طالبان – كوريدا دو توروس
العميد الركن ناجي الزعبي | كاتب وباحث اردني في الشؤون السياسية والعسكرية
تذكرنا الهزيمة الاميركية بافغانستان بمصارعة الثيران الاسبانية (كوريدا دو توروس ) حين يتصدى ويلوح المصارع للثور الهائج بقطعة القماش الحمراء فيتقدم الثور بلا وعي وبصيرة لهدفه ، فقد غادرت اميركا افغانستان وتركت الثور الهائج لتلوح له من الخارج بقطعة القماش الحمراء باتجاه الاهداف التي تريدها لتوجه لها طالبان بلا بصر ولا بصيرة .
بعد دخول طالبان كابول ومغادرة غني وتسليمه السلطة وبالهزيمة فقد طوت اميركا ملف افغانستان بهزيمة مبرمة مذلة ستكون لها تداعيات كارثية على مستقبل الراسمالية الاميركية المالية برمتها .
وبرغم زراعتها لحقول الالغام الطائفية والمذهبية وتمكين طالبان المغرقة بالتخلف وبالجهل المطبق من الازدياد نفوذاً وقوة بالاسلحة والمعدات والذهائر الاميركية لتكون بؤرة توتر تشيع الجهل والموت والدمار والتكفير والتخلف والحرائق على غرار ما فعلته داعش بالعراق وسورية ، وحصار روسيا وقطع الطريق على الصين ومشروع طريق واحد وحزام واحد العملاق ، وتهديد ايران ودول الجوار وادخال المنطقة بحيص بيص الاقتتال الديني والعرقي والمذهبي السني الشيعي ، والسني السني الخ .. الا انها غادرت بطريقة مشينة مهزومة تراكم سجل الهزائم الممتد من فيتنام ولاوس وكمبوديا للعراق وافغانستان الخ.
لقد اتقنت اميركا اساليب العبث بمكونات البلدان التابعة وتغيير وجوه الحكام والقوى والحركات والاحزاب التابعة التي انتهت مدة صلاحيتها او التي استنفذت اغراض بيع الاسلحة واعادة الاعمار بادوات وحكام واحزاب وحركات اخرى كما فعلت بمصر وتونس وليبيا والسودان والجزائر والعراق وهاهي تمارس اللعبة بافغانستان فلا فرق بين اشرف غني وعبدالله عبدالله وكرازاي – وطالبان كما هو لا فرق بين مرسي والسيسي والبشير وحميدتي الخ .
لقد تسبب غزوها لافغانستان العراق بتسديد ضربة موجعة للاقتصاد الاميركي حيث ان مردود حماية حقول زراعة المخدرات بافغانستان وتصدير الارهاب للوطن العربي تمهيداً لتصديره لروسيا والصين ، كما ان نهب ثروات العراق ونفطه لم يعطي ثماراً ومردوداً لاميركا بحجم الاكلاف الباهظة التي تحملتها والتي ناهزت من ٣ الى ٤ ترليونات دولار ، ناهيك عن الخسائر بالارواح والمعدات والموارد والثروات والبنى التحتية .
لقد بلغ اعلى رقم لقوات الغزو العسكري الاميركي في سنة ٢٠١١ ( ١١٠) الاف جندي اميركي وهذا رقم كبير جداً يحتاج لانفاق طائل وبلغ حجم قوات الغزو الاميركي للعراق ما يناهز ال ١٥٠ الف جندي اضافة ل ٤٦ الف جندي بريطاني .
والاكثر خطورة في تداعيات الغزو والبلطجة الاميركية هو العجز الفاضح عن مجابهة التحديات الصينية والروسية بعد كل الخسائر في الارواح والمال والموارد وبعد تدمير البنية التحتية ومؤسسات الدولة في العراق وافغانستان .
من المنتظر ان تختلط اوراق الصراع الافغانية الروسية والصينية بعهد طالبان وبعد ان يسفر غبار المشهد عن التداعيات ستكون ايران التي تعي طبيعة وجوهر الصراع والتركيبة الاجتماعية العرقية والمذهبية حاضرة بقوة لترتيب الاوراق وادارة الدفة .