل.. نبكيه جهارًا، لا يُخجلنا دمعنا في حضرة ذكره.. أيّ شرف عظيم أن تحظى عيوننا باحتراقها دمعًا في محضر صوته وصوَره.. أوليس البكاء على الأولياء شرفًا للعاشقين؟!
عامٌ حافل، وما زلنا نحترق بصقيع الفقد العظيم، ولا يواسي بردنا إلّا اليقين بيقينه أن “كلّه خير”..
عامٌ متعِب، وكثيرًا ما همست القلوب بحزن يبلغ الشكوى أن “منذ رحيلك لا شيء على ما يرام”، وما زال صوته القدسي يجيب أن “يقينًا كلّه خير”، فنخجل من شكوانا ونشدّ ضحكته سياجًا من ورد حول الفقد وحول الغضب.
عامٌ على فجر الفاجعة، وعيوننا لم تزل تحدق في كفّه تعانق أرض بغداد، في خاتمه، في الحريق وفي دمه، فنتلعثم بين شهقة وتسليم ثمّ تصرخ الروح فينا: الموتُ لأمريكا.
نقلاً عن موقع العهد