تقع صحراء النقب(بالعبرية: نِکِو) في جنوب فلسطين المحتلة وهي منطقة جافة وصحراوية، وكانت تاريخيًا موطنًا للعديد من المجموعات العرقية، بما في ذلك العرب البدو، ولا تزال موطنًا لعدد كبير من السكان العرب البدو.
وخلقت صحراء النقب، بسبب سكانها المميزين ومعتقداتهم وطريقة حياتهم المختلفة عن اليهود الإسرائيليين، العديد من مشاكل الحكم والأمن للکيان الصهيوني في هذه المنطقة.
ووفق مصادر وتقارير منشورة من مصادر ومسؤولين صهيونيين كبار، فإن نسبةً كبيرةً من البدو في هذه المنطقة لا يزالون يحتفظون بآرائهم القومية العربية الفلسطينية، ويعارضون الحكم الصهيوني لفلسطين المحتلة ووجود دولة يهودية ذات هيكل يهودي، وقد تسبب هذا في قلق شديد للسلطات الإسرائيلية في الأوقات المتأزمة، وخاصةً أثناء تشكيل الانتفاضة الفلسطينية.
بالنسبة لتحديد الوضع الدقيق لهذه المنطقة، نشير إلى تصريحات وتقارير الإسرائيليين الداخلية.
يقول “يوفال ديسكين” الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “الشاباك”، عن منطقة النقب: “من الواضح تماماً أن قوةً إقليميةً تسمى دولة إسرائيل، غير قادرة على حكم الكثير من أراضيها في النقب والجليل والقدس”.
ويقول “أفيتار دافيد” منظم حركة (Regavim) في جنوب الکيان الإسرائيلي، عن مشاكل الإسرائيليين في منطقة النقب: “تنجم المشاكل في هذه المنطقة عن افتقار الحكومة الإسرائيلية للسيادة واستمرار هيمنتها على النقب”.
کما تقول “سارة هاتزيني كوهين” الناشطة الاجتماعية الإسرائيلية وزعيمة حركة “إسرائيل بلدي”، التي تروج للدعاية الإسرائيلية والصهيونية، عن النقب: “أثناء قيادتك على طول شارعي ديمونا وبئر السبع، ستلاحظ أن الطريق بأكمله مليء بالخيام البدوية؛ بدوٌ بلا قيود وتخطيط وأي نظام وقانون”.
بدوره يكتب “أونيو كوبيتس” في صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن البدو: “لقد حذر جهاز الأمن الإسرائيلي من زيادة مقلقة في الأنشطة الإرهابية لبدو النقب، فضلاً عن زيادة جرائمهم ضد الأمن القومي للبلاد”.
كذلك، يصف الموقع الصهيوني “ماكوم ريشون” فيما يتعلق باعتداء البدو على المقبرة اليهودية والذي حدث في النقب، منطقة النقب في عنوان تقريره کما يلي:
عدد السكان العرب البدو في صحراء النقب
وفقًا لمركز البحوث والمعلومات في البرلمان الإسرائيلي، فإن عدد السكان البدو الحاليين في النقب يقارب 20 ألف شخص، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم هو العدد الوحيد للبدو الذين يعيشون في مناطق معروفة يمكن الوصول إليها في النقب.
ووفق مصادر داخلية إسرائيلية، إذا كانت الإحصائيات المذكورة لسكان البدو تشمل سكان البدو الذين لا يشملهم الإحصاء بسبب اللامركزية والحياة الصحراوية التقليدية في النقب، فسوف يزداد عدد السكان البدو بشكل كبير إلى أكثر من 200 ألف.
على مر السنين، حاولت الحكومة الإسرائيلية إخضاع العرب البدو لسيطرتها من خلال بناء المستوطنات ومنح الأرض لبدو النقب، وعلى الرغم من موافقة بعض البدو على الهجرة إلى المستوطنات المبنية، إلا أن قسمًا مهمًا آخر من البدو لم يقبلوا الحياة في المستوطنات المبنية ولا يزالون يعيشون بطريقة لا مركزية وتقليدية، وقد فشلت الحكومة الإسرائيلية حتى الآن في خطتها لتنظيم حياة البدو والسيطرة عليهم بالكامل.
مناطق ومراكز إسرائيلية مهمة في صحراء النقب
ما سبق ليس كل قصص وقضايا منطقة النقب. باستثناء مشاكل الحكم والأمن للکيان الصهيوني بسبب وجود العرب البدو، تحتوي صحراء النقب على جزء كبير من البنى التحتية العسكرية والصناعية الهامة والقيمة ومدن الکيان الإسرائيلي.
في الواقع، تزداد حساسية هذه المنطقة والبدو القاطنين فيها عندما نرى أن عددًا كبيرًا من القواعد الجوية العسكرية الإسرائيلية موجود في هذه المنطقة وحولها، والأهم من ذلك أن أحد أهم المواقع النووية في الکيان الإسرائيلي، أي موقع “ديمونا” النووي، تم بناؤه بالقرب من منطقة البدو المأهولة في النقب. كما تقع مدينتا “ديمونة” و”بئر السبع” حول المناطق البدوية أيضاً.
