ماجدة الحاج | كاتبة لبنانية
عادت عمليّة تفجير مرفأ بيروت الى الواجهة مجدّدا لتفكّ جزءا هامّا من شيفرات هذا التفجير الذي بقي “لُغزا” محيّرا حتى الأمس القريب، حين تمّ الإطباق على شحنة تحوي 20 طنّا من نيترات الأمونيا في الطريق المؤدي الى بلدة إيعات البقاعيّة، وليتبيّن بعد فحص محتواها انّ نسبة الآزوت فيها تبلغ 34,7 –اي مطابقة لنسبة الازوت في شحنة النيترات التي فجّرت مرفأ بيروت، وانّ ملكيّة الشّحنة تعود لمارون الصّقر، شقيق القيادي القوّاتي المتّهم بتخزين حوالّي مليونَي ليتر من الوقود تمّ ضبطها في منطقة حوش الأمراء بمدينة زحلة في 16 آب الماضي.. وسط تساؤلات كبيرة حول معرفة الصّقر “المُسبقة” بالحصار الأميركي المُزمع على لبنان، في وقت كانت مصادر صحفيّة مواكبة تكشف عن غرفة عمليّات استُحدثت في السفارة الأميركية في بيروت لتعميم الأوامر على قادة احزاب وتيّارات موالية لها، بتجفيف السوق اللبناني من كافّة المحروقات كما الدّواء وكلّ ما من شأنه ان يُحكم الحصار على لبنان.
هذا قبل الكشف عن نيترات الصّقر التي أُحيطت بعلامات استفهام كبرى حيال كيفيّة تعاطي المحقّق العدلي “المتراخية والمريبة” في هذه القضيّة، على وقع إشارة المصادر المواكبة الى ضغوط سعوديّة وأميركية بهدف “تمييع” التحقيق وإبقاء سهام الإتهام حصرا صوب حزب الله، خصوصا بعدما كشفت معلومات صحفيّة اليوم انّ مدير المشتريات في مستودع سعدالله الصلح أقرّ خلال التحقيق معه، انّ السفيرة الأميركية في بيروت التقت القيادي القوّاتي ابراهيم الصّقر وابلغته عزمها إزاحة الإتهام عن شقيقه وتوجيهه الى “الثنائي الشيعي”، جازما انّ لديه ادلّة تُثبت صحّة كلامه.
رغم اهميّة الإطباق على كميّات النيترات لدى مارون الصّقر، ومطابقة نسبة الازوت فيها مع تلك التي احتوتها نيترات المرفأ، ما يُسهّل الكشف عن خيوط هامّة كانت مُبهمة حتى الأمس القريب، الا انّ ما بدا لافتا منذ واقعة فجر “خميس النيترات”، هو محاولة “تصغير” اهمّيتها تزامنا مع تركيز محطات التلفزة المحليّة المُموّلة سعوديّا، على “حصر” استخدامات النيترات المضبوطة مع الصّقر في مجال المقالع والكسّارات!
محطّات مُريبة اثارت الشكوك حيال قضيّة نيترات الصّقر منذ الإطباق عليها.. لماذا مرّت هذه القضيّة على ثلاث اجهزة امنيّة في غضون يومين؟ ولماذا المماطلة بالتحقيق فيها وهو ما استهجنته اوساط حقوقيّة؟ رغم ادراك المحقق العدلي اهميّة ارتباط هذه النيترات بالشّحنة الأمّ في مرفأ بيروت؟ وحيث تبدو مُستغرَبة تلك التسريبات المستجدّة التي عادت ونفت ارتباط نيترات الصّقر بنيترات المرفأ.. والأكثر ريبة يكمن بتقصّد تسريب معلومات عن تعرُّض المحقّق العدلي لتهديد مسؤول وحدة الإرتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا بالتزامن مع الغبار الذي احدثته مماطلة المحقق العدلي حيال نيترات الصّقر.. وكأنّ المطلوب تعمُّد إزاحة انتباه الرأي العام عن قضيّة الصّقر نحو مكان آخر!
من هنا يمكن الرّكون لمدى الضغوط الخارجيّة على هذه القضيّة برمّتها خوفا من ان تقود التحقيقات الجدّية فيها الى تحديد الجهات المسؤولة عن تفجير المرفأ.. مع التذكير بأنه رغم مضيّ عام ونيّف على واقعة التفجير، فإنّ دولا اقليميّة لا زالت تمتنع عن تزويد لبنان بصور الأقمار الصّناعية للمساعدة في كشف ما حصل يوم الرابع من آب.. تماما كما أُريد لعمليّة اغتيال الرّاحل رفيق الحريري، ان تبقى الجهات الإقليميّة التي حبكت هذه العمليّة “مجهولة”، وإزاحة الإتهام صوب حزب الله.. ولذلك دفع العقيد جوزيف سكاف- المسؤول في جمارك المرفأ الثّمن غاليا حين طالب السلطات المعنيّة بإبعاد سفينة النيترات وحمولتها الخطرة بشكل فوريّ عن مرفأ بيروت وأصرّ على مطالبته.. فكان ان تمّ إسكاته وتصفيته عبر رميه من ارتفاع!
