عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب
ممّا لا شكّ فيه ان الطريقة التي اعلن فيها السيد حسن نصرالله موعد إبحار أولى ناقلات النفط الإيرانية في المكان والزمان تكتسب ابعاداً تطبيقية للعاشر من محرّم تستكمل مسيرة طويلة من الجهاد على الجبهتين العسكرية والإعلامية حيث يمكن اعتبار الإعلان بمثابة إطلاق للمواجهة الاقتصادية بنفس قوانين وشروط الحرب العسكرية والإعلامية بعد توفير كامل مستلزمات هذه المواجهة .
بداية لا بدّ من توضيح أمر تعاملت معه جبهة الخصوم والأعداء على ان اعلان السيد النيّة باستقدام حزب الله للنفط الإيراني مجرد عملية استعراضية لن تصل الى مستوى التطبيق العملي وهو ما يبين الحِدّة في مستوى الردود التي سبقها بلا شك صدمة كبيرة وادراك ضمني ان وصول النفط الإيراني سيضرب مخططات كبيرة تستهدف لبنان ويغير بشكل جذري بموازين القوى وسيكون له انعكاسات سياسية إيجابية على فريق المقاومة لجهة انكشاف الجهات التي تتلاعب بعيش اللبنانيين وتتحكم باحتياجاتهم الأساسية .
من المؤكد ان الإعلان عن إبحار ناقلة النفط سيطر على المشهد الكلي في حين ان حزب الله على لسان السيد نصرالله اعلن في مناسبات سابقة ان الأمر لن يقتصر على المشتقات النفطية وسيشمل الدواء والمواد الغذائية ما يعني تحقيق نقلة نوعية في كسر الإحتكار والمحتكرين على حساب مافيا كارتيلات النفط والدواء والغذاء لمصلحة الشعب اللبناني ، كل الشعب اللبناني بدون استثناء ، وهو سلوك سيكون مشابهاً لما اعلنه السيد في مهرجان النصر عام 2006 عندما اهدى النصر للبنان واللبنانيين .
وقبل الدخول في مقاربة المخاطر لا بدّ من التأكيد على ان ما يتعرض له لبنان في البعد الاقتصادي هو عدوان موصوف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وسيتم التعامل معه على هذا الأساس رغم الإنقسام السياسي الحاصل في لبنان .
في الجانب العسكري يعرف الأميركي ومعه الإسرائيلي قدرات المقاومة بشكل جيد وهو ما سنقاربه من الجانب الإسرائيلي وما صدر منذ البارحة من تحليلات في مراكز الأبحاث والإعلام الصهيوني والتي اعتبرت مسبقاً بغالبيتها ان السيد نصرالله عندما اعلن عن ابحار الناقلة كان يستند الى تقدير دقيق للموقف بالعديد من السيناريوهات التي اخذت بعين الإعتبار كل الإحتمالات بما فيها احتمال التعرض للناقلة باشكال مختلفة ومن هذه الإحتمالات :
- ان تقوم البحرية الأميركية باعتراض الناقلة واحتجازها وهو احتمال قائم ويمكن ان يحصل ولو بنسبة ضئيلة ولو ان العديد من المتابعين يستبعدونه لأنه سيكون بمثابة اعلان واضح من اميركا انها تحاصر لبنان وهو ما سيكشف وجهها الحقيقي حتى لدى اتباعها ولدى الرأي العام الدولي .
- ان تنفذ البحرية السعودية او الإماراتية التي تعتبر حزب الله ” منظمة ” إرهابية هجوماً على الناقلة بين باب المندب وقناة السويس وهو امر ان حصل سيؤدي الى نقمة الشعب اللبناني ويغير من موازين القوى الشعبية في الإصطفاف والتموضع إضافة الى ان الرد سيأتي من الجبهة اليمنية التي ستقوم بتنفيذ وعودها المتلاحقة بما يرتبط بعنوان أساسي وهو وحدة الجبهات والإرادات ضمن محور المقاومة .
- ان يتم عرقلة وتأخير مرور الناقلة عبر قناة السويس وهو امر محتمل رغم ان الناقلة ستدفع الرسوم المتوجبة عليها وستبرز كامل مستنداتها القانونية لكن هذه الفرضية لن تتجاوز تأخير الناقلة من الوصول الى مرساها سوى أيام قليلة .
- ان تعمد القوات الإسرائيلية البحرية او الجوية على اعتراض الناقلة سواء عبر احتجازها او قصفها وهو الأمر القائم بنسبة ضئيلة ايضاً على اعتبار ان أي من المسؤولين الصهاينة لم يدلي حتى اللحظة بأي تصريح حول الناقلة بل على العكس تم الإتصال بوكالة رويترز وتصحيح ونفي ما ورد عبر اخبارها ان هناك نية اسرائيلية لإستهداف الناقلة واقتصر الأمر على اراء المحللين الذين اجمعوا تقريباً ان التعرض للناقلة سيكون امراً مليئاً بالحماقة والتسرع حيث يعتبرون ان نتائج التعرض للناقلة سيفتح بوابة جهنم من حزب الله وليس نافذة جهنم غزة ، فالجميع يجري مقارنة بين قوة المقاومة في غزة وقوة حزب الله التي تتجاوز قوة غزة بعشرات الأضعاف كمّاً ونوعاً .