تقع منطقة حياة ووجود القبائل البدوية بين مدينتي ديمونة وبئر السبع، وهناك موضوع مهم آخر ألا وهو موقع ديمونة النووي الواقع في مدينة ديمونة..
تبلغ مساحة الکيان الإسرائيلي 22145 كيلومترًا مربعًا، أي ضعف مساحة قطر تقريبًا، و”إسرائيل” هي الدولة الـ 153 في العالم.
بالنظر إلى المساحة الإجمالية لفلسطين المحتلة، يمكن القول إن الوصول إلى هاتين المدينتين و”قاعدة ديمونة النووية” من المنطقة التي يتواجد فيها العرب البدو، يستغرق وقتًا قصيرًا جدًا، وقد تسبب هذا الموضوع في قلق الصهاينة على أمن هاتين المدينتين، وخاصةً موقع ديمونا النووي.
لأنه في حال حدوث صراع بين البدو والحكومة الصهيونية، سيتمكن عرب هذه المنطقة بسهولة من مهاجمة هاتين المدينتين، وخاصةً قاعدة ديمونة النووية والاستراتيجية، وإلحاق الضرر بهذه المدن وموقعها النووي، أو حتى السيطرة على هذه المناطق.
کما تقع مدينة الخليل الخاضعة للحكم الفلسطيني في الضفة الغربية أيضًا على مسافة قصيرة من الوجود البدوي العربي، والذي قد يكون امتيازًا للبدو في هذه المنطقة عندما تبدأ الاضطرابات.
کذلك، يوجد عدد كبير من القواعد الجوية الإسرائيلية في هذه المنطقة. حيث توجد ست قواعد تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في منطقة النقب، على مسافة قصيرة من مناطق البدو، ويمكن للقبائل البدوية، إذا رغبوا، الوصول إلى واحدة من هذه القواعد الست في صحراء النقب في أسرع وقت ممكن.
ومن المهم معرفة أن قواعد سلاح الجو الإسرائيلي هذه، هي القواعد التي تستضيف أحدث مقاتلات الجيش الإسرائيلي، والدافع الرئيسي للإسرائيليين لشراء هذه الطائرات هو استخدامها في معارك مستقبلية محتملة مع محور المقاومة.
على سبيل المثال، يقول موقع الجيش الإسرائيلي عن مقاتلات قاعدة (Nabataean)، وهي أقرب قاعدة جوية إسرائيلية لمناطق البدو: تستضيف القاعدة طائرات نقل عسكرية إسرائيلية، وطائرات قوية من طراز 35 إف.
طبعاً، ذكرت بعض المصادر غير الرسمية الأخرى وجود طائرات F-16i وطائرات F-15i في هذه القاعدة أيضاً.
القاعدة الجوية (premises) هي قاعدة جوية أخرى قريبة من البدو في النقب، ويقول موقع الجيش الإسرائيلي عن الطائرات في هذه القاعدة: تستضيف هذه القاعدة طائرات F-15i Ra’am ومقاتلات F-16i sufa.
القاعدة الجوية (Roman) للجيش الإسرائيلي هي قاعدة أخری من القواعد الجوية الست في منطقة النقب. وبحسب خبراء عسكريين، فإن السبب الرئيسي والأكثر أهميةً ودافع الكيان الصهيوني لشراء هذه المقاتلات هو استخدامها في الحرب ضد الجيش الإيراني وحزب الله في لبنان.
ومن بين قدرات هذه المقاتلات، هي التفوق في المعارك الجوية والطيران على ارتفاعات عالية، والقدرة على التحليق لمسافات طويلة والوصول إلى المناطق النائية، بما في ذلك إيران.
النقطة التي تعتبر ميزةً محتملةً لإيران ومحور المقاومة ويجب أخذها في الاعتبار، هي قضية وجود البدو المعادين للکيان الإسرائيلي في هذه المنطقة وحول المراكز العسكرية والصناعية المهمة في الکيان.
فإذا كان البدو المناهضون للکيان الإسرائيلي في صحراء النقب مجهزين بأقل عدد من التسهيلات بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة، سيكونون قادرين على مهاجمة هذه القواعد الجوية الست والمنشآت الصناعية مثل موقع ديمونة النووي ومناطق مهمة أخرى في هذه المنطقة، في الحروب المحتملة بين الکيان الإسرائيلي ومحور المقاومة في المستقبل.
كما يمكن للبدو أن يوقفوا الطائرات المقاتلة الإسرائيلية في هذه المنطقة، ويشلوا الجيش الإسرائيلي. ويجب أن نتذكر أن الاعتماد الأساسي للجيش الإسرائيلي هو على قوة سلاحه الجوي، وإذا كانت هذه القوة في مأزق، فإن الجيش الإسرائيلي بأكمله سيكون في مأزق.
والجدير بالذكر أن لدى الكيان الصهيوني العديد من مثل هذه المشاكل في الأراضي المحتلة، وهي مشاكل يمكن أن تجرّ الكيان الصهيوني إلی الهاوية.