غالب قنديل | رئيس مركز الشرق الجديد
يتكرّر النزوع السريالي في المشهد السياسي اللبناني، والبلد يبدو ذاهبا إلى خراب كبير في نظر الخبراء والمحللين الراشدين. بينما يغيب عن مفردات السياسة والإعلام أي اقتراح أو موقف أو حتى فكرة ولو بسيطة، تتعلق بسبل وقف الانهيار وحصر الأضرار، وهي مسائل مغيّبة بصورة شبه كلية عن مفردات المشهد الإعلامي السياسي الصاخب.
أولا: شهدنا عملا إعلاميا مدروسا ومبرمجا وسط الكارثة لتسويق التميّز المزعوم في خطب ما يسمى بمنظمات وجماعات المجتمع المدني، التي تكشفت جهودها وأنشطتها، بنسق فضائحي عن محاولة انتهازية مقرفة، لتصيّد العثرات والتعيّش عليها، في دورة ارتزاق خارجية باتت مفضوحة، ولا تحجبها البيانات الممجوجة عن الشفافية والنزاهة والتبتّل في خدمة الناس الذي تعلموا عبر التجارب ان لا عفة في اللعبة السياسية التي تقيحت فصولها ومفاصلها بالفضائح والسرقات وبالمال الحرام بما فيها “بعثات ” المجتمع المدني وهم آخر أفواج الدجالين ولو اخضعت منظماتهم لرقابة مالية شفافة لاكتشف اللبنانيون ما يندى له الجبين عن تجارة رخيصة بالآلام والعذابات الإنسانية في بازار تسول المساعدات وشفطها وتقاسمها والتنفّع من خلالها، بل إن أي تدقيق مالي في حسابات الجمعيات المعنية سيكشف العجب العجاب.
ثانيا: من مزايا النظام الراسخة أن تُطرح للجدل تشكيلة الحكومات من زاوية الحصص الوزارية. وحيث درجت العادة على تسميات واصطلاحات في تصنيف الوزارات من باب ما تتيحه من صفقات واتفاقات وعقود. فثمة وزارات دسمة ووزارات مرذوله، تتهرّب الكتل من توليها فمن يستطيع مثلا أن يتذكر منافسة على وزارة التعاونيات أو حتى وزارة الزراعة، ووزارة الصناعة التي يمكن التعرّف على أهميتها في حسابات النظام من موازناتها، التي تناهز بالكاد مصاريف تشغيل هيكل وظيفي محدود، لا يناسب الأهمية المفترضة نظريا للاختصاص الحيوي اقتصاديا. فصاحب “المعالي” في نظامنا يتطلّع دوما ليحظى بحصة من عمولات، وربما أكثر في تولي الوزارة – أي وزارة – وهو ما تَفاقم مع توحّش صيغة السلطة، التي أوصلت لبنان إلى الكارثة، إضافة إلى تخريب العديد من فرص التطوّر والتقدّم، نتيجة العبودية والارتهان للمستعمر الغربي اللصوصي.
ثالثا: اذا استثنينا أطروحة قائد المقاومة حول كيفية النهوض من الكارثة، وتوجهات الشراكة المشرقية الممكنة، ومع معرفتنا اليقينية لاستعداده الطبيعي لتوظيف علاقاته وهيبته العابرة للحدود في إنقاذ الوطن والشعب، فإن البلادة والاجترار يسودان مواقف العديد من الزعامات والقيادات “الغاشية”، حتى تلك التي تزعم تميّزا وحسّا تغييريا استثنائيا أصابها الخرس، وكأنّ لعنة حلّت بالبلد، ففاقم ذهول الانهيار عجز النظام وأهله. بينما الكساح الفكري والسياسي يستوطن الواقع السياسي بمعظم قواه. وهذا المأزق الذي يخنق لبنان ويدفع ازمته في مسار خطير، يستدعي مبادرات جريئة دون انتظار صحوة أي كان من الغافلين. ولذلك نبادر إلى دعوة مفتوحة لرفع الصوت والتعبير عن موقف واضح وقوي إلى جانب مبادرة “السيد ” الأصيل بأفكار غير تقليدية، ومحاولات لابتكار خطة استثنائية لتخطي المأزق.