فهد ملحم | كاتب سوري
■ لا ريب أن هذه الأرض في هذه البقعة الجغرافية التي نعيش عليها الآن تقاطعت على امتداد أقلامها حضارات الكنعانيين والعموريين والفينيقيين وكذلك السومريين والاشوريين والبابليين والاكاديين وغير ذلك من الحضارات الممتدة منذ آلاف السنين
ولا يمكن لنا تجاهل الحقبة الأموية التي أخذت من دمشق عاصمة لها عام 661 وامتدت رقعة هذه الدولة من جنوب فرنسا الى امتدادات وصلت حتى الشرق الاقصى
وهذه الأرض كانت مستهدفة منذ القدم ؛ فالسلاجقة احتلوا قسمها الغربي والبيزنطيين قسمها الشرقي ؛ وكيف لنا أن ننسى الصليبيين الذين حطوا رحالهم في هذا المشرق عام 1098 ؛ وشكلوا ما يشبه الاحادية القطبية على مدار قرنين من الزمن تمكنوا خلالها من احتلال القدس ( وشاءت الأقدار التاريخية ليتم استرجاعها على يد صلاح الدين عام 1187 ولم يكن هذا الاسترجاع حاسما نظرا لما حصل من اتفاقيات صلح فيما بعد !! ) ولكن بالنهاية تحطمت الغطرسة الصليبية وبقيت أرضنا حرة أبية …
ولم تهنأ المنطقة قليلا حتى كشر الوحش الشرقي المغولي عن أنيابه عام 1300 مرورا بجنكيز خان وتيمور لنك وغيرهم حتى برز المماليك الذين تصدوا مع شعوب المنطقة لهذه الاحتلالات الممنهجة
إلى أن جاء المارد العثماني ووضع قدمه الاولى في الشمال في ” مرج دابق 1516 ” وقدمه الثانية في الجنوب ب ” الريدانية 1517 ” ونشر عباءة الظلام والجهل على أصقاع المعمورة لمدة أربعة قرون
■ ليظهر في خضم ( ديمومة الصراع ) الوحش الغربي في بدايات القرن العشرين ليحتل هذه البلدان ( بحجة #الوعود باستقلالها وحمايتها !! )
ومنذ عام 1917 كان ثمة قران غير شرعي وشاذ و ” وعد غير شرعي ” نتج عنه فترة حمل دامت 30 عاما لتكلل بولادة غير شرعية على يد ( أم سيئة النية ) في أرض غير شرعية ليهنأ مولودها بالرقاد على أرض يزعمون أنها أرض الميعاد !!.
■ ومنذ نهاية الأربعينيات والخمسينيات كانت هذه المنطقة محور الاستقطاب لأي صراع دولي ؛ وسورية ( بجغرافيتها الطبيعية الكبرى ) كان لها النصيب الأكبر بهذا الاستهداف منذ ذلك التاريخ الحديث أو دعونا نقول منذ استقلالها ( هذا الاستقلال الذي يعتبر حدث من مجموعة أحداث كبرى يمكن من خلالها فهم سياسة سورية الخارجية المعاصرة ) ومن أهم هذه الأحداث : زرع البؤرة السرطانية الصهيونية في فلسطين – سلسلة الانقلابات العسكرية في سورية والتي بدأها حسني الزعيم ( في العام الذي تشكل فيه حلف شمال الاطلسي أي في عام 1949 ) – مرورا بالوحدة بين سورية ومصر – ثم الانفصال – واستلام حزب البعث السلطة في سورية – لتأتي هزيمة 1967 – ثم الحدث الأهم وهو تولي الزعيم حافظ الاسد دفة القيادة لسفينة أبحرت بالطريق الصحيح لمدة ثلاثون عاما ؛ وخلال هذه الفترة شهدنا حرب تشرين واتفاقية فض الاشتباك ثم اتفاقية ( خروج مصر من الصراع العربي الاسرائيلي ) واندلاع الحرب الاهلية في لبنان ودخول القوات السورية ناهيك عن الغزو الاسرائيلي للبنان والذي نتج عنه تحول كبير جدا في طبيعة الصراع وقواعد الاشتباك وهو بروز المقاومة ( بتوجهاتها اللبنانية والاسلامية متمثلة بحزب الله ) وعلى المقلب الدولي كان ثمة تحطم للقطبية الثنائية وما تلاها من حرب الخليج الثانية ومؤتمر مدريد ( وما تمخض في كواليسه من توقيع أوسلو ثم وادي عربة ) ويأتي بوش الابن ب ( انجيليته المتطرفة وسياسته الامبريالية واختلاقه عدو جديد لمحاربته ) فكان غزو العراق ؛ ثم تفجير 2005 في لبنان لأهداف باتت معروفة للجميع ؛ لتأتي حرب تموز بما لا تشتهي الاحلام الصهيونية ؛ مما دفعهم لتنفيذ المشروع ( المحضر مسبقا ) لتحقيق الحلم ” الاسرائيلي ” بنظام إقليمي وفق تطلعاتها ؛ وكانت البداية في تونس كحجر الدومينو الاول لتتساقط جميع الحجارة في قلعة دمشق ثم احتلال هذه الاخيرة ( وفق أحلامهم ) .
■ من خلال هذا التمهيد وهذه المقدمة أعلاه وعلى ضوء كل هذه التراكمات وهذه الحوادث والاحداث الكبرى على المسرح الاقليمي والدولي التي أكسبت السياسة السورية لاسيما منذ حقبة السبعينيات عمقا سياسيا احترافيا يتسم بالتشبث ببعض الجوانب من جهة للحؤول دون الوقوع المدوي ؛ ومرونة في بعض الجوانب من جهة أخرى للحؤول دون الانكسار أمام العواصف الجارية .
■ نجح حافظ الاسد في أداء أمانته التاريخية على أكمل وجه ورحل واقفا شامخا ولم يوقع ؛ وما زال الرجل الاسطوري والزعيم الكبير بشار الاسد حاملا لراية الأمانة التاريخية ومستمرا في معركته التي سيخلده التاريخ بصفحات من ذهب / يتبع /.