المؤكّد انّ المضيّ جدّيا بالتحقيقات في قضيّة نيترات الصّقر ستودي برؤوس كبيرة متورّطة بعمليّة تفجير المرفأ ولو من باب الإهمال “المقصود”.. وقد لا يقتصر الأمر على زعيم القوّات حصرا، أقلّه معرفة تلك الرؤوس بخطورة شحنة النيترات التي استقدمتها باخرة روسوس الى المرفأ عام 2013 ، والسّكوت عنها لسنوات طويلة بإيعاز خارجيّ.
وقتذاك كانت الحرب السوريّة في أوجها، وبرز تنظيم “داعش” لاعبا دمويّا اضافيّا تمّ استقدامه الى الملعب السوري.. قبل ان يتمدّد –بإيعاز خارجيّ ايضا ومساعدة مسؤولين وقادة احزاب داخليّين الى هذا البلد..طالما انّ العداء المشترك لحزب الله يُبيح المحظورات.. ولم تكن مجرّد صدفة ان تُسرق كميّات كبيرة من نيترات المرفأ في تلك الفترة التي انخرطت فيها تلك الأحزاب والتيّارات في فصول الحرب السوريّة الى جانب الجماعات المسلّحة، حيث حاجة مسلّحي “داعش”- كما اقرانها في جبهة النّصرة، كانت كبيرة لهذه النيترات لتصنيع عبوات التفجير، خصوصا انّ “الرؤوس” المهيمنة على ادارة المرفأ تتبع بغالبيّتها لتلك الأحزاب، ما سهّل عمليّات تهريبها، وللمفارقة كان كلّ ذلك يجري امام أعين بوارج اليونيفيل.. من دون إغفال الكشف عن باخرة “لطف الله” التي تمّ استقدامها الى مرفأ طرابلس في نفس الحقبة بحمولة تسليحيّة ضخمة- بجُزأيها 1 و 2، لصالح الجماعات المسلّحة في سورية.
ويبقى انّ الحدث اللافت في قضيَة نيترات الصّقر، يتعلّق بوشاية “أحدهم” التي اوصلت الى الإطباق على الشّحنة. رغم انّ صاحب المستودع –وخوفا من انكشاف امرها، بادر الى نقلها منه صوب مكان آخر.. الا انّ ثمّة من وشى به وحدّد مسارها بدقّة. ويُعتقد بحسب تسريبات صحفيّة، انّ “الواشي” من الدّائرة المقرّبة للأخوَين الصّقر.. ليعود الكلام مرّة اخرى عن “حالات تمرُّد” يجري التكتّم عليها داخل الحزب المعني، حيث صدح إحداها مؤخرا حين غرّدت بعيدا جدا عن ولاء وتوجّهات قيادتها الحزبيّة، بشُكر ايران على مساعدتها للبنان، واعتبار ان ما من عدوّ للبنان سوى “اسرائيل”
إشارةٌ توقف عندها محلّلون ومراقبون باهتمام، وذهبت مصادرهم الى اعتبارها نقطة انطلاق في سياق “تغييرات جذريّة” قادمة الى المنطقة والإقليم ولبنان ليس بعيدا عنها، على وقع عقد تحالفات دوليّة جديدة مُرتقبة و”فَرط” اخرى، وحيث سيشهد لبنان –بحسب المراقبين، مفاجآت عديدة مقبلة أسّست لها بواخر النفط الإيرانيّة التي سجّل من خلالها حزبُ الله، نصرا على الأميركيين و”الإسرائيليين” من خلال “كسر اضلاع” قانون قيصر عن لبنان وسورية..
وعلى الأرجح ستكون اهمّ المفاجآت المقبلة زيارة رسميّة تقود شخصيّة لبنانيّة “رفيعة المستوى” الى دمشق- وفق ما كشف مصدر في صحيفة “لو باريزيان” الفرنسيّة، على وقع تسريبات نُقلت عن احد قادة محور المقاومة ألمحت الى حدث “هام” سيُفجّر من خلاله حزبُ الله مفاجأة اخرى تستقطب اهتمام الرأي العام اللبناني والدّولي!
معلومات النص على مسؤولية الكاتب ولا يتحمل موقع المراقب اية مسؤوليات ناتجة عنه