شوقي عواضة | كاتب واعلامي
منذ عودة العميل عامر فاخوري (جزّار الخيام) لم تتصاعد وتيرة عودة العملاء وحسب بل إنّ الأمر تعدّى ذلك حتى وصل إلى مبادرة البعض للتّواصل مع العدو «الإسرائيلي» وعرض خدماتهم عليه، لا سيّما في ظلّ الأزمات الاقتصاديّة والفوضى التي تعمّ لبنان وتوفّر وسائل التواصل المتعدّدة واعتماد أساليب جديدةٍ في المراسلات وتسليم الأموال والمهمّات بعد سقوط أساليب المخابرات «الإسرائيلية» أمام جهاز أمن المقاومة والأجهزة الأمنيّة، من البريد الميت والصندوق الأسود وغيرها من الأساليب التقليديّة. وفي ظلّ غيابٍ كامل للمحاسبة القانونيّة والقضائيّة التي تقتضي وفقاً للقانون في أيّ بلدٍ سياديّ ومستقلّ أن لا يتمّ التّهاون في محاسبة ومحاكمة كلّ من تسوّل له نفسه الاتصال بالعدو والتّعامل معه، حيث فرض التدخّل السّياسي بالقضاء والضّغوط الأميركيّة التي تمارس عليه نوعاً من تحفيز البعض على التعامل مع العدو وارتفاع نسبة المتعاملين.
نحن هنا نتحدّث عن فئةٍ جديدةٍ من العملاء الذين إذا ما أردنا تصنيفهم فهم كالتالي:
1 ـ العملاء السّابقون الفارّون إلى داخل الكيان الصّهيوني في فلسطين المحتلة إبّان تحرير عام 2000 والذين لا تزال أغلبيتهم تخدم في جيش العدو وضمن بعض وحداته الخاصّة.
2 ـ العملاء الذين يحملون (الجنسيّة الإسرائيلية) ولا زالوا يحملون الجنسيّة اللبنانية ولهم امتيازات نتيجة خدماتهم للعدو حتى الآن.
3 ـ المتطوّعون الجدد وهم الفئة الأحدث التي تقدّم بكامل رغبتها على التّواصل مع العدو وأجهزته عارضة خدماتها الخيانيّة.
4 ـ مشتبه بهم بالّرغم من توفّر الأدلة القاطعة لاتصالهم بالعدو لم يخضعوا للتّحقيق أو المساءلة.
وبالرّغم من الجهد الذي تبذله الأجهزة الأمنية في متابعة هذه الملفات وملاحقتها إلا أنّ تلك الجهود تذهب هباء الرّيح نتيجة لعدم محاكمتهم أو التّحقيق معهم نتيجة للضّغوط التي يتعرّض لها القضاء.
وجديد مسلسل العملاء اليوم هو توقيف القضاء العسكري (ي. الفاخوري) وهو برتبة عريف أوّل بعد الاشتباه به بالتّواصل مع عملاء فرّوا إلى فلسطين المحتلّة عام 2000، وبالتحقيق الأوّلي معه اعترف ي. الفاخوري بأنّه يتواصل منذ سنتين مع المدّعى عليها ليلى مطر الفارّة مع العملاء في فلسطين المحتلة، وهي أرملة العميل جان جورج أبو راشد الذي خدم في صفوف جيش العميل أنطوان لحد. وأضاف فاخوري بأنّ علاقته توطّدت بالعميلة المدّعى عليها ليلى مطر وروت له تفاصيل هروبها إلى فلسطين المحتلّة مع عائلتها عام 2000 وأخبرته بأنّها تقيم مع ابنها الياس جورج أبو راشد الذي يخدم في جيش العدو «الإسرائيلي». واقترحت العميلة مطر على ي. الفاخوري العمل مع «الموساد» طالبة منه أن يصوّر مراكز تابعة لحزب الله مقابل مبالغ ماليّة، مقترحة لقاءه معها في تركيا.
اعترافات سرعان ما نكرها الفاخوري رغم اعترافه الأوّلي بأنّه أرسل لها صوراً له ضمن مهمّة مع قوّات «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وأكّد الفاخوري أنّه تسلّم من العميلة مطر مبلغ ألف دولار أميركي باليد على ثلاث دفعات تسلّمها دفعة أولى 300 دولار أميركي والدّفعة الثانية 400 دولار تسلّمها من مطرانيّة انطلياس، وأمّا الدفعة الثالثة فكانت بقيمة 300 دولار من خلال المدّعى عليه المطران (م ط. ح) الذي دخل إلى فلسطين المحتلّة ليتسلّم المبلغ من العميل الفارّ جريس الياس ريشا في فلسطين المحتلة، وهذا ما أكّدته الشّاهدة في القضية (م. ريشا) التي أخبرها شقيقها العميل الفارّ بأنّ مطراناً يدخل إلى (إسرائيل) سيسلمها المبلغ مع دواء كانت طلبته منه، وبالفعل التقت المطران قرب حلويات كنعان وكان يرتدي زيّه الدّيني وتسلّمت دفعتين من المطران حوّلت لفاخوري الدّفعة الأولى عبر أحد مكاتب تحويل الأموال وسلّمته الدفعة الثّانية باليد.
وبعد الادّعاء على المطران طوي ملفه وهي قضية تشبه إلى حدٍّ ما قضية المعمّم علي الأمين الذي التقى بكبير حاخامات الكيان الصّهيوني شلومو عمار في أحد المؤتمرات في البحرين عام 2019. ورغم تقديم إخبار بحقّه لدى المحكمة العسكريّة في 25-6-2020 وبعد مرور عام على الإخبار الذي لا يزال محفوظاً في أدراج المحكمة العسكريّة دون استدعاء الأمين أو فتح تحقيق معه أو حتّى تقديم أيّ إجابة على الإخبار.
هذا التّراخي أدّى الى المزيد من التّحفيز على خيانة الوطن حتى أصبحت العمالة وجهة نظر وأصبح العملاء يتمتعون بحصانةٍ ديبلوماسيّة، وإذا ما استمرّ الحال على هذه الوتيرة فلربما نشهد محاكماتٍ للمقاومين الذين قدّموا أنفسهم وأرواحهم فداء للوطن. وما الضّغوط والتّدخلات الأميركيّة وبعض التّدخلات السّياسيّة في الداخل في القضاء إلّا شاهد على إضعاف الجسم القضائي وتوهينه وتحفيز لبعض ضعاف النّفوس على المبادرة للخيانة وتجنيد أنفسهم للعدو لا سيّما في ظلّ ما يمرّ به لبنان من أزمات. والشّواهد التاريخيّة كثيرةٌ على معاقبة من أجرموا بحقّ الوطن من فرنسا إلى الجزائر إلى أيّ دولة.
في الخلاصة هناك قاعدة واحدة تحكم وتقول ان لا تهاون مع الذين باعوا شرفهم وخانوا أوطانهم فاحفظوا ما بقي من عزّة لوطن كاد أن يصبح حطاماً وابنوا وطناً أساسه العدل في الرّعيّة.