ثريا عاصي | كاتبة وباحثة لبنانية
لا نبالغ في القول أن الطريق إلى الجنوب اللبناني تُقطع بين آونة وأخرى عند مفترق خلدة، وأحياناً عند بلدة الناعمة أيضاً. أنا لا أعلم في الحقيقة علم اليقين، ما هي مبررات هذه التصرفات وهذا السلوك، ومن هم المبادرين إليها وما هي أهدافهم، كون الذين يسلكون هذه الطريق متعددي الطوائف والطبقات الإجتماعية، ناهيك عن إختلاف آرائهم في ما يتعلق بالأوضاع السائدة. ولكني أميلُِِ في هذه المسألة الى الإعتقاد بأن العلاقة التي تربط أهل الجنوب ببيروت مميزة من تلك التي تربط بينها وبين المناطق الأخرى. من البديهي أن المجال هنا لا يتسع للغوص في التفاصيل، لذا أقتضب لأذكر بأن هذه الطريق هي حبل السرة الذي يتزود بواسطته أهل جبل عامل بالكتاب والغذاء والدواء والسلاح منذ إحتلال فلسطين في الـ 1948 وفي سنوات السبعينات من القرن الماضي، وخاصة بعد الغزو الصهيوني في سنة 1982. إن هذا كله يضفي على طريق الجنوب رمزية وطنية وقومية، ينبني عليه أن «معركة خلدة» والحواجز التي تعيق المرور على طريق الجنوب هي بحسب اعتقادي أعمالٌ مشبوهة حتى إثبات العكس.
بالعودة إلى مقتَلة خلدة، التي لها تأريخ. كونها وقعت بالتزامن مع جهود ملموسة هادفة الى التحريض والتحشيد والشحن العصبي بمناسبة مرور عام على تفجير المرفأ (مرفأ بيروت)، دون أن ُيكشف الستار عن خيوط هذه القضية، فعلى الأرجح أن بعض الأفرقاء على الساحة يريدون مصادرتها وتوظيفها كالعادة لبلوغ مآربهم.
وأغلب الظن أن لهذه المقتلة أيضاً خطة دعائية وإعلامية أعدت مسبقاً لمرافقتها، كما توحي بذلك السرديات التي انتشرت كالنار في الهشيم من بيروت الى طرابلس، والمزاعم عن «سيارات نجدة معبأة بالسلاح» !. تحسن الإشارة هنا الى أن احد أعضاء المجلس النيابي الموقر إضطلع بدور المدعي العام في توزيع التهم يَمنة ويَسرة.
والدليل على أن هذه المقتلة كانت مدبّرة، هو أنها تجاوزت حدود الخلاف الفردي، أو لنقل أنها تجاوزت حدود الإنتقام والثأر من شخص لا نعرف أنه أدين أمام القضاء، هذا إذا سلمنا جدلاً أن « للعشائر العربية « قانوناَ وأعرافاً يجب احترامها في المجتمع الوطني. فلو كانت المسألة «ثأرية» إنسجاما مع العرف القبلي وحسب، لما أقدم أشاوس القبيلة أو العشيرة العربية في اليوم التالي على قتل ثلاثة أشخاص وإصابة عدد آخر بجروح من بين المشاركين في جنازة المثؤور منه. لا سيما أنه من المحتمل أن تتسبب هذه الفعلة، بالرجوع الى العرف القبلي نفسه، للمطالبة بدمائهم والإنتقام لهم. وما يثير الريبة في هذا الأمر، هو أن قتلة اليوم الثاني تواروا في أغلب الظن عن الأنظار.
خلاصة القول يحق لنا استناداً إلى ما تقدم، اعتماداً على قراءة استدلالية لما تناهى إلى العلم، أن نأخذ، حتى إثبات العكس، بفرضية مفادها أن مقتلة خلدة هي إعتداء مسلّح على فريق وطني، له وجود بارز على الساحة، من المعلوم لجميع الأفرقاء دون استثناء، سواء الحلفاء والخصوم، أن هذا الوجود مزعج للدولة الصهيونية ولجميع الدول الغربية التي تقف إلى جانبها. ينبني عليه أن هذا الإعتداء ذو صلة بمحاولة استخدام قضية تفجير مرفأ بيروت في مسار منحرف، بالتلازم مع افتعال صدام مع الفريق المعتدى عليه في خلدة، لعل ذلك يؤدي الى إلصاق تهمة جديدة به على النسق المعروف منذ 2005، تساعد أو تبرر الاستعانة بدول الغرب ضده كما يجري، ويا للأسف في بلاد القبائل العربية منذ سنة 1990.