وعلى الرغم من استبعاد فرضية التعرض للناقلة سواء حجزها او قصفها فلا ضير من توضيح احد السيناريوهات التي يمكن ان ينفذها حزب الله ردّا على استهداف الناقلة والذي قد يُشعل المواجهة الشاملة .
في المواجهة الشاملة سيكون جيش الكيان هذه المرّة اكثر توحشاً من أي مرة سابقة وسيحاول تطبيق ” عقيدة الضاحية ” التي عمل عليها رئيس الأركان السابق كوخافي ولا تزال رئاسة الأركان الحالية تتبناها بالكامل ، وهي عقيدة قائمة على تدمير الضاحية الجنوبية لبيروت واحداث صدمة كبيرة لشل قدرات القيادة والسيطرة لدى المقاومة عبر استخدام سلاح الجو بشكل مفرط ومتوحش .
في المقابل تمتلك المقاومة بنك اهداف يطال كامل الأهداف الإستراتيجية في الكيان الصهيوني العسكرية والإقتصادية ومن بينها وزارة الدفاع ” الكرياه ” وكافة مراكز القيادة والسيطرة الإستراتيجية والتكتية إضافة الى قدرة المقاومة على تعطيل مدارج المطارات المدنية والعسكرية في كيان العدو .
اما لماذا قد تنتقل الأمور الى مواجهة شاملة ؟
والجواب لأن استهداف الناقلة سيتم الرد عليه بالمثل وقد يشمل منشآت حيفا النفطية وحقول الغاز وهو الأمر الذي لن تستطيع القيادتين السياسية والعسكرية في كيان العدو تجاوزه وسيدفعها بالتأكيد الى ارتكاب حماقتها الكبرى .
وللتوضيح وبشكل مقتضب فإن ما تمتلكه المقاومة من سلاح وصل الى الحد الذي يمكن ان يعيد الكيان عشرات السنين الى الوراء .
وما هو معلوم للعدو من قدرات المقاومة يضم 150 الف صاروخ بمدى يبدأ من 22 كلم ويصل الى 100 كلم برؤوس متفجرة ما بين 20 الى 100 كلغ من المواد شديدة الإنفجار ، مضافاً لهذا العدد الآف الصواريخ الباليستية بمدى بين 100 كلم الى 500 كلم برؤوس متفجرة بين 120 الى 800 كلغ وترسانة تضم مئات الصواريخ الدقيقة بمديات تصل الى 400 كلم برؤوس متفجرة تتراوح بين 500 و1000 كلغ سيتم اطلاقها بالتأكيد على الأهداف ذات الطابع الإستراتيجي كالمطارات ومراكز القيادة والمنشآت الاقتصادية والبنية التحتية المختلفة .
ولا ينتهي الحديث هنا فالمقاومة التي دمرت البارجة ساعر منذ 15 سنة تمتلك في الحد الأدنى عشرات الصواريخ ارض – بحر التي يصل مداها الى 300 كلم ويمكنها ان تدمر اية قطعة بحرية ضمن مداها وكذلك عشرات الغواصات الصغيرة المسيرة لعمليات الإستطلاع والإستهداف .
كذلك لا يمكن تجاهل اسطول كبير من الطائرات المسيرة التي باتت بمعظمها قتالية تحمل صواريخ موجهة دقيقة وأخرى استطلاعية وانتحارية .
يبقى ان الأمر المجهول حتى اللحظة هو بما يرتبط بصواريخ الدفاع الجوي والتي يعتقد العدو ان حزب الله بات يمتلك اعداداً من المنظومات المتحركة التي يمكنها في الحد الأدنى الحد من فعالية سلاح الجو الصهيوني وشلّ قدراته والتخلي عن مخططات ك ” عقيدة الضاحية ” وغيرها ، فالجيش الذي كان عاجزاً امام صواريخ غزة سيكون مشلولاً بالتأكيد امام قدرات حزب الله .
اما على ماذا استندت في توصيف قدرات المقاومة فالأمر بسيط .
كل ما هو موجود في الترسانة الإيرانية ويتناسب مع حاجات المقاومة فهو بالتأكيد موجود لدى المقاومة وبالكميات المناسبة لتنفيذ المهام المختلفة سواء في المواجهة المحدودة او الشاملة .
امام هذه القدرات لا اعتقد ان قيادة الكيان الصهيوني بالنظر الى ما هو معلوم من قدرات المقاومة قد تُقدم على مغامرة استهداف للناقلة وهو الغالب في التقدير والمعلومات ما يعني ان عشرات الناقلات ستأتي بالتتابع ولن يستطيع قادة الكيان ان يفعلوا شيئاً وسيكون وضعهم كبالع الموس .