ثريا عاصي | كاتبة وباحثة لبنانية
تتفاقم الأزمة الداخلية في لبنان فتتعدى الحدود الإقليمية الى المستوى الدولي. المفارقة في هذه المسألة أن ما يجري في لبنان يتلازم مع انسحاب قوات حلف الأطلسي من أفغانستان، حيث يمكن القول دون حرج، أن حصيلة إحتلال هذه البلاد طوال عشرين سنة تقريبًا، اقتصرت على تشريد الناس وقتل الكثيرين وتدمير العمران ودعم الجهل والتجهيل والتخلف. لذا يحق لنا أن نتساءل عن النتائج التي يرمي إليها الحلف الأطلسي في لبنان بعد إعلان الناطقين باسمه عن انهيار الدولة وعن استعدادات لإنزال قوات، تدخل سريع، عسكرية ( Task Force ) في سياق سيرورة تأسيسية لدولة جديدة.
من الطبيعي أن يثير تدخل الحلف الأطلسي المخاوف والقلق لدى الناس. فليس من حاجة الى التذكير بالتطورات الخطيرة التي وقعت في بلادهم قبل أن تتمدد لتشمل كامل البقعة الجغرافية في المثلث الذي تحده الجزائر واليمن والخليج العربي ـ الفارسي. ينبني عليه أنه لا بد من أن نأخذ بعين الإعتبار أن الناس، جميع الناس، في لبنان وفي الأقطار العربية التي تعرضت خلال السنوات الثلاثين الماضية لحملات عسكرية قام بها الحلف الأطلسي، هم معنَتون ومضللون. بالتالي سيكون من الصعب جدا أن ينتظموا دفاعاً عن الوجود في آن في مواجهة مباشرة مع قوات التدخل السريع الغربية والمتعاونين معها في بلادهم نفسها، علماً أنهم منعوا أو عجزوا أو تجنبوا أو تغاضوا خلال ثلاثين عاماً مضت عن تقليم أظافر العملاء والوكلاء الذين لم يتوانوا عن العربدة وعن السطو على الأملاك الخاصة والعامة وعن التضييق على الناس وإذلالهم.
لا شك في أن الحلف الأطلسي سوف يحاول الدخول إلى لبنان من بوابة مجلس الأمن الدولي، كما فعل في ليبيا ونجح في الوصول الى مبتغاه، ولكنه فشل في سورية لأن الحكومة السورية رفضت تدخله، فمنح ذلك الروس والصينيين شرعية وقوة لممارسة حقهم بالنقض ضد قرار دولي مجحف من المعروف أن الثنائي الفرنسي ـ الأميركي قدمه وأن دولة قطر مولته باسم تركيا والدول الخليجية الأخرى. فعلى الأرجح أن هذا الفشل في مجلس الأمن جعل التدخل الغربي في سوريّة محدوداً وغير مباشر في غالبيته، تحت عنوان «التدخل الإنساني» ثم تحت عنوان «محاربة الإرهاب» أيضاً، بعد مرحلة جرى خلالها كما هو معلوم تجنيد الإرهابيين وإعدادهم ودفعهم إلى ساحات القتال من قبل القوات الأطلسية نفسها.
لذا لا مفر من التساؤل إستناداً إليه، عن الموقف الذي من المحتمل أن تتخذه الحكومة اللبنانية من قرار يتقدم به «الثنائي» الغربي الى مجلس الأمن لإضفاء شرعية على تدخل قوات الأطلسي «إنسانياً» و «ضد داعش» أيضاً.
تجدر الملاحظة أن الناطق باسم التحالف الغربي كان صريحاً جداً عندما قال أن لبنان «الذي كان» قد انتهى، وأن غاية «قوات التدخل السريع» هي توفير الظروف الملائمة «لتأسيس» الدولة ولأعمال الإغاثة اللازمة بالإضافة إلى «محاربة داعش». أغلب الظن أن مصطلح «محاربة داعش» يعني في هذا السياق «الإرهاب» بحسب المفهومية الغربية وتحديداً الأميركية ـ الأوروبية.
مجمل القول أن قوات الأطلسي لا تعترف بالحكومة اللبنانية، وبالتالي لن يكون بمقدور هذه الأخيرة التعبير عن موقف موحد أو أنها ستمنع أو ستمتنع، هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإن هذه القوات تؤكد في المنطوق الذي نحن بصدده على أن البلاد واقعة تحت تهديد حركة «إرهابية».
يبقى أن نقول أنه لا يجوز منطقياً وموضوعياً أن تحرفنا الحماسة والمناكفة والكيدية عن الأهداف الحقيقة من التدخل الغربي في بلادنا. وبالتالي لا يمكن الفصل بين ما يجري في سورية وما يُرسم حالياً في لبنان، والعكس صحيح.
وفي الختام، أغلب الظن أن الإضطرابات التي يشهدها لبنان وسورية ما هي إلا امتداد لحرب تموز 2006، التي أزعم أنها لم تـُقـْرأ جيداً!