فاطمة شكر | كاتبة وإعلامية لبنانية
قُضيَ الأمر ، إنفجر الوضع الإجتماعي ومعه الوضع الأمني ، بات الشعب لا يعيشُ في دولةٍ قوامها الأساسي القانون والنظام ، بل بات يعيشُ في غابةٍ أو مزرعةٍ سيأكل القوي فيه الضعيف وهذا ما نشاهده من إنهيار وإنفجار إجتماعي.
سلطة وهيبة الدولة سقطت بسبب سياستها وممارساتها التي قادت البلد الى هذا الدرك ، وها هي الإحتجاجات تعود الى مدينة طرابلس . إحتجاجات يعودُ مصدرها الحقيقي الى الجوع والفقر والعوز الذي وصل اليه المواطن اللبناني . وأمام هذا المسلسل الذي بتنا نشاهده يومياً على شاشات التلفزة من تكسيرٍ وإحراق ورمي للحجارة بات الأمر شبه مؤكد أن الشرارة الملتهبة عادت وبقوة .
يبدو أن الأجواء الطرابلسية أصبحت تمثل حالة تختصرُ كل ما يجري على الساحة اللبنانية ، حيث أن طرابلس هي الحلقة الأضعف في إعادة الشارع والشوارع اللبنانية الى الفوضى وتعكير الوضع الأمني والأمان للوطن وضرب الأمن الإجتماعي بالإضافة الى رسائل سياسية موجهةٌ في كل الإتجاهات ، فيما الفقراء يطالبون بمعرفة حقيقة ما يجري . مبادرةٌ ما ستبصر النور في القريب العاجل لكن البعض لا يزال يغرد خارج السرب بعيداً عن أي حلول من شأنها إستبعاد هؤلاء لمرحلةٍ جديدة آتيةٍ لا محال .
الواقع الأليم لمدينة طرابلس منذ وقتٍ بعيد والذي يتجلى بالفقر والإهمال والتهميش لهذه المنطقة حولها إلى أرض خصبة للإستثمار السياسي .
وفِي المعلومات فإنَّ مصادر مطلعة من مدينة طرابلس أشارت الى أنه بعد إنعاش المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ماكرون وتعديل الموقف الأميركي والذي صار أكثر مرونةً إتجاه لبنان ، هبت بعض القوى السياسية الى تحريك الشارع السني ، لأن الكواليس تُشيرُ الى أنَّ تشكيل الحكومة بات سهلاً ، وأن نسيجاً وطنياً كان مستبعداً في المرحلة السابقة سيكون ضمن الحكومة العتيدة التي ستشكل وهو الحزب ، مما دفع بالمتضررين من الموقف الفرنسي والأميركي الى تحريك الشارع في طرابلس ومناطق أخرى .
ويتابع المصدرُ نفسه أن هناك محاولة لتغيير الوقائع من خلال نشر الفوضى والشغب بين المحتجين الذين ينزلون الى الشارع والساحات ويقومون بعمليات التكسير وحرق الدواليب .
ويؤكدُ المصدر السياسي أن من يدفع الشارع السني الى الإحتجاجات هو نفسه من لا يريد حكومة فيها الحزب ، ناهيك عن أنَّ هؤلاء تفاجؤا بالموقف الفرنسي المتفهم لدور الحزب وهذا ما دفع الطرف الآخر الى محاولة قلب الطاولة على الجميع وإدخال البلد في حالةٍ من الفوضى ، إضافة الى إصرار هذه القوى على إستهداف العهد وهذا ظهر جلياً من خلال الشعارات التي يرددها المتظاهرون بشكلٍ مستمر ضد العهد ، إضافةً الى إصرار المحتجين على إستهداف المؤسسات الرسمية التابعة للدولة . ويتابع المصدرُ نفسه أنه بات من الواضح أن خريطة الإحتجاجات محصورة في المناطق السنية ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنه يدلُ على أن القوى السياسية السنية المعادية للرئيس المكلف سعد الحريري لن توفر أي ثغرةٍ من أجل تحويل هذه المناطق الى مناطق تقفُ في وجه الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وتقتل وتجرح البعض منهم .
لا طعام ، لا دواء ، لا مأوى ، لا تدفئة ، أدنى مقومات الحياة باتت غير موجودة عند فئةٍ كبيرةٍ من الشعب اللبناني لا بل عند القسم الأكبر منه ، ومنذ فترةٍ تُحذرُ المنظمات الإجتماعية من أن الوضع بات غير معقول وغير مقبول، لكن الطبقة السياسية الحاكمة أصرت على أن تبقى صماء ، وما عودة التحركات الإحتجاجية إلا نتيجة لسياسة التطنيش التي إعتمدتها فئةٌ كبيرةٌ من القوى السياسية ، وهذه المرة يبدو أن الإحتجاجات ستأخذُ مساراً آخر لا يشبه ما سبق .
غيابُ الدعم والمساعدة من قبل الدولة ، وتقاعسها في الكثير من الملفات ، وغضها النظر عن الأمور المصيرية جعل الدولة أمام مفترق طريقٍ ، إما إتخاذُ قراراتٍ إنقاذية أو إنهيارٌ أمنيٌ وإجتماعي بدأنا نعيشه ..